«اللوفر أبو ظبي» يفتتح في 2012

البرلمان الفرنسي يقر المشروع وينهي جدل الأوساط الثقافية

TT

بعد جدل ساد الأوساط الثقافية الفرنسية طويلا، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) مساء أول من امس، مشروع افتتاح أول فرع لمتحف اللوفر الباريسي العريق خارج فرنسا، وتحديدا في العاصمة الاماراتية أبوظبي، وتمثل هذه الموافقة الرسمية الفرنسية إنهاء لاعتراضات صدرت من عدد من المثقفين الفرنسيين احتجاجا على تصدير اللوفر لخارج بلادها. وقد صوت حزب التجمع من أجل حركة شعبية المؤيد للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لصالح المشروع، وكذلك حزب الوسط الجديد، بينما امتنع الحزب الاشتراكي عن التصويت ولم يشارك الخضر والشيوعيون في عملية التصويت.

وبهذا الإقرار الفرنسي، يكون المشروع قد أقر رسميا من قبل السلطات الفرنسية، بحيث يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقع بين فرنسا وابوظبي، والذي يقضي بإنشاء «متحف اللوفر ابوظبي» في المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات التي تبعد 500 متر فقط من مدينة ابوظبي، والمقرر افتتاحه مبدئيا عام 2012، وبحسب الاتفاق تسمح فرنسا باستعمال اسم «اللوفر» في العاصمة الاماراتية لفترة تستمر 30 عاما.

وقال لـ«الشرق الأوسط» الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة رئيس شركة التطوير والاستثمار السياحي إن قرار موافقة البرلمان الفرنسي «يمنح المشروع بعداً ثقافياً وتنفيذياً يؤكد على أهميته عند الحكومة والشعب الفرنسيين»، مؤكدا أهمية قرار موافقة البرلمان باعتبار أن لوفر أبوظبي «يعد إنجازاً ثقافياً ليس للإمارات فقط وإنما للمنطقة العربية بشكل عام»، مضيفا «إنها خطوة تاريخية تحتسب لإمارة أبوظبي أن تشهد إقامة مثل هذا الصرح الحضاري والثقافي المهم».

وبالرغم من هذه الموافقة الرسمية الفرنسية الأخيرة، إلا أنها لم تمنع الاتفاق من المضي منذ توقيعه رسميا في مارس الماضي، باعتبار أن الحكومة الفرنسية تملك الأغلبية اللازمة لتمريره في البرلمان، وهو الأمر الذي لم يكن يشكل عائقا لمواصلة المشروع، بالرغم من الاعتراضات المحدودة عليه. في الوقت الذي تعتبر الامارات مثل هذه الاعتراضات «شأنا فرنسيا داخليا».

وبموجب الاتفاق الذي وقع في مارس الماضي، سيتمكن فرع المتحف الفرنسي في الامارات من استعارة اعمال فنية من متاحف فرنسا، لاسيما من اللوفر، لفترات تتراوح بين ستة اشهر وسنتين، على أن تدفع ابوظبي خلال فترة العقد، التي تستمر 30 عاما، مبالغ تصل الى مليار يورو بينها 400 مليون يورو لمتحف اللوفر في باريس.

وسيستضيف متحف «اللوفر أبوظبي»، بموجب هذه الاتفاقية، مجموعات فنية متكاملة ونادرة على شكل إعارة لمدة طويلة الأجل من «متحف اللوفر» ومتاحف فرنسية عريقة منها «متحف دو كي برانليه» و«مركز جورج بومبيدو» و«متحف دورسيه» و«متحف فيرساي» و«جيميه» و«رودان» و«جمعية المتاحف الوطنية الفرنسية. ويقول المعترضون من المثقفين الفرنسيين إن هذا الاتفاق هو «بيع للحضارة والتاريخ مقابل مصالح اقتصادية بحتة»، في حين تبرر الحكومة الفرنسية موقفها بانه تبادل للثقافات ولصالح الترويج للثقافه الفرنسية في العالم الاخر. وتزعمت وزيرة الثقافة السابقة، الاشتراكية كاترين تاسكا، حملة الاعتراضات على المشروع، معتبرة ان «الطابع الحقيقي لهذا المشروع هو مالي، وهذا الاتفاق الخارج عن المألوف يشكل منعطفا مقلقا في سياسات المتاحف (في فرنسا) نظرا الى حجمه ومدته». وبلغ اعتراضها حدا قالت حينها «اذا ما اقر المشروع، سيكون بمثابة ورقة نعوة للمتحف العام كما عهدناه في السابق». وكان مجلس الشيوخ الفرنسي قد أقر هذا المشروع في سبتمبر الماضي، من القراءة الاولى، في الوقت الذي وجهت المعارضة الاشتراكية والشيوعية انتقادات للمشروع وامتنعت عن التصويت.

لكن ميشيل ألبانيل وزيرة الثقافة الفرنسية دافعت عن مشروع الاتفاقية خلال عرضه أمس الأول أمام الجمعية الوطنية ووصفته بأنه «يمثل نموذجا فريدا للتعاون بين بلدين على المستوى الدولي في المجال الثقافي»، وأضافت إن ذلك يعكس قدرة فرنسا على إنجاز مشاريع ثقافية ضخمة ورغبة دولة الإمارات في الانفتاح على العالم خاصة التراث الفرنسي.

لكن مراقبين يرون أن الاعتراضات الفرنسية على المشروع كانت «محدودة»، وأن الفرصة التي ستسنح للمجتمع الفرنسي لا تتعلق فقط بالمقابل المادي للاتفاقية، بقدر ما هي نقل للثقافة الفرنسية للخارج، وتبادل ثقافي مع العالم الاسلامي. وسيظهر هذا التبادل الثقافي، بالإضافة إلى الاتفاقية الرسمية، عبر مجموعة كبرى من العاملين الفرنسيين الذين سنتقلون للعمل في أبوظبي لإدارة المشروع، برفقة العاملين من المواطنين الاماراتيين.

ويسعى مسؤولو أبوظبي إلى أن يمنح استضافة إمارتهم لمتحف (اللوفر أبوظبي) «بعدا متفردا يكفل لها تحقيق رسالتها الحضارية والإنسانية على مستوى المنطقة». كما تسعى الإمارة إلى ترسيخ اسمها كعاصمة ثقافية إقليمية وذلك باستقطاب ابرز الصروح الثقافية والمعالم الحضارية في العالم، بحيث تكون مقصدا مهما ومركز اشعاع حضاري وتنويري زاخر بالتنوع والتعدد الثقافي والمعرفي.