مستشار 3 رؤساء أميركيين لشؤون إيران: أحمدي نجاد يقدم ما يريده المتشددون في أميركا

غاري سيك الذي عمل مع فورد وكارتر وريغان لـ «الشرق الأوسط»: الطرفان لا يريدان حربا حقيقية

TT

قليلون في الولايات المتحدة لديهم معرفة دقيقة وخبرة على مدار 3 عقود في التعامل مع ايران مثل البروفيسور غاري سيك. وفي الوقت الذي تنشغل فيه الدوائر الاعلامية والسياسية في مختلف العواصم العربية والغربية لتنبؤ الحلقة المقبلة من مسلسل العلاقات الاميركية ـ الايرانية التي لا تنقصها الاثارة والتصريحات الاعلامية المثيرة، يراقب سيك بهدوء التطورات ويستبعد وقوع مواجهة عسكرية وشيكة بين الطرفين. وسيك، الذي عمل مع ادارات كل من الرؤساء الاميركيين جرالد فورد وبعده جيمي كارتر ورونالد ريغان يعرف المشهد الاميركي ـ الايراني عن كثب منذ عمله على اطلاق رهائن السفارة الاميركية في طهران عام 1980 وعمله في مجلس الأمن القومي في ادارة الرؤساء الثلاثة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» عن العلاقات الاميركية ـ الايرانية، قال سيك: «لقد عاصرت تقلبات حقيقية في العلاقات الاميركية ـ الايرانية، وعلى رأسها ازمة الرهائن التي كنت جزءا منها، والوضع اليوم ليس بالسوء الذي كان عليه حينها». وأضاف: «هناك مناسبات اخرى كانت العلاقات سيئة فعلى سبيل المثال خلال الحرب العراقية ـ الايرانية استهدفنا ايران مباشرة في الخليج ولكن الوضع ليس كذلك اليوم ولا نعمل ذلك اليوم».

وتابع: «التطورات ليست في تفاقم مثل ما يراها البعض، وانما لها موجات عالية وموجات هادئة، بدلاً من شارع طريق واحد متجه بطريق واحد» نحو المواجهة، ولكنه اقر بأن الوضع «سيئ الآن»، مضيفاً: «أحد الاسباب التي تزيد من هذا التعقيد وجود الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في منصبه»، وتابع: «مع ذلك لا اتصور ان تصل الى وضع كارثي، فكل ما وصلت الى مرحلة حرجة، ينسحب الطرفان وهذا ربما مؤشر على انهما لا يبحثان عن ازمة حقيقية فكلاهما لا يريدان حرباً حقيقية ولكنهما يتخذان مواقف شديدة علناً ليخيف بعضهما البعض وذلك قد يكون خطيراً».

ولفت الى انه لو كانت الولايات المتحدة تبحث عن حجة لخوض حرب مع ايران «لكانت حادثة خطف البحارة البريطانيين حجة جيدة ولكانت الولايات المتحدة قد صعدت الموقف». وكانت السلطات الايرانية قد احتجزت 13 بحاراً بريطانياً في مارس (اذار) الماضي لعدة ايام ولكنها اطلقتهم. وأضاف: «على العكس، الولايات المتحدة هدأت الامور ولم تصعدها على الرغم من اننا كنا جاهزين لاستهداف ايران من حيث الوجود العسكري في المنطقة، ولكن لم يحدث ذلك».

ويرى سيك انه لا يوجد اجماع في الولايات المتحدة على ان ايران مصرة على الحصول على سلاح نووي، قائلاً ان «تقييم الموقف الاميركي الشعبي ليس بالسهل، فهناك شبه اجماع على ان هذا ما يجري ولكن في الوقت نفسه حولت الادارة الاميركية تركيزها من الملف الامني الى الافعال الايرانية في العراق»، مضيفاً ان السبب وراء ذلك هو ان حجة السلاح النووي «غير مقنعة خاصة مع ذكريات الحرب في العراق». وأوضح سيك: «حتى ان اقتنع الشعب بأن هذا ما يجري في البلاد، لن يكون كافياً لاقناعهم بأنه علينا اتخاذ اجراءات فورية ضد ايران، فلا يشعر الاميركيون بأنهم مهددون بشكل مباشر فقد مروا بتلك التجربة مع العراق». وبينما باتت غالبية التصريحات الاميركية تركز على الدور السلبي لايران في العراق بدلاً من الملف النووي، شرح سيك: «هناك تحول حقيقي لأن النقاش الاخر (عن الاسلحة النووية) غير مقنع فمنذ هذا الصيف نرى تغييراً في السياسة». وأضاف: «لقد تراجع الملف النووي في لائحة الاولويات في الحديث الاميركي عن ايران وبات دورها في العراق هو الاعلى على اللائحة». وبينما الولايات المتحدة تقلل من تركيزها على الملف النووي، تأخذ الدول الاوروبية وعلى رأسها فرنسا القيادة في طرح الملف النووي الايراني. وقال سيك: «هناك تقاسم في العمل (بين الولايات المتحدة واوروبا) فيما يخص ايران، ولكن لا اتوقع انه كان مخططاً له»، مضيفاً: «بعد انتخاب الرئيس نيكولا ساركوزي باتت فرنسا شديدة في تصريحاتها تجاه ايران والادارة الاميركية سعيدة لتركها تحمل القضية خاصة في مجلس الامن الدولي، ومن ناحية العلاقات العامة المتعلقة بالملف بعدما كانت العلاقات الاميركية ـ الفرنسية متوترة جداً فيما يخص السياسة الخارجية»، في اشارة الى الحرب في العراق التي عارضتها فرنسا بشدة. وعلى الرغم من ان سيك لم يعد في منصب حكومي رسمي الا انه مازال الاكثر اطلاعاً على التطورات التي تخص ايران ولديه علاقات واسعة مع اطراف اميركية وايرانية ودولية تجعله من اهم مراقبي الشأن الايراني. وهو بروفسور في العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، حيث حضر خطاب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الاسبوع الماضي. وعلق سيك على احمدي نجاد قائلاً: «الكثير من الذي يقوله يدعم ما يريد سماعه المتشددون في الولايات المتحدة». واضاف ان الرئيس الايراني ونائب الرئيس الاميركي ديك تشيني «يطلقان تصريحات سلبية جداً مما يجعل كل طرف يزداد تشدداً»، وتابع ضاحكاً: «احد معارفي اليهود قال وهو يمزح ربما احمدي نجاد عميل صهيوني لأنه اكثر فعالية وجمع التبرعات والدعم للقضية الاسرائيلية» لمواجهة تصريحاته المعادية لاسرائيل. واكد سيك ان «وجود احمدي نجاد يعقد الامور بالنسبة الى صناع القرار الايرانيين والاميركيين على حد سواء»، وأضاف: «اذا يؤمن المرء، مثلما اؤمن انا، انه يجب ان يكون هناك انفتاح اكثر في التعامل مع ايران، تصريحات احمدي نجاد تجعل ذلك من الصعب جداً ويصعب علي تصور تحسن الاوضاع مع وجوده». وكان سيك مساعد البيت الابيض الرئيسي لشؤون ايران اثناء الثورة الايرانية عام 1979 وازمة الرهائن الاميركيين التي تلتها، وعن ذكرى تلك الازمة قال سيك: «ادرس في جامعة كولومبيا، ومع مرور الوقت طلابو شهادة الماجستير باتوا لا يذكرون الازمة والكثير منهم لم يولدوا حينها». وأضاف: «ليست لديهم الذكرى الحارقة التي توجد لدى جيل كامل رأوا الازمة السياسية الاولى التي نقلت على شاشات تلفزيوناتهم لمدة 444 يوماً». وأضاف: «كل شخص كان عمره 10 أعوام أو أكثر يذكر هذه المشاهد وتلك الذكرى مازالت في فكر الكثير من قادتنا السياسيين وهذا يؤثر على صورة النظام الايراني المستعد للانتحار». وخلص بالقول: «هكذا رأى الناس تحدي ايران للولايات المتحدة من خلال ازمة الرهائن، استعداد ايران البلد الضعيف للانتحار في مواجهة الولايات المتحدة القوية من اجل فكرهم، وهكذا ما زال البعض يرونها».