انقسام في الإدارة الأميركية حول الغارة الإسرائيلية على الموقع السوري المشبوه

واشنطن ليست واثقة من صدق معلومات تل أبيب الاستخبارية

TT

يدور نقاش حاد في ادارة بوش حول اهمية المعلومات الاستخبارية الاسرائيلية التي ادت الى الغارة الاسرائيلية في الشهر الماضي داخل سورية، طبقا لعدد من المسؤولين الاميركيين الرسميين الحاليين والسابقين.

والقضية المطروحة للنقاش هي ما اذا كانت المعلومات الاستخبارية التي قدمتها اسرائيل قبل شهور للبيت الابيض ـ لدعم ادعاءاتها بأن سورية بدأت اعمال ما يمكن ان يكون برنامجا للاسلحة النووية بمساعدة من كوريا الشمالية ـ كانت كافية لتبرير الاعمال العسكرية من جانب اسرائيل واعادة نظر محتملة في السياسة الاميركية تجاه الدولتين. وقد ادى النقاش الى انقسام عبر خطوط معتادة، حيث صور ديك تشيني والصقور المحافظون المعلومات الاستخبارية الاسرائيلية بأنها صادقة وقالوا انه يجب ان تدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر في انفتاحها الدبلوماسي على سورية وكوريا الشمالية.

وعلى عكس ذلك، فإن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وحلفاءها داخل الادارة قالوا انهم لا يعتقدون ان المعلومات الاستخبارية المقدمة تستدعي أي تغيير في المقاربة الدبلوماسية الاميركية. وقال مسؤول كبير في الادارة ان «بعض الناس يعتقدون بقرب وقوع كارثة بينما لا يعتقد اخرون أن المعلومات الاستخبارية تمثل تهديدا». وقد تحدث عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين، بالاضافة الى خبراء من خارج الحكومة شرط عدم الكشف عن هويتهم لان المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالغارة الاسرائيلية لا تزال سرية.

وبالاضافة الى كوندوليزا رايس، اشار المسؤولون الى ان وزير الدفاع روبرت غيتس كان حذرا بخصوص اقرار التحذيرات الاسرائيلية من ان سورية تمضي في طريق يمكن ان يؤدي الى تسلحها النووي. بينما يبقى عدد اخر في ادارة بوش غير مقتنعين بأن برنامجا نوويا اسرائيليا يمكن ان يمثل تهديدا مباشرا.

وكان من المعروف منذ فترة طويلة ان علماء كوريا الشمالية قد ساعدوا دمشق في تطوير تقنية صواريخ بالستية، وكان هناك نقاش حول ما اذا كان كوريون شماليون يزورون بصفة دورية موقعا في الصحراء السورية هاجمته اسرائيل في 6 سبتمبر الماضي. والخلاف بين المسؤولين هو ما اذا كانت المعلومات المتراكمة حول برنامج نووي سوري تمثل تهديدا كبيرا للشرق الاوسط.

وقد عبر تشيني وحلفاؤه عن عدم راحتهم للقرار الذي اصدره في الاسبوع الماضي الرئيس بوش وكوندوليزا رايس بالاستمرار في الاتفاقية مع كوريا الشمالية لإمدادها بمساعدات اقتصادية مقابل تعطيل مفاعلها النووي. وقال هؤلاء المسؤولون ان الاستخبارات الاسرائيلية اظهرت عدم القدرة على الثقة بكوريا الشمالية. كما ذكروا ايضا ان الولايات المتحدة يجب ان تكون مستعدة لوقف الاتفاقية الا اذا اعترفت كوريا الشمالية بتعاملها مع سورية.

وخلال الاجتماع الصباحي في 2 اكتوبر في البيت الابيض عرضت كوندوليزا والمفاوض الرئيسي مع كوريا الشمالية كريستوفر هيل وجهة نظرهم على الرئيس بوش ومفادها أن الولايات المتحدة تواجه خيارين: الاستمرار في الاتفاقية النووية مع كوريا الشمالية كوسيلة لإعادة هذه الدولة السرية الى المجال الدبلوماسي ومنحها الحافز على وقف نشر المواد النووية او العودة الى الاستراتجية السابقة الذي يقول البعض انها تركت كوريا الشمالية تفعل ما تريد وأدت الى اختبار جهاز نووي في اكتوبر الماضي. وحضر الاجتماع ايضا تشيني وستفين هادلي مستشار الامن القومي.

وقد وقعت الغارة الاسرائيلية في وقت حساس للغاية بالنسبة للجهود الدبلوماسية الاميركية. وبالإضافة الى المفاوضات الكورية الشمالية، فإن البيت الابيض يحاول ترتيب مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط يهدف الى اتفاقية سلام شاملة بين العرب وإسرائيل.

وقال المسؤولون الاميركيون الحاليون والسابقون ان اسرائيل قدمت للولايات المتحدة معلومات استخبارية في فصل الصيف حول ما وصفته بنشاط نووي في سورية. وقال المسؤولون ان اسرائيل ابلغت البيت الابيض مسبقا قبل الغارة الاسرائيلية في شهر سبتمبر انها على استعداد لتنفيذها، ولكن ليس من الواضح ما اذا كان البيت الابيض اتخذ موقفا آنذاك بخصوص ما اذا كان الهجوم مبررا.

وقال مسؤول سابق كبير في ادارة بوش ان المسؤولين الاسرائيليين كانوا قلقين بخصوص التهديدات التي يمثلها برنامج نووي سوري محتمل الى درجة انهم ابلغوا البيت الابيض عدم قدرتهم على الانتظار حتى نهاية الصيف لقصف الموقع السوري.

وفي الاسبوع الماضي سافر مسؤولون اتراك الى دمشق لكي يقدموا الى الحكومة السورية ملفا اسرائيليا لما يعتقد انه برنامج نووي سوري، طبقا لمحللين في مجال الشرق الاوسط في واشنطن. وقال المحللون ان المسؤولين السوريين نفوا تلك المعلومات وقالوا انه ما قصفته اسرائيل هو مخزن للصواريخ الاستراتيجية.

ويأتي هذا النفي بعد نفي مماثل من كوريا الشمالية. وأثار هيل مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون شرق اسيا والمحيط الهادي القضية مع نظرائه الكوريين الشماليين في محادثات في بكين في اواخر شهر سبتمبر. ونفى المسؤولون الكوريون تقديم اية مواد نووية لسورية.

وقد أعلنت سورية ان الطائرات الاسرائيلية قصفت مخزنا خاويا. وذكر بروس ريد وهو موظف كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ومجلس الامن الوطني وخبير الشرق الاوسط في معهد بروكينغز، ان وكالات الاستخبارات الاميركية حذرة في سوق استنتاجات قاسية بخصوص النشاطات المشبوهة في الموقع السوري. الا انه قال ان اسرائيل لن تشن غارة على سورية اذا كانت تعتقد ان دمشق تطور مزيدا من الصواريخ البالستية او اسلحة كيميائية.

وقال «لقد تم عبور الخط الاحمر قبل عشرين سنة. انت لا تخاطر بحرب عامة في الشرق الاوسط حول صواريخ ذات مدى يصل الى مئة كيلومتر اضافي». وقال مسؤول استخباري اخر ان سورية كانت تحاول تطوير قدرات تفجيرية جوية لصواريخها. وهذه التقنية تسمح للصواريخ السورية بتفجير رؤوس حربية في الجو لنشر المواد المتفجرة على نطاق واسع.

ومنذ فجرت كوريا الشمالية قنبلتها النووية، دفعت كوندوليزا رايس بوش نحو مزيد من الدبلوماسية مع كوريا الشمالية، عبر محادثات تشمل اليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والصين. وقد ادت هذه المحادثات الى اتفاقية مبدئية في شهر فبراير الماضي بإغلاق كوريا الشمالية لمفاعلها النووي مقابل الحصول على مساعدات من الوقود والمواد الغذائية.

وقد اغضب مثل هذا الاتفاق الجماعات المحافظة التي تعتقد ان ادارة بوش جعلت الدبلوماسية نحو كوريا الشمالية ذات اولوية كبيرة، على حساب الجهود الرامية الى مواجهة انتشار الاسلحة السرية في الشرق الاوسط. وقال جون بولتون السفير الاميركي السابق في الامم المتحدة «ان الاعتراض على الغارة الاسرائيلية لحماية محادثات الاطراف الستة يعتبر رفضا هائلا لاستراتيجية الامن الوطني للادارة».

الا ان عددا من المسؤولين السابقين والحاليين قالوا ان المقاربة الدبلوماسية هي افضل البدائل الاميركية للتعامل مع السلاح النووي الكوري الشمالي.

وقال فيليب زليكوف المستشار السابق لوزارة الخارجية «لا يمكنك اتخاذ مثل هذه القرارات باستخدام جزء من تفكيرك بل عقلك بأكمله. ما هي السياسات الاخرى التي يمكن اتباعها لتصبح النتيجة افضل؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»