طاهر يولدشاف المطلوب أميركيا.. وأزمته الأخيرة مع العرب قبل السقوط الأخير

يرى أن التعصب والغرور وعدم الاستبداد طغت على التنظيمات العربية في قندهار

TT

بإعلان الجيش الاميركي شكلا جديدا من حملات المطاردة ضد تنظيم القاعدة وطالبان، برصده 200 ألف دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على 12 من قيادات الحركة الاصولية، فتح الباب على كنز من المعلومات الشخصية حول هذه الشخصيات، أبرزهم طاهر يولدشاف زعيم الحركة الاوزبكية، الذي عمل تحت امرة الملا عمر وقربه منه.

وتعد حركة أوزبكستان الإسلامية من الحركات التي لم توف حقها في أفغانستان أو في بلدها، حيث تم التعتيم على دورها في اوزبكستان وفي طاجيكستان وقرغيزستان، اللتان كانتا بحاجة الى قوات اميركية لحماية انظمتها بشكل مباشر من اخطار تلك الحركة الأصولية ذات التنظيم الحديدي.

وكشفت مواقع اسلامية ان الأوزبكيين رفضوا مرجعية العرب، كما رفضوا الغرور والتعالي الذي عاملتهم به «القاعدة» قبل الهروب الأخير من قندهار. ورغم أن العديد من الكوادر الأوزبكية تأثر تكوينها بالسلفية المبكرة في اوزبكستان، الا انهم تمسكوا بأصولهم الحنيفية، وبايعوا الملا محمد عمر أميرا لهم ومرجعية سياسية لحركتهم. الأمر الذي وثق الحركة الأوزبكية بقيادة أميرها الشاب محمد طاهر، وقائدها العسكري جمعه نمنكاني، العسكري السابق في الجيش السوفياتي، الذي شارك بضراوة في القضاء على الحملة الأفغانية، قبل أن تستيقظ روحه الاسلامية، ليشارك لاحقا ضمن جماعة التبليغ، في الحرب ضد القوات السوفياتية.

من جهته قال لـ«الشرق الأوسط» الاسلامي المصري ياسر السري مدير المرصد الاسلامي في لندن ان قصة الأوزبك وسام على صدر الملا عمر، حيث أنه ضحى بكرسي الحكم في مقابل الوفاء بعهده وحماية تنظيم القاعدة، وعدم تسليمه أسامة بن لادن والأفغان العرب للأميركيين، لأنه رفض «تسليم مسلم لكافر».

واوضح السري، ان مصير طاهر يولدشاف ارتبط بحركة طالبان في أفغانستان ارتباطاً تاماً، إلا أن حركة أوزبكستان الإسلامية كانت محتفظة بأهدافها الخاصة، وأن الملا عمر كان يضع الحركة الاسلامية الاوزبكية وقائدها طاهر يولدشاف في مكانة عالية، قد لا تدانيها حركة طالبان نفسها، والكثير من قياداتها. ولا يكاد احد من المسلمين خارج آسيا الوسطى يعرف شيئاً عن حركة جهادية فعالة ومؤثرة مثل «حركة اسلامي اوزبكستان».

وكانت حركة اوزبكستان الإسلامية وجزء كبير من قوتها المسلحة التي كانت تعمل من داخل الأراضي الأفغانية، قد واجهت الغزو الأميركي بأشد مقاومة مسلحة، حيث شارك نحو 600 أوزبكي مسلح ومنظم، بشكل أفضل من القوات العربية أو قوات الإمارة الاسلامية، في قتال عنيف ضد القوات الأميركية في طالقان وقندوز ومزار شريف، وانتقلوا من كابول الى ولايات لوجار وباكتيا، فقاتلوا بعنف في زورمات وشاهي كوت.

ولقد كان الأوزبك هم المحور الاساسي الذي قاتل ضد الأميركيين وتحالف الشمال في الحملة التي اسماها الأميركان حملة «آنا كوندا» التي تكبدوا فيها أشد الخسائر البشرية في حربهم الأفغانية.

وقال موقع «شفاف الشرق» بعد وصول تقارير للملا عمر تفيد بعدم دخول القيادات العرب إلى المعارك، وعدم ارسال أبنائها الى خط القتال الأول، لم يكن مستغرباً أن يضع الملا عمر كل الفصائل والمجموعات غير الأفغانية المتواجدة على الأراضي الأفغانية بمن فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تحت إمرة جمعة نمنكانى الأوزبكي، لعدة أسباب: جلد وقوة وثبات الأوزبك في القتال. ثقة الملا عمر فيهم، فضلاً عن انتمائهم لنفس مذهب حركة طالبان، ألا وهو المذهب الحنفي. وأخيرا معرفة الملا عمر بأن العرب أصحاب مشاكل وخلافات، وأن فكرهم يكفّر حركة أوزبكستان الإسلامية.

وبين الاسلاميون أن «الاحداث أثبتت ان الغرور والجهل الذي شاب «الأفغان العرب» أعاد المصالح الاسلامية الى هاوية أعمق وأشد تهلكة مما قاده إليها قادة حرب 1967، التي ما زالت تسحب العالم الاسلامي والعربي إلى هاوية من الهزائم أمام اسرائيل».

واضافوا «الحركة الاوزبكية شرعت في التحرك بين صفوف الاقليمية الاوزبكية شمال أفغانستان، فسحبت جزءاً مهماً من الأرضية التي يتحرك فوقها عبد الرشيد دوستم ويجند ميليشياته، فكانت الحركة تتحرك ضمن فضائها الاجتماعي نفسه تقريباً، وهم اوزبك الشمال الافغاني، الذين هاجروا من بلادهم خوفا من البطش السوفياتي، فكان ذلك مثار رعب للنظام الأوزبكي الذي اندفع اكثر من اي وقت مضى لدعم تحالف الشمال المدعوم من القوات الأميركية».

ذلك التحرك وضع الحركة الأوزبكية على مرمى حجر من حدود أوزبكستان المشتركة مع أفغانستان، والتي يشكلها نهر جيجون، الأمر الذي اثار حماسة الشعب الاوزبكي، ذي الطبيعة القتالية الشرسة والقلوب الشاعرية الرقيقة والميل الى التنظيم الاسبرطي (وهو ما تأباه الطبيعة البدوية للعرب).

ومما يدلل على كثرة وحجم قوة الأوزبك أن أحمد خلفان غيلاني (كيني) أحد المتهمين الرئيسيين بعلاقته بتفجير السفارات الاميركية في شرق إفريقيا عام 1998، قد تزوج بأوزبكية، ألقت الشرطة الباكستانية القبض عليه وعلى زوجته فيما بعد. ومصطفى أبو اليزيد المعروف بالشيخ سعيد، القائد الحالي لـ«القاعدة» في افغانستان، وأحمد سعيد خضر المعروف أبو عبد الرحمن الكندي، قتل في وزيرستان 2003، وعبد الهادي العراقي، اعتقل في تركيا وسلمته لأميركا والمعتقل حالياً في غوانتانامو، من أقرب الناس للأوزبك وعلى علاقة جيدة معهم. وقد تمكنت الحركة الجهادية الاوزبكية من بناء شبكة علاقات قوية ومتشعبة في الأرض السوفياتية السابقة وفي الشيشان وتركيا، ساعدت في ذلك الطبيعة الاجتماعية والذكاء الحاد لزعماء الشباب ذو الإرادة الاوزبكية الصلبة. وكان للحركة الأوزبكية عدد ملموس من المتطوعين في صفوف المجاهدين الشيشان، وكان لهم بطولات خارقة، غير أن الإعلام الدولي واعلام المجاهدين العرب لم يعطهم أي اهتمام.. الأول تجاهلهم كي لا يلفت انظار الشعوب الاسلامية اليهم، والثاني لرغبة عرب الشيشان الاستئثار بالأضواء لأنفسهم.

ونظرا لاتساع شبكة العلاقات ومرونة الحركة والاتصال فيما بينها، كان الاستعلام عن أي وافد جديد لا يستغرق وقتاً طويلاً، فلا يجد الوافد الجديد الا تنظيماً اوزبكياً واحدا، فليس لديهم حالة تنافس تنظيمي تسمح بتسلل الجواسيس بينهم، كما هي الحال لدى التنظيمات العربية. فقيادة الاوزبك كانت واضحة وصريحة امام المهاجرين الجدد، وأمام من يرغب في الانضمام اليهم من مسلمي آسيا الوسطى، فهم لا يرغمون احدا على الانضمام اليهم، ولكنهم لا يسمحون لأحد ان ينفصل عنهم. لذا كان على كل شخص ان يتخذ قراره قبل الموافقة على الانضمام إليهم. وكان ذلك موضع انتقاد شديد من التنظيمات العربية الافغانية، خاصة تنظيم القاعدة، التي اتهمت طاهر يولدشاف بـ«الفاشية». وقد نشأت ازمة أودت بروح الأخوة الجهادية بين الأوزبك والعرب، بعد تعرض الأولى لضغط كبير من جانب بعض التنظيمات العربية وبخاصة «القاعدة»، لخلق انشقاق «سلفي» يخرج من تحت القبضة الفولاذية لطاهر يولدشاف، ويلتحق بالقاعدة.

فحين ألقت قيادة الاوزبك القبض على اثنين من الجواسيس الروس واحتجزتهم في سجن خاص بها للتحقيق معهم، تمكن هؤلاء الجواسيس من الفرار من السجن والالتحاق بمضافة للعرب في كابل، طالبين الحماية من طغيان تنظيمهم الاوزبكي، الذي يضطهدهم لكونهم سلفيين. بعد فترة تم إرسال هؤلاء الأشخاص الى خط الدفاع عن كابل في وسط المقاتلين العرب حتى يهدأ الحال وسط التنظيم الاوزبكي، غير أن الأوزبك اصروا على تسلمهم واتهامهم بالتجسس. وحين لم تفلح جهود الأوزبك في استعادة الجواسيس، أمر زعيمهم بمداهمة المضافة واعتقال المطلوبين خلال تواجدهم فيها. وبالفعل نفذ الأوزبك الأمر وألقوا القبض على الفارين، وأوشك الأمر ان يتحول الى فتنة دامية، لأن أمير المضافة العربية وهو يمني، أعتبرها اهانة لهم، وهدد بانهم سيقتلوا كل أوزبكي يصادفوه في كابل إن لم يستعيدوا ضيوفهم، فثارت النعرة القبلية وتم إشهار السلاح، لولا تدخل أن أحد الكوادر المصرية في «القاعدة» الذي هدأ مشاعرهم.. وتفادى حمام الدم بصعوبة.