رايس تحاول تسوية خلافات أولمرت ووزرائه.. وتنتقد ضمنياً مصادرة الأراضي الفلسطينية

ليفني المتشددة ستقود المفاوضات ورئيس الحكومة الإسرائيلي يرفض الجدول الزمني

TT

استهلت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندليزا رايس جولتها الطويلة في الشرق الأوسط، أمس، بلقاء مع وزير الدفاع، ايهود باراك، ووزير التجارة والصناعة، ايلي يشاي، وهما معارضان للتوصل الى بيان مشترك اسرائيلي ـ فلسطيني يتناول قضايا التسوية الدائمة فيما يسمى «لب الصراع» (القدس والحدود واللاجئين)، وبذلك أشارت الى انها ستتركز على تسوية الخلافات بين أولمرت ووزرائه وليس فقط الخلافات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ونأت رايس أمس، وللمرة الاولى بنفسها عن القرار الاسرائيلي بمصادرة اراض فلسطينية قرب القدس، ودعت الدولة العبرية الى الامتناع عن القيام بما «يقلص ثقة» الفلسطينيين. في الوقت ذاته، سعت الى تخفيض سقف التوقعات حول الوصول الى اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين خلال جولتها التي تستغرق أربعة أيام على النقاط الرئيسية للتحضير للمؤتمر الدولي الذي دعت اليه واشنطن.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود أولمرت، قد سبق رايس بخطوة، تصب هي ايضا في المساعي لتسوية الخلافات الداخلية في الحكومة الاسرائيلية، حول البيان المشترك المتوقع صدوره عن مفاوضاته مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (ابو مازن)، فأعلن عن تعيين وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، رئيسة للوفد الاسرائيلي المفاوض، وهي أيضا من الوزراء المتحفظين. وستلتقيها رايس، التي تحافظ على علاقات جيدة معها بشكل خاص. وكان معظم المحللين السياسيين في إسرائيل يرجحون ان يقود حائيم رامون الرجل الثاني في الحكومة المفاوضات مع الفلسطينيين.

وتشدد ليفني على الدوام على الضرورات الامنية الاسرائيلية، في حين يؤكد رامون انه مستعد لتقديم تنازلات كبيرة، خصوصا لتقاسم القدس. واعلن أولمرت، رفضه لتحديد أي جدول زمني للمفاوضات مع الفلسطينيين، معتبرا أن التوصل إلى وثيقة مشتركة ليس شرطاً لانعقاد مؤتمر انابوليس للسلام. واشار اولمرت الى انه توصل الى تفاهم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بان عملية التحاور يجب ان تكون متوازنة وحذرة ومدروسة، سعيا الى بلورة اعلان مبادئ مشترك خلال المؤتمر.

وكانت رايس قد وصلت الى اسرائيل، صباح أمس، في جولة ستستغرق خمسة أيام مع احتمال تمديدها يومين آخرين، حسب مصادر اسرائيلية. وستمضي هذه الفترة في جولات مكوكية بين القدس ورام الله، ولكنها ستقفز أيضا في زيارتين خاطفتين الى كل من القاهرة وعمان، لإقناع القيادتين المصرية والأردنية بـ«تشجيع أبو مازن على المضي قدما في المفاوضات مع أولمرت»، وحثه أن يضع حدا لـ«طرح مطالب تعجيزية أمامه، مثل مطلب وضع برنامج زمني للمفاوضات على التسوية الدائمة كشرط للسفر الى مؤتمر أنابوليس، كما قال وزير الشؤون الخارجية في السلطة، رياض المالكي، وعدم اطلاق تصريحات هوجاء مثل تصريح مستشار أبو مازن، عدنان الحسيني، حول حائط البراق والقول انه يجب أن يبقى تحت السيادة الفلسطينية مع أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان قد أكد موافقته على أن يبقى تحت السيادة الاسرائيلية كونه مقدسا لدى اليهود ويؤمنون بأنه الجدار الغربي للهيكل»، وفقا لتلك المصادر. وقد نشرت أنباء في تل ابيب، أمس، تقول ان رايس تنوي الجمع ما بين أولمرت وأبو مازن في لقاء قمة خاص خلال هذه الأيام، وانها ستلتقي مع الوفدين المفاوضين الفلسطيني والاسرائيلي كل على حدة ثم تجمعهما أمامها، محاولة للتوصل الى خطوط عريضة يتفاوضان عليها حتى يتوصلا الى البيان المشترك بخصوص أسس التسوية الدائمة للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وحرصت مصادر اسرائيلية على القول ان رايس تمارس ضغوطا على اسرائيل حتى يتضمن البيان المشترك عددا من الأسس القوية للتسوية الدائمة، بينما ينوي الاسرائيليون مطالبتها بتوجيه الضغوط الى الفلسطينيين «الذين يبتزون اسرائيل والولايات المتحدة، وكلما اقتربنا من موعد انعقاد مؤتمر أنابوليس، يرتفع سقف مطالبهم ويطرحون المزيد من الشروط ويهددون بالتغيب عن المؤتمر». ووصف مسؤول اسرائيلي ما يجري، من وجهة النظر الاسرائيلية، فقال: الفلسطينيون باتوا يدركون ان الادارة الأميركية معنية بنجاح مؤتمر أنابوليس، وان الغاء المؤتمر سيسجل فشلا ذريعا لها، لذلك يستغلون الموقف ويطرحون مطالبهم المتشددة. وهي طريقة معروفة كان قد مارسها رئيسهم السابق، ياسر عرفات، ويكررها الرئيس أبو مازن اليوم. وعندما سئل عن البرهان على ان أبو مازن يسير على ذلك النهج، قال: «قبل يومين، قال أبو مازن انه يريد دولة فلسطينية على مساحة 6502 كيلومتر مربع». كما اتهم الفلسطينيون حكومة أولمرت بأنها تريد من اجتماع أنابوليس أن يكون مجرد «مهرجان اعلامي» تظهر فيه المزيد من الدول العربية جالسة مع القادة الاسرائيليين، من دون أن نتقدم خطوة جدية واحدة نحو مسيرة السلام». وقال المالكي ان الممارسات العملية على الأرض تشير الى ان اسرائيل ليست جادة في التوجه نحو اختراق حقيقي للأزمة والانتقال الى المسار السياسي.

وكانت رايس قد خططت لقاء أبرز الوزراء الاسرائيليين المعارضين لنهج أولمرت في التوصل الى بيان مشترك، اسرائيلي ـ فلسطيني تطرح فيه نقاط الاتفاق على مبادئ التسوية الدائمة في القضايا السياسية. وبدأت مع باراك طالبة منه أن يدرك أهمية هذا المسار بالنسبة للسياسة الأميركية، وأن يفي بما تعهد به أمامها في الزيارة السابقة قبل اسبوعين بإزالة 24 حاجزا عسكريا في الضفة الغربية. ونظم لها لقاء مع الوزير يشاي، رئيس حزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس»، الذي كان قد صرح بأن أبو مازن لا يمثل سوى ثلث الشعب الفلسطيني، ولا يجوز التوصل معه الى اتفاق سلام. ويجب اعطاؤه الوقت ليسيطر على مناطق سلطته الوطنية، والى حين يتم ذلك ـ قال ينبغي ان يتم التفاوض مع أبو مازن حول كيفية الاعداد الجيد لاقامة الدولة لفلسطينية من الناحية الاقتصادية. وستلتقي اليوم مع وزير الشؤون الاستراتيجية، أفيغدور ليبرمن، الذي كان قد هدد بالانسحاب من الائتلاف واسقاط الحكومة في حالة تطرق البيان المشترك الى قضايا التسوية النهائية.

يذكر ان أولمرت فاجأ معظم وزرائه، أمس، عندما أعلن تعيين وزيرة الخارجية ليفني رئيسة للوفد المفاوض. وقد تغيبت ليفني عن جلسة الحكومة العادية لوجودها في اسبوع حداد على وفاة والدتها سارة، إحدى المحاربات القدامى في تنظيم «ايتسل» الصهيوني اليميني العسكري. واعتبر المراقبون هذا التعيين محاولة من أولمرت لضرب عدة عصافير بحجر واحد. فهو أولا يرفع مستوى التفاوض، في مواجهة القرار الفلسطيني وضع أحمد قريع (أبو علاء) رئيسا لوفدهم التفاوضي، وهو الذي يعتبره الاسرائيليون «ثعلبا» و«مفاوضا محنكا». وثانيا يجهض أولمرت بذلك معارضتها له ويفرض عليها فض التحالف الذي أقامته ضد أولمرت مع كل من وزير الأمن الداخلي، آفي ديختر، ووزير الدفاع، باراك. وهو ثالثا يضمن أن تتهم هي بالمسؤولية عن فشل المفاوضات، في حالة فشلها. وأكد نبيل أبو ردينة، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، أن نجاح جهود رايس التي ستلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم في مقر الرئاسة برام الله، يتطلب الوصول إلى بيان واضح، يشمل قضايا المرحلة النهائية، بما في ذلك وقف المشروع الاستيطاني الجديد الهادف إلى عزل القدس وتقسيم الضفة الغربية.

وشدد أبو ردينة على أن مصداقية المجتمع الدولي، والإدارة الأميركية، من أجل إنجاح مؤتمر الخريف القادم باتت الآن على المحك.

كما اعتبر ابو ردينة أن نجاح الجهود الاميركية والدولية والعربية لاستئناف عملية السلام، وإنجاح مؤتمر الخريف يتطلبان عدم اتخاذ اسرائيل أي إجراءات أحادية على الأرض.

وتاتي تصريحات ابو ردينة قبل يوم من لقاء رايس بعباس وبعد ساعات من اعلان رايس انها تستبعد تحقيق انطلاق خلال زيارتها للمنطقة، مبينة أن العملية لم تستكمل بعد.

وقالت رايس للصحافيين على طائرتها التي كانت متجهة لى اسرائيل «لا أتوقع.. ن تكون هناك أي نتيجة محددة فيما يتعلق بحدوث انفراجات تتصل بالوثيقة». وأضافت «أود فقط أن أحذر سلفا من توقع ذلك، لأن هذا أمر يجري بالفعل العمل عليه».

وحسب صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، فقد قال مسؤولون أميركيون في المحادثات التحضيرية أن الولايات المتحدة لن تصدر دعوات لحضور مؤتمر القمة قبل صياغة اولمرت وعباس وثيقة مشتركة واضحة. وتقول مصادر أميركية وإسرائيلية انه من المقرر أن تحاول رايس إقناع اولمرت، وبحسب مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الأميركية فان أميركا تريد لمؤتمر انابوليس ان يحقق إعلان مبادئ لاتفاق قادم بشأن الوضع الدائم، على ان تترك التفاصيل لاحقا لمحادثات ثنائية. وعلى سبيل المثال، الاتفاق على صيغة واضحة لتبادل الأراضي على جانبي الخط الأخضر، على ان تناقش لاحقاً طبيعة الاراضي التي سيتم مبادلتها.

وتقول «هآرتس» انه في واشنطن يتزايد القلق من أن المحادثات قد تتعثر بسبب التوقعات الكبيرة للفلسطينيين. وحسب المسؤولين الأميركيين، فان رايس ستحاول إقناع عباس بالتأكد من توقعاته، وعدم رفعها بشكل مبالغ فيه مما سيؤدي إلى انهيار المحادثات حتى قبل انابوليس. وكان عباس قد قال في الأسبوع الماضي إن مجال الدولة الفلسطينية ينبغي أن يكون 6502 كيلومتر مربع، على 98 % من الاراضي التي احتلت عام 1967.

وتنقل «هآرتس» عن مسؤولين اميركيين قولهم إن الإفراط في التوقعات العالية لا ينبغي أن يتم بهذا الشكل، بينما يمكن في المحادثات الثنائية أن تظل التوقعات عالية لأن الإعلان المشترك هو الذي سيشكل التقدم والانجازات. وكان نبيل عمرو، المستشار الاعلامي للرئيس الفلسطيني، قد قال لـ«الشرق الاوسط» ان السلطة غير متأكدة من الوصول الى اتفاق قبل المؤتمر تاركا الباب مفتوحا لأي قرار تراه السلطة مناسباً بشأن الذهاب الى مؤتمر السلام في حال فشل الاتفاق.