دبلوماسيون سوريون: دمشق تعمل على تنظيم معارضة عراقية للحصول على نفوذ

قالوا إن السلطات السورية تشعر أن القوة الأميركية إلى تضاؤل ويعتبرون عناصر المقاومة مقاتلين من أجل الحرية

TT

تشجع سورية المجاميع السنية العربية المتمردة والبعثيين العراقيين السابقين كي ينظموا أنفسهم، كما قال دبلوماسيون ومحللون سياسيون سوريون. فعن طريق بناء أواصر قوية مع هذه التنظيمات تأمل سورية في الحصول على نفوذ في العراق قبل بدء التضاؤل الذي لا محالة له للحضور العسكري الأميركي هناك.

ويقول صحافيون عرب في دمشق إن «السوريين يشعرون أن القوة الأميركية هي أضعف الآن مما كانت عليه في السابق. والآن هم قادرون على اتخاذ مبادرة علنية قوية مثل مساعدة المعارضة العراقية على تنظيم نفسها من دون الشعور بالخوف، خصوصا أن الرئيس بوش أصبح ضعيفا».

وضمن هذا السياق، عقد بعثيون سابقون يعارضون حكومة نوري المالكي مؤتمرا في شهر يوليو (تموز) الماضي للتنظيمات المتمردة بما فيها اثنان يعتبران الأكثر شهرة: «كتائب ثورة العشرين» و«أنصار السنة»، وجرى المؤتمر في «منتجع صحارى» خارج دمشق.

وجاء ذلك المؤتمر عقب اثنين آخرين عقدا في سورية خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي استهدف تشكيل جبهة معارضة للحكومة في العراق، والإعلان في دمشق خلال يوليو الماضي عن تشكيل ائتلاف يضم سبعة تنظيمات عربية سنية لغرض التنسيق وتكثيف الهجمات في العراق لإجبار الأميركيين على الانسحاب. واتسع ذلك الائتلاف منذ ذلك الوقت ليضم تنظيمات أخرى.

وتم إلغاء مؤتمر يوليو في آخر لحظة مع ذلك، مما يشير إلى المخاطر السياسية التي تحملها الاستراتيجية السورية الجديدة. وجاء إلغاء المؤتمر من قبل الحكومة السورية حسبما قال بعض المشاركين والدبلوماسيين والمحللين، وهذا ناجم بشكل خاص بسبب الضغوط الإيرانية. فإيران هي حليف سورية الرئيسي، وهي تدعم بقوة الحكومة العراقية التي تنتمي أكثرية أعضائها إلى أحزاب دينية شيعية. وقام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة دمشق قبل أيام قليلة من حلول يوم انعقاد المؤتمر.

مع ذلك، فإن مئاتٍ حضروا المناسبة بمن فيهم حارث الضاري رئيس جمعية العلماء المسلمين التي تعد منظمة سنية معارضة أساسية، وشخصيات مطلوبة من الحكومة العراقية. وقال العديد منهم إنهم يتمنون عقد المؤتمر في سورية قريبا. وقال نزار السامرائي، المتحدث باسم المؤتمر ومدير إعلام سابق في حكم صدام حسين: «المشروع الأميركي في العراق ينهار، ونحن قررنا أنه من المهم بناء جسور مع العراقيين الآن».

لكن الحكومة السورية، التي تتهمها الولايات المتحدة بتهريب متطرفين إسلاميين إلى العراق، أنكرت أيَّ دور في تنظيم المجموعات المعارضة للحكومة العراقية. لكن محللين سياسيين ودبلوماسيين قالوا إنهم يتشككون في إمكانية هذه التنظيمات العمل بسورية.

مع ذلك، يختلف دبلوماسيون غربيون ومعلقون سياسيون حول مدى نفوذ دمشق ومدى قدرتها على تجميع هذه التنظيمات المعارضة معاً. لكنهم وافقوا على أن سورية استخدمت هذه الجماعات لكي تظهر للولايات المتحدة وإيران التي توصف دائما بأنها الأخ الأكبر من حيث تحالفها الطويل المدى مع دمشق، أن لديها القدرة على لعب دور أساسي في مستقبل العراق. ويقول صحافي عربي في دمشق: «إيران هي لاعب كبير في العراق، لكنها تفتقد النفوذ على البعثيين والسنة».

وهذا ما يمنح سورية دورا خصوصا أنها بلد ذو أغلبية سنية مع نسخة خاصة بها من حزب البعث. لكن علاقتها بالبعثيين العراقيين ظلت منذ فترة طويلة متوترة. فسورية دعمت إيران في حربها ضد العراق عام 1980 ودعمت الولايات المتحدة ضد صدام خلال حرب الخليج عام 1991.

لذلك، فإن سورية تصوغ خطاً مناسباً من خلال الالتزام بمبدأ «عدو عدوي صديقي» في علاقتها مع البعثيين والمتمردين، بينما ظلت تبقي تحالفها مع طهران. إنها استراتيجية خطرة تضيف لها احتمال تفجر غضب «القاعدة» عليها. وقال معلق سياسي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا على حياته: «جلب المؤتمر معاً أناساً هم طرف من الوضع الحالي في العراق وآخرين لم يتحالفوا مع أكبر خصم للأميركيين في العراق: القاعدة في العراق».

وبعد غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، والذي عارضته دمشق بشدة، اصبحت سورية ملاذاً لكبار المسؤولين البعثيين من حكومة صدام حسين، والذين كان الكثير منهم مطلوبين من جانب الجيش الأميركي. ويقول محللون سياسيون سوريون انهم جلبوا معهم ملايين الدولارات المسروقة من العراق ومنحوا اللجوء على شرط ألا يمارسوا نشاطا مكشوفا لأن سورية تخشى الانتقام من القوات الأميركية في العراق. وكانت الحكومة العراقية قد اتهمت دمشق بتوفير ملاذ للعراقيين الذين يساعدون المتمردين. ولم تخف سورية تعاطفها مع المتمردين.

وقال مهدي دحلالة، من وزارة الاعلام السورية، ان «سورية تنظر الى أفراد المقاومة باعتبارهم مقاتلين من اجل الحرية مثل جورج واشنطن الذي قاتل البريطانيين. ونحن ندرك ان مقاومة الاحتلال ظاهرة طبيعية».

وكانت سورية في بعض الأحيان تتخذ مواقف ضد العراقيين المطلوبين عندما يرغبون في استرضاء واشنطن أو بغداد. ففي عام 2005 سلمت سورية سبعاوي ابراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق لصدام حسين الذي كان يحتل المرتبة 36 في قائمة المطلوبين الـ 55 من جانب الجيش الأميركي، كما سلمت 29 من المسؤولين البعثيين السابقين المختفين في سورية الى الحكومة العراقية في اطار الشكوك بمساعدتهم المتمردين.

وقال دحلالة ان «سورية لن تسلم أيَّ عراقي الى الحكومة العراقية ما لم تقدم ادلة على ارتكابه أعمالا خاطئة».

ويقول مسؤولون في ادارة بوش ان لدى سورية سجلاً مختلطاً في الفترة الأخيرة، حيث اتخذت خطوات يراها الأميركيون باعتبارها مساعدة في العراق وخطوات أخرى تظهر ان دمشق تسعى الى اقامة نفوذها هناك.

وفي مقابلة معه، اثنى مسؤول كبير في وزارة الدفاع على دمشق لالغائها مؤتمر المعارضة. واشار الى ان السوريين شنوا هجوما معينا على المتطرفين الاسلاميين الذين يعملون قرب الحدود مع العراق، وهي خطوة كانت واشنطن تسعى اليها منذ زمن بعيد.

وقال تقييم استخباراتي نشر بواشنطن في أغسطس (آب) ان الحكومة السورية لاحقت شبكات تهريب اسلامية، ولكنها فعلت ذلك ليس انطلاقا من الرغبة في مساعدة الولايات المتحدة، وفق ما أورده التقرير، وانما لأنها تخشى أن تشكل الجماعات تهديدا للحكومة السورية. وانتقد التقرير أيضا السوريين على تسريبهم الأموال الى الجماعات السنية المتمردة داخل العراق «في مسعى لزيادة النفوذ السوري».

ولدى سورية منذ زمن بعيد استراتيجية ممارسة النفوذ على الأوضاع السياسية لدى جيرانها عبر توفير ملاذات لجماعات المعارضة. وفرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على سورية عام 2004 لدعمها، من بين أمور أخرى، حماس وجماعات فلسطينية متطرفة اخرى.

وسورية، المتهمة بادارة عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، واجهت أيضا ضغوطا متزايدة من جانب الولايات المتحدة وفرنسا لدعمها المليشيات الشيعية اللبنانية (حزب الله).

وقال ثابت سالم، المعلق السياسي السوري، ان سورية تستغل ايضاً الانقسام بين اثنين من زعماء حزب البعث العراقي، هما عزت ابراهيم الدوري نائب الرئيس السابق صدام حسين، ومحمد يونس الأحمد الذي يعتقد انه يعيش في سورية. ولدى الرجلين، اللذين تتهمهما واشنطن وبغداد بقيادة وتمويل العمليات الارهابية في العراق، ملايين الدولارات بأيديهما.

وقال سالم ان «يونس الأحمد يكون تحت مظلة السوريين كوسيلة لتوحيد البعثيين. والسوريون يدعمونه بهدوء لأنهم يمكن أن يسيطروا بصورة اكبر على افعالهم». وفي يناير (كانون الثاني) الماضي عقد الأحمد مؤتمرا في مدينة حمص السورية الشمالية في محاولة لتجديد حزب البعث العراقي. وتكهن بعض السوريين انه يريد ان يتخذ مواقف اكثر ميلا الى التسوية مع الحكومة العراقية والولايات المتحدة. ورفض خصمه الدوري، المتهم بصلات اقوى مع الجماعات المتمردة، المؤتمر.

وقال سالم ان «الدوري يرتاب على نحو عميق بالسوريين لأنه يرتاب بالايرانيين، وهم حلفاء اقوياء لسورية».

ويعتقد أن الأحمد يكسب دعماً متزايداً في سورية من البعثيين العراقيين السابقين، على حساب الدوري وخصوم آخرين، عبر تقديم حوافز مالية ورخص اقامة سورية. ويقال ان الولاء لزعامته قوي خصوصا بين العرب السنة الأفقر الذين يشكلون جزءاً من مليوني لاجئ عراقي في سورية.

وقال سالم ان «سورية يمكن أن تكسب نفوذا هائلا في العراق اذا ما استطاعت السيطرة على البعثيين العراقيين. ولديها ما هو مشترك في الاطار الآيديولوجي معهم أكثر مما مع اسلاميي حماس». ونفى متحدث باسم جناح الدوري من البعثيين السابقين ويعيش في سورية، وتحدث باسم مستعار، هو أبو محمد الأحمد اشارات الى ان البعثيين السابقين يبتعدون عن الدوري او يفكرون في المفاوضات مع واشنطن. وقال ابو محمد «نحن نريد اخراج كل الجنود الأميركيين من العراق، ولن نوقف القتال ما لم يتحقق ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»