موسكو تؤكد تباعدها مع باريس: لا دليل على سعي طهران لتطوير السلاح النووي

ساركوزي في موسكو يشيد بالديمقراطية ويزور منظمة حقوقية

TT

عاد الاختلاف في المواقف حيال ايران بين فرنسا وروسيا الى الواجهة امس مع اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امس ثاني ايام زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاولى الى موسكو انه لم ير أي دليل فعلي على سعي ايران لتطوير اسلحة نووية رغم تأكيده مشاركته الغرب في قلقه حيال البرنامج النووي الايراني وضرورة مقاربة اكثر شفافية من الجانب الايراني.

فقد اكد بوتين امس في مؤتمر صحافي مشترك في ساركوزي «عدم وجود اي معلومات تدل على ان ايران على وشك انتاج اسلحة نووية»، مبديا مع ذلك استعداده «لمواصلة التعاون» مع المجتمع الدولي في هذا الملف. وقال «لا نملك مثل هذه المعطيات الموضوعية، لذا ننطلق من مبدأ ان ايران لا تملك خططا مماثلة» حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

وتدارك الرئيس الروسي قائلا «لكننا نشاطر شركاءنا مخاوفهم ونؤيد رغبتهم في ان تكون خطط ايران اكثر شفافية»، مؤكدا ان «ايران تقوم بخطوات تجاه المجتمع الدولي» وداعيا الى تشجيعها باتجاه المزيد من الشفافية في برنامجها. وقال ايضا «نعمل بروح التعاون مع شركائنا في مجلس الامن الدولي وسنواصل ذلك في المستقبل».

ويؤكد بوتين بهذه التصريحات الموقف المسبق لبلاده المتشدد حيال امكان فرض عقوبات جديدة على طهران، على عكس باريس التي تدعو الى مقاربة اكثر تشددا للملف النووي الايراني لاجبار طهران على وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

وتتباين هذه التصريحات مع التفاؤل الحذر الذي ابداه ساركوزي مساء اول من امس اثر لقائه الاول مع بوتين في موسكو، متحدثا عن «تطابق» بين بلديهما حول الموضوع الايراني. وقال الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي «قد يكون ثمة اختلاف في التحليل، اختلاف في التحليل حول القنبلة، حول هل يصنعها (الايرانيون) ، حول (هل سيستخدمونها)، المهم هي ارادة التعاون، تلك هي النقطة المهمة».

من جانبه، شدد ساركوزي على انه «من الهام جدا ان تبقى اوروبا موحدة» بشأن ملف كوسوفو الذي هو «قبل كل شيء قضية اوروبية»، معربا عن الامل في التوصل الى «حل لا ينطوي على إهانة لأحد».

واضاف ساركوزي «بشأن كوسوفو، من الهام جدا ان تبقى اوروبا موحدة وان تبقى المباحثات مفتوحة مع اصدقائنا الروس بشأن هذه المسألة التي هي قبل كل شيء قضية اوروبية نسعى للتوصل بشأنها الى حل لا ينطوي على اهانة لاي كان».

وبعكس فرنسا، ترفض روسيا الحليف التقليدي لصربيا الحديث عن استقلال كوسوفو التام وتهدد باستخدام الفيتو في الامم المتحدة ضد قرار بهذا الصدد.

من جانب آخر, قال ساركوزي أن فرنسا «لا ترغب في اعطاء دروس لاحد» في مجال الديمقراطية.

واضاف الرئيس ساركوزي «اعترف بالخصوصية الروسية واتفهمها»، مؤكدا «اعربت عن قناعاتي بصراحة بشأن عدد من المسائل» الى فلاديمير بوتين.

وفي سابقة، التقى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مسؤولي منظمة «ميموريال» الروسية غير الحكومية الناشطة، خصوصا في الشيشان.

وقالت سفيتلانا غانوشكينا المسؤولة في المنظمة، بعد اللقاء مع الرئيس الفرنسي في مقر السفارة الفرنسية في موسكو، «قبل هذا اللقاء قرأت الكثير من التصريحات (لساركوزي) التي تبشر بالامل».

كما اشاد رفيقها في المنظمة اوليغ اورلوف برغبة الرئيس الفرنسي في «توجيه رسالة».

وقال اورلوف، الذي يعد من دعائم هذه المنظمة الروسية الاهلية، التي يزورها بانتظام المسؤولون الغربيون، لاسيما الاميركيين، لكشف النواقص الديمقراطية في روسيا، ان «الرئيس السابق (جاك شيراك) لم يلتق المنظمات الاهلية الروسية».

وفي لقاء مع طلبة روس، اشاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بفضائل الديمقراطية وخصوصا استقلالية القضاء متمنيا للطلبة «ان يعيشوا ذلك يوما» في بلادهم.

وقال ساركوزي في لقاء مع طلبة جامعة بومان للتكنولوجيا في موسكو «في بلدي يتعين على كل سلطة ان تكون موضع محاسبة ولا احد فوق القانون. ومن الافضل بكثير العيش في ظل الديمقراطية».

واضاف في تلميح الى استعادة روسيا مكانتها على الساحة الدولية «لقد عدتم كبارا مجددا لذا كونوا عامل سلام وكونوا نموذجيين. واقيموا مجتمعا روسيا ديمقراطيا وسيكون العالم ممتنا لكم».

وردا على سؤال بشأن توقيف الملياردير الروسي ميخائيل بروكوروف في مجمع كورشيفيل (فرنسا) للتزلج في يناير في اطار قضية دعارة اعرب ساركوزي عن اسفه «لتهويل القضية اعلاميا».

لكنه اضاف «في ظل ديمقراطية من الافضل دائما ان يكون هناك تهويل اعلامي بدلا من نقص في حرية التعبير، اما بشأن عمل القضاة فاني قد لا اكون موافقا على الدوام غير ان من واجبي القبول به».

ولاحظ الرئيس الفرنسي ان «البلاد التي لا يتوافر فيها قضاء مستقل ليست بلدا حرا» واضاف «اعرف ان هذا يمكن ان يصدم البعض لكنكم ستعيشون ذلك يوما وهذا ما ارجوه لكم».

وعرض ساركوزي مجددا رؤيته لدور روسيا في العالم ودعاها الى تحمل مسؤولياتها كقوة عظمى للمساهمة في تسوية الملفات الدولية الكبرى.

وقال «روسيا على حق فمكانها الى جانب كبار العالم وانتم لديكم جميعا الحق في ذلك كما عليكم القيام بجميع الواجبات. ضعوا قوتكم في خدمة السلام في العالم وليس في خدمة الانقسام».

من جانب آخر، قال الرئيس الفرنسي انه «لن تكون هناك سياسة حمائية من قبل فرنسا» تجاه دخول رؤوس الاموال الروسية المؤسسات الفرنسية، وأعرب عن «استعداد المستثمرين الفرنسيين لأخذ حصة» من راس مال شركة غازبروم. وتابع «ان اصدقاءنا الروس يملكون حصة في رأس مال (المجموعة الاوروبية للصناعات الجوية والدفاعية) اي ايه دي اس. واكدت استعداد المستثمرين الفرنسيين للدخول في راس مال كبريات الشركات الروسية مثل غازبروم».

ودعا ساركوزي الى «الشفافية والمعاملة بالمثل». وقال: «من العادي جدا ان يأمل اصدقاؤنا الروس دخول رأسمال عدد من المؤسسات الفرنسية. والعكس صحيح». وقال الرئيس الفرنسي ان «مستشارين رفيعي المستوى للرئيسين سيجتمعان من اجل استعراض صريح للقضايا الاقتصادية بيننا».

وبالتزامن مع زيارة ساركوزي، تستقبل موسكو وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس غدا الجمعة والسبت للبحث بشكل خاص في قضية الدرع المضادة للصواريخ التي تريد واشنطن نشرها في اوروبا لكن روسيا ترى فيها تهددا لها. وترغب الولايات المتحدة في نشر عناصر من هذه الدرع في بولندا وجمهورية تشيكيا مؤكدة انها تريد بذلك التصدي لاي تهديد محتمل من دول مثل ايران.

لكن روسيا تعتبر الامر تهديدا مباشرا لامنها واقترحت على الاميركيين التخلي عن المشروع عارضة خيارات اخرى، منها استخدام رادار غابالا في اذربيجان، الا انها لم تفلح الى الان في اقناعهم كون الاميركيين يرون ان رادار غابالا يمكن ان يتمم مشروعهم لكن لا يمكن باي حال ان يكون بديلا لرادار تشيكيا.

وفي ما يؤشر الى التوتر بين واشنطن وموسكو، اعلنت موسكو في يوليو انها علقت مشاركتها في معاهدة القوات التقليدية في اوروبا التي تحدد سقفا للقوات المسلحة التقليدية للكتلتين السابقتين المتخاصمتين في اوروبا. ويأخذ الروس على حلف شمال الاطلسي انه لم يصادق على صيغة للمعاهدة اعيد النظر فيها عام 1999، لاخذ زوال حلف وارسو في الاعتبار. لكن دول الحلف ترفض المصادقة على هذه الصيغة ما دامت موسكو لم تسحب قواتها من جورجيا ومولدافيا. وهدد المسؤولون العسكريون الروس ايضا بالانسحاب من المعاهدة حول القوات النووية المتوسطة التي تتصل بازالة الصواريخ ذات المديين القصير والمتوسط.

وثمة قضية اخرى عالقة تتمثل في مستقبل معاهدة «ستارت» حول تقليص عدد الاسلحة الاستراتيجية والتي تنتهي مدتها في ديسمبر 2009.