أميركيون: هدف الغارة الإسرائيلية كان مفاعلا نوويا في مراحل الإنشاء الأولى بسورية

اعتبروها رسالة من تل أبيب إلى دمشق وطهران

TT

استهدف الهجوم الجوي الإسرائيلي ضد سورية الشهر الماضي موقعا يعتبره محللو استخبارات إسرائيليون وأميركيون مفاعلا نوويا تم بناء جزء منه، ويبدو أنه مماثل لمفاعل استخدمته كوريا الشمالية لإنتاج وقودها الخاص بالقنابل النووية حسبما قال مسؤولون أميركيون وغربيون لديهم تسهيلات للوصول إلى التقارير الاستخباراتية.

وجاء وصف الهدف ليكشف عن عنصر من عناصر الغموض التي ظلت محيطة بهجوم 6 سبتمبر( ايلول)، ليشير إلى أن إسرائيل نفذت الغارة بهدف استعراض إرادتها بأنها ستدمر أي مشروع نووي في أي دولة جارة لها. وكانت إدارة بوش منقسمة بما يخص التوقيت والحكمة من قيام إسرائيل بهذا الهجوم، حسبما قال مسؤولون اميركيون بينما يرى بعض صناع السياسات الكبار أن الهجوم سابق لأوانه.

وحمل الهجوم الإسرائيلي أصداء لهجوم سبق أن قامت به إسرائيل عام 1981 على مفاعل أوزيراك النووي في العراق بعد بدء عمله بفترة قصيرة. وتلقى ذلك الهجوم إدانة من إدارة الرئيس ريغان آنذاك، على الرغم من أن الإسرائيليين اعتبروه واحدا من أجمل اللحظات العسكرية التي عاشوها. وقبل أسابيع من حرب العراق قال مسؤولون في إدارة بوش إنهم على قناعة تامة بأن ذلك الهجوم أرجع طموحات العراق النووية سنوات كثيرة إلى الوراء.

وعلى العكس من ذلك يبدو أن الإسرائيليين ضربوا مفاعلا ما زال في أول أطواره، حسبما قال مسؤولون أميركيون وغربيون. وقال هؤلاء إن السوريين بحاجة إلى سنوات عديدة قبل التمكن من استخدام المفاعل لإنتاج وقود نووي قابل لأن يتحول بعد سلسلة خطوات إضافية أخرى إلى تحويله إلى بلوتونيوم يستخدم في صنع القنابل النووية.

لكن تفاصيل كثيرة تظل مجهولة فيما يتعلق بحجم ما حققه السوريون من تقدم في بناء ذلك المفاعل قبل الغارة الإسرائيلية، وحجم المساعدة الكورية الشمالية فيها. وفي واشنطن وإسرائيل ظلت المعلومات حول الغارة مغلقة بسرية كبيرة جدا ومحدودة فقط لحفنة من المسؤولين بينما منعت الصحافة الإسرائيلية من نشر أي معلومات حول الهجوم.

وكتبت نيويورك تايمز هذا الأسبوع عن نقاش دار داخل إدارة بوش حول ما إذا كانت المعلومات التي رددتها إسرائيل لتبرير هجومها يجب ترجمتها من الولايات المتحدة كمبرر لتشديد تعاملها مع سورية وكوريا الشمالية. وفي مقابلات لاحقة كان المسؤولون أكثر وضوحا بوجود عدم اتفاق بين أعضاء إدارة بوش بدأ هذا الصيف مع منح السماح بقيام إسرائيل بهجومها آنذاك. ولم يذكر الخبراء ان الادارة قد اعترضت في النهاية على الغارة الاسرائيلية، ولكن وزيرة الخارجية الاسرائيلية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس كانا قلقين بخصوص ردود الافعال للغارة في غياب تهديد خطير.

وقال مسؤول اميركي على معرفة بالمناقشات الحادة التي جرت هذا الصيف بين واشنطن وحكومة ايهود اولمرت «جرى الكثير من النقاش بخصوص الادلة. والكثير بخصوص كيفية رد الفعل».

وبالرغم من ان سورية وقعت على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، فهي ليست ملزمة بإعلان وجود مفاعل خلال المراحل الاولى من التشييد. كما ان لديها الحق القانوني لاستكمال بناء المفاعل، ما دام الهدف منه توليد الكهرباء.

وقد اعترف الرئيس السوري بشار الاسد، في التعليق الوحيد على الغارة، هذا الشهر ان النفاثات الاسرائيلية ألقت قنابل على مبنى قال انه «مرتبط بالمؤسسة العسكرية» ولكنه اصر على انه «غير مستخدم».

وقال مسؤول اسرائيلي كبير، في الوقت الذي رفض فيه التحدث عن الطبيعة المحددة للهدف ان الغارة كانت تستهدف «اعادة مصداقية قواتنا الرادعة»، مشيرا الى ان اسرائيل تقصد ارسال رسالة الى سورية انه حتى احتمال برنامج تسليح نووي غير مسموح به. ولكن العديد من المسؤولين الاميركيين قالوا ان الغارة ربما تهدف الى ارسال اشارة لإيران وتطلعاتها النووية. وقد كشف هدف الغارة الاسرائيلية والنقاش الاميركي حول المشروع السوري من قبل المسؤولين الحكوميين والخبراء غير الحكوميين الذين جرت مقابلتهم في الاسابيع الاخيرة في الولايات المتحدة والشرق الاوسط. ويصر الجميع على عدم الكشف عن هويتهم بسبب الاجراءات التي تحظر مناقشة معلومات سرية. ويشمل المسؤولون الذين وصفوا هدف الهجوم عددا من الجانبين في النقاش بخصوص ما اذا كان مفاعل نووي سوري لم يستكمل تشييده يعتبر هدفا عاجلا، بالاضافة الى البعض الذين وصفوا انفسهم بأنهم شخصيات محايدة.

ويمكن استخدام المفاعلات النووية لاغراض سليمة ولاخرى غير سلمية. فمن الممكن استخدام الوقود المستنفذ للمفاعل لاستخراج اليورانيوم، وهو واحد من طريقتين لبناء سلاح نووي. والوسيلة الاخرى ـ هي تخصيب اليورانيوم في اجهزة طرد مركزي ـ هي الوسيلة المتهمة ايران باستخدامها بهدف بناء سلاح نووي خاص بها.

ومن المعروف ان سورية لديها مفاعل نووي واحد، وهو مفاعل صغير مقام لأغراض الابحاث. ولكن في العقد الماضي سعت سورية، بطريقة غير ناجحة لشراء مفاعل، اولا من الارجنتين ثم من روسيا. وفي تلك المناسبات، كان رد فعل اسرائيل حادا ولكنها لم تهدد باتخاذ تصرفات عسكرية. وفي اوائل هذا العام تحدث الاسد علنا بصفة عامة عن رغبة سورية في تطوير قدرات نووية. الا ان حكومته لم تعلن خطتها لبناء مفاعل جديد.

كما طالب مجلس التعاون الخليجي بالتوسع في الطاقة النووية في الشرق الاوسط لأغراض الطاقة، الا ان العديد من الخبراء فسروا هذه الدعوة كرد فعل لبرنامج ايران النووي. وحذروا من احتمال دخول المنطقة في موجة توسع نووي. ويعتقد ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة ذات التسليح النووي.

وقد تم الكشف عن المفاعل النووي غير مكتمل البناء في اوائل هذا العام عن طريق صور الاقمار الصناعية، طبقا لمسؤوليين اميركيين. ولفت الاسرائيليون انظار الاميركيين، ولكنهم رفضوا مناقشة لماذا فشلت وكالات التجسس الاميركية في كشف المراحل الاولى من عملية التشييد.

وكانت كوريا الشمالية قد قدمت مساعدات منذ فترة لسورية بخصوص برنامج الصواريخ البالستية، ولكن أي مساعدة في تشييد مفاعل كانت اول دليل واضح على التعاون بين الدولتين في برنامج نووي. وقد استخدمت كوريا الشمالية مفاعلها النووي الذي تصل قدرته الى 5 ميغاووات في مركز يونغبيون لمعالجة الوقود النووي وتحويلها الى مادة صالحة لاعداد قنابل نووية، وهو نموذج يعتقد عدد من المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين ان سورية تحاول تقليده واجرت كوريا الشمالية تجربة نووية ناجحة قبل عام مما جدد المخاوف من ان الدولة الفقيرة ربما تسعى لبيع تقنيتها النووية. واصدر الرئيس بوش تحذيرا محددا لكوريا الشمالية في 9 اكتوبر (تشرين الثاني) عام 2006، قبل ساعات من التجربة النووية، مشيرا الى انها «عنصر اساسي في نشر تقنية الصواريخ، ولا سيما لإيران وسورية»، وحذرها من ان «نقل الاسلحة النووية او المود من جانب كوريا الشمالية الى دول او هيئات ليست لها صفة الدولية سيعتبر تهديدا خطيرا للولايات المتحدة، وسنعتبر كوريا الشمالية مسؤولة مسؤولية كاملة».

وفي الوقت الذي اوضح فيه عدد من المسؤولين في ادارة بوش، في الاسابيع الاخيرة ان هدف الغارة الاسرائيلية مرتبط بكوريا الشمالية بطريقة ما، فان بوش لم يكرر تهديده منذ الهجوم. وفي الواقع لم تذكر الادارة الا القليل بخصوص دور كوريا الشمالية المشبوه في العملية السورية، فيما يبدو انه من الواضح الخوف من توقف المفاوضات الجارية الان والتي تعهدت فيها كوريا الشمالية بالبدء في وقف تسهيلاتها النووية.

وفي الوقت الذي يبدو فيه المفاعل السوري غير المكتمل مقاما طبقا لتصميمات كورية شمالية، فإن المسؤولين الاميركيين والأجانب لم يذكروا ما اذا كانوا يعتقدون ان كوريا الشمالية باعت او قدمت خططا للسوريين، او ما اذا كان خبراء كوريا الشمالية كانوا في سورية خلال الهجوم. ومن الممكن، كما يعتقد بعض المسؤولين، ان نقل التكنولوجيا جرى قبل عدة سنوات.

وطبقا لاثنين من كبار المسؤولين في الادارة، فإن الموضوع اثير عندما التقت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وأربع دول اخرى في بكين في اوائل هذا الشهر.

وخلف الابواب، ذكر نائب الرئيس ديك تشيني وغيرهم من الصقور في الادارة الاميركية ان نفس المعلومات الاستخبارية التي دفعت اسرائيل لشن الهجوم كان يجب ان تدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر في المفاوضات الحساسة مع كوريا الشمال حول انهاء برنامجها النووية، بالإضافة الى الاستراتيجية الدبلوماسية الاميركية تجاه سورية، التي دعيت للانضمام لمحادثات السلام التي ستجري في انابوليس بولاية ميريلاند في الشهر القادم.

وقال مسؤولون ان تشيني، بصفة خاصة، اشار ايضا الى الادلة الخاصة بمساعدة كوريا الشمالية لسورية للتشكيك في اتفاق ادارة بوش لإمداد كوريا الشمالية بكميات كبيرة من الوقود. فخلال الفترة الاولى لبوش، كان تشيني من بين المدافعين عن استراتيجية الضغط على حكومة كوريا الشمالية على امل انها ستنهار، وتقطع الادارة شحنات النفط طبقا للاتفاقية بين كوريا الشمالية وادارة كلينتون السابقة، قائلة ان الكوريين غشوا الاتفاق.

والشحنات الجديدة، التي تم الاتفاق عليها في شهر فبراير (شباط) الماضي، مرتبطة بتنفيذ كوريا الشمالية لتعهدها بوقف تسهيلاتها النووية في نهاية العام الحالي. وبالرغم من ذلك فقد اقر بوش الاستمرار في الاتفاقية حتى، بعدما علم بالبرنامج السوري.

وقال خبراء في الشؤون النووية ان مفاعل كوريا الشمالية الرئيسي، بالرغم من صغره طبقا للمستويات الدولية، كبير بدرجة تسمح بإنتاج كمية يورانيوم تكفي لصناعة قنبلة سنويا.

وفي مقابلة ذكر الدكتور سيغريد هيكر من جامعة ستانفورد، وهو مدير سابق لمختبرات لوس الاموس الوطنية، ان بناء مفاعل اعتمادا على تصميمات كوريا الشمالية ربما يستغرق ما يتراوح بين ثلاث الى 6 سنوات.

(شارك في هذا التقرير وليام برود في نويورك وهلين كوبر في واشنطن وستفين ايرلانغر في القدس)

* خدمة «نيويورك تايمز»