5 إيغوريين صينيين يواجهون مشكلة التكيف في ألبانيا بعد خروجهم من غوانتانامو

قالوا إنهم غير قادرين على جمع شمل عائلاتهم

TT

لمدة 16 شهرا اشتركوا في غرف مرتبة بمعسكر صغير خاص باللاجئين بهذه المدينة حيث عاشوا مع عدة عشرات من الأشخاص الذين تحطمت حياتهم بسبب الحرب أو الاضطهاد أو كليهما.

لكن باستثناء البيت الجديد لا يمتلك هؤلاء الرجال الخمسة المنتمين إلى اثنية إيغور غرب الصين، والذين كان عنوانهم حتى فترة أخيرة معسكر الاعتقال في خليج غوانتانامو بكوبا، أيَّ شيء مشترك مع المقيمين الآخرين في هذا المعسكر، والذين جاءوا من بلدان مجاورة لألبانيا ويختلطون بسهولة بسكان تيرانا عبر شوارع المدينة المزدحمة.

وقال هؤلاء إن كل اثنية إيغور هم من المسلمين. وكانت ألبانيا ذات الاغلبية المسلمة، البلد الوحيد، الذي قبل بهم بينما توصل مسؤولون أميركيون بعد ثلاث سنوات من اعتقالهم أنهم لا يشكلون خطراً.

لكن الرغبة في البدء من جديد هنا تعرضت للعرقلة، إذ قالوا إنهم غير قادرين على جمع شمل عوائلهم الذين لم يروهم منذ أن اعتقلوا عام 2001.

وقال قادر باسم، 38 سنة: «نحن طلبنا حياة مستقلة هنا لجلب عوائلنا، وللتدرب والتمكن من العمل هنا للعيش في شققنا السكنية الخاصة بنا. لكن حتى بعد اطلاق سراحنا، لم نقم بأي عمل سيئ ما زلنا بلا أي أمل للمستقبل». وأنكر الرجال الخمسة أيَّ علاقة لهم بحركة طالبان، وقالوا إنهم ذهبوا إلى أفغانستان هرباً من القمع الصيني أو على أمل الذهاب إلى بلد ثالث حيث يمكنهم أن يحسنوا حياتهم. وتعتبرهم الصين إرهابيين متورطين في القتال ضد السلطات الصينية في الداخل.

وحسبما قال جيسون بيني محامي البعض منهم إنهم سلموا في باكستان من قبل أولئك الطامعين في مكافآت خلال الأيام التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر(أيلول) 2001 ثم تم بيعهم للقوات الأميركية مقابل 5 آلاف دولار للرأس الواحد. ولاحقا تم إرسالهم إلى خليج غوانتانامو.

وتم تصنيف الخمسة في البدء كـ«محاربين أعداء»، لكن مراجعة قضيتهم من قبل محكمة عسكرية أدت إلى إلغاء التقييم. ومع أكثر من 100 معتقل آخر بدأ العمل لإيجاد بلد يناسب كلا منهم. ولأنهم من الصين راحت الولايات المتحدة تبحث لهم عن وطن بديل.

وقال المحامي بيني الذي توكل عن بعض من هؤلاء الصينيين الخمسة: «إنه لأمر صادم. فمن دون أي تنبيه لنا. الشيء المثير للحيرة هو أنهم ما زالوا سجناء».

ورفض الكثير من البلدان حتى تلك التي انتقدت سياسات الولايات المتحدة بما يتعلق معتقل غوانتانامو قبول الرجال الخمسة. لكن ألبانيا التي تعد أفقر بلد أوروبي وافقت على أخذهم مع ثلاثة آخرين من معتقلي سجن غوانتانامو السابقين.

وعلى الرغم من أن التقدير للولايات المتحدة قد هبط في الكثير من بلدان العالم لكنه ما زال عالياً هنا. وبدأ هذا التعاطف القوي تجاه أميركا من زمن الرئيس وودرو ويلسون الذي دعم استقلال ألبانيا. كما حظيت الولايات بمشاعر الجميل بسبب معارضتها لحكم الدكتاتورية الشيوعية لألبانيا لأربعة عقود والتي انتهت أوائل التسعينات من القرن الماضي.

ولعب التدخل الأميركي من خلال طائرات الولايات المتحدة الحربية ودول أخرى من حلف الأطلسي لصالح الاثنية الألبانية في كوسوفو عام 1999 لتعزيز هذه المشاعر المتعاطفة أكثر فأكثر. واليوم أصبحت ألبانيا حليفا قويا للولايات المتحدة وقامت بإرسال وحدات عسكرية إلى العراق وأفغانستان وتأمل أن تنضم إلى حلف الناتو أيضا.

وكان قبول الرجال المنتمين إلى اثنية أيغور الصينية «تلويحاً لحقوق الانسان. فهؤلاء الرجال لم يكونوا قادرين على العودة إلى بلدهم، هذا أمر أكيد»، حسبما قال صالح بريشا رئيس وزراء البانيا في مقابلة. وأضاف: «أنا اندهشت كثيرا من عدم رغبة دول أخرى في قبولهم. من جانب آخر هي تنتقد سجن غوانتانامو وتقول للآخرين لا ترسلوهم إلى هنا». وبعد يومين من وصول الرجال الخمسة المنتمين إلى اثنية ايغور الصينية إلى ألبانيا، أيد الرئيس بوش علنا انتماء البلد المضيف إلى الناتو.

وفي المقابلة، أنكر بريشا أن تكون الولايات المتحدة قد قدمت أيا من الحوافز المادية لقبول الإيغوريين. وقال إن بلده قد يأخذ عددا آخر من معتقلي غوانتانامو.

وليس من المتوقع أن تقبل ألبانيا بإيغوريين آخرين من سجن غوانتانامو، بسبب العلاقة الوطيدة التي تجمعها بالصين منذ أيام الحكم الشيوعي فيها. لكنها في الوقت نفسه رفضت طلبات بترحيل الايغوريين الخمسة إلى الصين. وقال بريشا: «أنا طلبت من الصينيين أن يجلبوا لي الأدلة إذا كانت لديهم تثبت أنهم متورطون في أنشطة إرهابية بالصين لكننا لم نتسلم أي شيء منهم. لذلك نحن لا نستطيع أن نرسلهم إلى مكان آخر حينما لا نكون متأكدين من أن إجراءات مناسبة قد تم اتباعها. نحن أوروبيون والآن هذا الملف أغلق. إنهم هنا وسيندمجون خطوة بعد أخرى في الحياة هنا. ستكون لهم حياة جيدة هنا».

وتم منح الوعود للإيغوريين الخمسة بمنحهم شققا يبلغ إيجارها الشهري 200 دولار قبل انتهاء سبتمبر حيث ستدفع الحكومة والأمم المتحدة المبلغ للسنة الأولى لكنهم باقون حاليا في معسكر اللاجئين. ولم يتحقق أي تقدم حسبما قالوا بالنسبة لتوحيدهم مع أسرهم أو إيجاد عمل لهم.

وقال عادل عبد الحكيم، أحد الايغوريين الخمسة: «تحاول ألبانيا مساعدتنا ونحن شاكرون لها كثيرا لكن هذا البلد غير متطور بل هناك الكثير من الألبان لا يستطيعون كسب قدر كاف من النقود. هم يستطيعون أن يعطونا شقة لمدة عام لكننا لن نتمكن من دفع إيجارها لاحقا، إذ أن أكثر الألبان لا يكسبون أكثر من 300 دولار شهريا. ثم ماذا نفعل؟».

يتمتع هؤلاء الايغوريون بتقدير المعنيين في المعسكر على الرغم من مشاعر الضيق الملازمة لهم بسبب أوضاعهم. وقال هيداجيت سيرا مدير المعسكر والذي يتفاهم معهم من خلال مترجم يتحدث الصينية: «إنهم أفضل الموجودين هنا. فهم لم يسببوا لنا أي مشكلة ونحن نسعى إلى القيام بأي شيء ممكن لصالحهم. نحن نعرض عليهم وجبات طعام خاصة. ولدينا سيارة فان وسائق تحت تصرفهم إن هم أرادوا الذهاب إلى المدينة. وإذا نظرت إلى الكيفية التي يعيش وفقها المجتمع الألباني لن تجدهم في القاع».

لكن قادر باسم قال: «إنه أمرٌ يبعث على الضيق حينما لا نستطيع أن نتكلم مع أيِّ شخص. لذلك نحن نقضي معظم ساعات النهار نصلي ونستخدم الانترنت إنها حياة بسيطة جدا. وفي الخارج ترى الناس مع عوائلهم، وهذا ما يجعلنا نفكر في عوائلنا وأطفالنا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»