الاستثمارات الإيرانية تتدفق على سورية.. وأهدافها اقتصادية وسياسية

طهران ستصدر إلى دمشق ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا

TT

يحب احمد انصاري التفكير في نفسه كرائد في مجاله. فشركة تدوير النفط التي يمتلكها، وهي شركة مصفاة دمشق للبتروكيماويات، كانت اول شركة ايرانية خاصة تعمل في سورية، الاولى من بين عديد من الشركات، كما يبدو الامر الان.

وقال انصاري وهو مواطن ايراني بدأ العمل هنا في عام 2003، بلهجة عربية «يتوقع دخول مليارات من الدولارات من المشاريع الايرانية الان»، وذلك خلال الحديث الذي دار في مكتبه في دمشق. فمع وجود مشاريع لصناعة السيارات ومنطقة صناعية مقترحة تصل قيمتها الى ملياري دولار الى خطة لتحسين شبكة النقل المدني في سورية، تتدفق الشركات الايرانية على سورية، بهدف الاستفادة من خطوات اتخذتها سورية في مجال الخصخصة. وتحاول القيادات السورية التي يثقلها القطاع الخاص الضخم، وتدفق اكثر من مليوني عراقي وانخفاض اسعار النفط، تحرير الاقتصاد، على أمل تجنب انهيار مالي. وفي ظروف اخرى كان من الممكن لجهود الخصخصة تقديم فرصة للولايات المتحدة واوروبا لاستخدام عضلاتها التجارية الهائلة لزرع خلاف بين سورية وايران، العدو الاكبر لواشنطن في المنطقة.

الا ان الولايات المتحدة فرضت عقوبات في عام 2004 بسبب تأييد سورية للفلسطينيين المتطرفين والمنظمات السياسية، وهو الامر الذي ادى الى منع الصادرات الاميركية لسورية ومنح الرئيس بوش البديل الاضافي بمنع الاستثمارات الاميركية في البلاد، هو ما اثار خوف الشركات الاميركية والأوروبية. وفي وقت من الاوقات كان لإيران، التي تعرضت الى عقوبات اقتصادية اميركية مرتين بسبب طموحاتها في مجال الاسلحة النووية، عدد محدود من فرص الاستثمار في الخارج. والمحصلة النهائية لذلك، كما يشير الدبلوماسيون الغربيون والمحللون هو ان واشنطن دفعت دمشق وإيران الى تعميق تحالفهما المستمر منذ ثلاثة عقود. ويقول مصطفى الكفري، رئيس وكالة الاستثمارات السورية، ان السبب في العمل عن كثب مع الايرانيين امر منطقي. وعلق قائلا ان كلا من سورية وايران تحت الحصار الاميركي. وتقدر الحكومة السورية الاستثمارات الايرانية خلال العام الماضي فقط بما يزيد على 400 مليون دولار، الأمر الذي جعل طهران ثالث اكبر مستثمر في سورية بعد السعودية وتركيا. وعلى الرغم من عدم توفر أرقام، فإن بعض التقديرات يشير الى ان ايران استثمرت 3 مليارات دولار في سورية، غالبيتها خلال العام الماضي. وكان مسؤولون من الدولتين قد أعلنوا في سبتمبر (أيلول) الماضي عن خطط لتوسيع مشاريع ايرانية في سورية بقيمة 10 مليارات دولار على مدى السنوات الست المقبلة. وتعزز العلاقات الاقتصادية الوثيقة علاقات ثقافية ايضا، فهناك ما يزيد على نصف مليون زائر ايراني سنويا يتوجهون الى المراقد الدينية في سورية. وقال ولي نصر، الاستاذ في كلية فلتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، ان سورية تبدو اشبه بالوجود الايراني في النجف. وأضاف قائلا ان هناك عملا تجاريا ناشئا في مجال خدمات الزوار الايرانيين للأماكن الدينية في سورية، الأمر الذي عمق من العلاقات الآخذة في النمو والتطور الى شراكة. واهتمام سورية المفاجئ بالاستثمار الاجنبي والحرص الايراني على توفير الاستثمارات جاء نتيجة ازمة اقتصادية ناشئة. فمن المتوقع ان يكلف دعم الأغذية والطاقة، على سبيل المثال، 7 مليارات دولار العام المقبل، أي حوالي 20 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، إلا ان الدولة لم تستطع زيادة جباية الضرائب بشكل كبير. وقال آندرو تابلر، رئيس تحرير مجلة «سيريا توداي»، انهم لم يعرفوا مدى سوء الوضع إلا في الآونة الاخيرة، وأضاف قائلا الا خيار أمام سورية سوى اتباع نهج تحرير الاقتصاد، كما اعرب عن اعتقاده في ان العقوبات الاميركية تحول دون استخدام الولايات المتحدة نفوذها الاقتصادي. ويشكك بعض المحللين بذلك التأكيد قائلين، ان القضايا السياسية التي تقسم الولايات المتحدة وسورية، من اسرائيل الى نشاطات حزب الله، بحاجة الى حل قبل ان تبدأ سورية باعادة النظر في اواصرها المتنامية مع ايران.

وحتى في ظل غياب العقوبات فان غابة من البيروقراطية في سورية والاضطراب السياسي في لبنان والعراق القريبين سيجعل المستثمرين يتوقفون. ويقال ان العقبات البيروقراطية تعرقل عددا من المشاريع الايرانية، حيث بعضها في مراحل التخطيط. وقال جهاد يازجي محرر «سيريا ريبورت»، وهي مجلة اقتصادية سورية على الانترنت، انه «من الأسهل والأكثر ربحية، على العموم، أن يجري استثمار في أماكن مثل مصر والأردن». ولكن أيا من ذلك أضعف حماس الشركات الايرانية، ويعود جزء من ذلك، حسب قول كثيرين هنا، الى دعم من جانب طهران.

وغالبا ما تتمتع الشركات التي تملكها الدولة، بل حتى شركات خاصة بصلات مع الشخصيات السياسية، مثل علي اكبر هاشمي رفسنجاني، وهو قطب مالي ورئيس مجلس الخبراء الايراني، بل حتى عناصر من الحرس الثوري، وفقا لما قاله نصر من معهد فليتشر.

وقال نصر انه «ليس هناك شك في ان التوسع الاقتصادي الايراني يتجه الى الاسواق حيث هناك مصالح سياسية. وعلى مستوى معين يتسم الاستثمار الايراني بأنه استراتيجي. وعلى مستوى آخر يعتمد ببساطة على الفرصة الاقتصادية. ولكن يمكن الرهان على ان رفسنجاني لن يضيع فرصة للاستثمار في سورية».

وذلك يثير قلق بعض السوريين. وقال احد كبار مستشاري الحكومة السورية، مشترطا عدم الاشارة الى اسمه، لأنه ليس مخولا بمناقشة مثل هذه الأمور، انه ليس من باب المصادفة ان ايران تستثمر في صناعات استراتيجية مثل انتاج الخرسانة وتوليد الطاقة. وقال المستشار ان «هذه الصناعات حيوية ويمكن أن تعطي الايرانيين نفوذا كبيرا». وأضاف انه فضلا عن هذه المشاريع تدرس سورية موضوع ادارة الشركات الايرانية لشبكة ماكينات الصرف الآلي في البلاد، وطباعة الجوازات السورية، والاشراف على نظام مقترح لتوزيع الحصص التموينية بواسطة بطاقات الاعتماد. وقال المستشار ان «هذه المشاريع ستقدم لنا معرفة بأنفسنا بل وحتى سلوكنا في مجال الانفاق الشخصي. وهذا الأمر لا يدور حول الربح، وأنما حول النفوذ». من جهة اخرى، وقع وزير النفط الايراني بالوكالة غلام حسين نوذري ونظيره السوري سفيان علاو الخميس اتفاقية تصدر بموجبها ايران الى سورية ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا مقابل مليار دولار، كما افاد التلفزيون الرسمي. وقال نوذري «بعد التوقيع على هذا الاتفاق سيبدأ الخبراء عملهم لتحديد كلفة النقل وبحث جوانب الاتفاق الاخرى». واضاف ان «الغاز سينقل عبر تركيا».

واعلن التلفزيون الايراني الرسمي ان صادرات الغاز هذه يفترض ان تبدأ في العام 2009، وستعود على ايران بمليار دولار سنويا. وتستورد تركيا الغاز الايراني المخصص للاستخدام المنزلي عبر خط انابيب يصل بين مدينة تبريز في شمال غرب ايران وانقرة. وتمتلك ايران 16% من احتياطي الغاز العالمي وتحتل المركز الثاني عالميا في هذا المجال بعد روسيا. وبحث وزيرا النفط كذلك بناء سورية مصفاة نفطية بقدرة تكرير 140 الف برميل يوميا بالتعاون مع فنزويلا.