متحف المهاجرين ينبش قضايا حساسة في فرنسا

ربع السكان حاليا لديهم أصول مهاجرة

TT

اصبحت الهجرة قضية كبيرة لا يمكن تجنبها، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن عبر اوروبا، ولا يتضح ذلك اكثر منه في فرنسا. فالأدلة الأخيرة على ذلك ظهرت في الأسبوع الماضي على شكل متحف جديد، المركز الوطني لتاريخ الهجرة. ويقع المتحف الجديد في حي بو دفينسن في حي راق بعيد عن الأحياء الفقيرة حيث أثار الشباب المسلم اضطرابات ضد نيكولا ساركوزي، الذي كان وزيرا للخارجية آنذاك. ولم يظهر ساركوزي في حفل افتتاح المتحف وهو المشروع المفضل لسلفه.

كما لم يحضره عدد كبير عندما زرته قبل ايام. وقيل لي ان آلافا ظهروا في الايام الاولى، ولكن مجموعة قليلة زارته في أول يوم سبت يمر على الافتتاح. والمتحف مجاني. ولا يوجد محل لبيع التحف ولا مقهى. ويسود المتحف مناخ حزين كأنه مكان مؤقت. ويوجد في المبنى معرض للأحياء المائية في البدروم، وعندما نظرت كان معظم الناس يتجهون الى البدروم.

ويهدف المتحف المجهز بخرائط ورسوم بيانية وأجهزة تفاعلية الى اضافة بعد إنساني الى ما هو عرض جاف. ويبتعد المتحف عن التعامل مع القضايا الحساسة مثل احتلال الجزائر.

وتجدر الإشارة الى ان الثقافات المتعددة، التي يعتبرها المتحف أمرا مسلما به، هو مفهوم غريب هنا. وعلى العكس من معظم الدول الأوروبية، ففرنسا دولة هجرة، فعدد المهاجرين ارتفع من مليون في عام 1881 الى مليونين بحلول عام 1962 ثم الى 3.7 مليون بحلول عام 1982. ويقدر ان ما يتراوح بين 20 و في المائة من السكان الحاليين لديهم خلفية من المهاجرين.

غير ان كونك مواطنا فرنسيا تعني انك لا تعتبر فرنسياً أفريقياً ولا فرنسياً من جنوب شرق آسيا أو فرنسياً من جزر الهند الغربية، أنت فرنسي. وهو الوضع المثالي للجمهورية. ويحظر القانون الفرنسي اجراء احصاءات طبقا للعرق او الجنس، ولذا عندما اشار نص في المتحف الى التواريخ الفرنسية، ملمحا الى وجود اكثر من تاريخ فرنسي، واكثر من شخصية فرنسية، ادى الى ضجة هنا. والغريب ان المبنى الذي اقيم فيه المتحف كان جزءا من معرض للاستعمار الدولي عام 1931. ويوجد في الواجهة تمثال للمثال الفرد جانيو يُظهر عمالا من المستعمرات الفرنسية يعملون في اطار عظمة الامبراطورية. وعبر الشارع يوجد نصب تذكاري اقيم عام 1934 لجان بابتيست مارشون الذي ساهم في نشر الاستعمار الفرنسي في افريقيا.

وعبر المبنى والنصب يعترف السكان بطريقة غير مباشرة بالجانب القبيح للاستعمار الفرنسي ويقدمون للمتحف بعض المحتوى التاريخي. فهناك بعض الصور تشير الى المظاهرات ضد السياسات المعادية للهجرة، وبعض المطبوعات المعادية للسامية. وغير ذلك تنتشر في المتحف اغلفة مجلات، وصحف قديمة وبعض الاشياء التي تشير الى الرياضيين المهاجرين من امثال ريمون كوبا وزين الدين زيدان او رشيد طه المطرب الجزائري الذي يغني بالفرنسية والعربية. وبمجرد لمسة شاشة ظهر طفل مع والده ويبدو من اصل عربي ويتحدثان بالفرنسية، وكنا نحاول معرفة اصلهما عبر الكلمات الاجنبية. وتحتوي صناديق بلاستيكية على اقتباسات من المهاجرين. والرسالة: يهاجر الناس من العديد من الأماكن، لعدة أسباب بصعوبة، وبالرغم منهم، ويحضرون ثقافتهم معهم.

وقال جاك توبون رئيس المتحف «تاريخ الهجرة أمر يختلف عن تاريخ الرق وتاريخ الاستعمار». وأضاف ان فرنسا «متأخرة في مواجهة الحقيقة بخصوص تاريخها الاستعماري». ولكن الغرض من المتحف هو «ابلاغ قصة الهجرة». وهو امر يبدو غريبا على الاميركيين مثل اقامة متحف للأميركيين الأفارقة او الهنود، مع تجاهل الرق والفصل العنصري.

واضاف توبون «نحن داخل مبنى ذكريات للاستعمار، ولكن رسالتنا هي العكس: تحديد ما الذي أتى به كل هؤلاء الناس الذين حضروا لفرنسا طوال قرنين، وهو ما يعني تاريخ فرنسا وليس تاريخ الهجرة فقط.

غير ان ساركوزي هو اكثر الرؤساء شعبية منذ ديغول. فقبل عامين، في استطلاع اجرته هيئة حقوق الإنسان، تبين ان ثلث الناس اعترفوا بآراء عنصرية. وفي نفس العام اقرت الجماعات اليمينية في البرلمان قرارا يمتدح الحكم الفرنسي في المستعمرات. وقد ادى القرار الى فشل خطة لشيراك، الذي يعرف عندما كان ضابطا صغيرا في الجزائر شيئا عما يجري، بالتوصل الى معاهدة صداقة مع الجزائر وهي خطوة تجاه الاعتذار. وقال ساركوزي خلال حملته الانتخابية في تولون في شهر فبراير امام جمع من المحافظين من الفرنسيين القادمين من الجزائر وأماكن أخرى ان فرنسا «يجب ان تفخر بتاريخها وتتوقف عن الحديث عن التوبة».

ثم جاءت لحظة محرجة في شهر مايو عندما كان على الرئيس المنتخب الظهور مع شيراك في مناسبة اعدها شيراك لتكريم العبيد الفرنسيين. وبعد ذلك كان متحف الهجرة نوعا من قنبلة موقوتة بالنسبة لخلفه.

وكان المتحف جزءا من تراث متعدد الثقافات رتبه شيراك لنفسه ـ مثل مشاريع ميتران العظيمة او مركز بومبيدو ـ كانت تشمل متحف دو كي برانلي. والمتحف الجديد من تصميم المعماري الفرنسي الشهير جان نوفل، وفتح ابوابه في العام الماضي كنموذج للفنون الأفريقية وفنون شعوب المحيط وغير الغربية. أما متحف الهجرة فمختلف. فهو اكثر رمزية منه كنقطة جذب سياحية. ومن المتوقع افتتاح متحفين جديدين في كل من مرسيليا وبربينان في الأعوام القادمة. ويرضيان توجهات اليمين الفرنسي، ويقر الاستعمار الفرنسي ويكرم ما يطلق عليهم «الحركي» في اشارة للمسلمين الذين حاربوا مع الجيش الفرنسي في الحرب في الجزائر.

ومن الصعب القول من الذي سيزور المركز الوطني في الوقت الراهن. وبالرغم من أن المكان يمكن ان يصبح «مثيرا للمتاعب»، فإن توبون يتعهد ببرنامج من النشاطات لإضافة المزيد للعرض الممل، الذي قال انه سيتغير.

* خدمة «نيويورك تايمز»