«تونس الصغيرة».. جزيرة للتعايش السلمي بين العرب واليهود

قطاع صغير شرق باريس تتجاور فيه المتاجر العربية واليهودية

TT

باريس ـ رويترز: على الخريطة هي قطاع صغير بشرق باريس يقع بمحاذاة بوليفار دي بيفيه لكن بالنسبة للمهاجرين التونسيين الذين يعتبرونها موطنا لهم، والتي تمتلئ واجهات متاجرها بالحروف العربية والعبرية، تعرف هذه المنطقة باسم «تونس الصغيرة».

وفي بلد عادة ما تتسم فيه العلاقات بين العرب واليهود بالفتور، تعد هذه المنطقة بمثابة جزيرة للتعايش السلمي، حيث توجد المخابز ومحلات الشواء ومحلات الجزارة،جنبا الى جنب، وهي تعد الاطعمة وفقا للشريعتين الاسلامية واليهودية.

وخلال هذا الشهر تزامن صيام شهر رمضان بالنسبة للمسلمين مع صيام يوم الغفران بالنسبة لليهود للمرة الاولى منذ أعوام.

وقال موريس كوهين، 80 عاما، الذي يعيش في تلك المنطقة منذ 25 عاما، ان ذلك الوقت كان فترة تأمل وسلام للمسلمين واليهود في تونس الصغيرة. وأضاف رغم ما يحدث في الشرق الاوسط، فهذا الحي التونسي ممتاز. انه نموذج جيد على علاقات الجوار الطيبة. وفي هذا المكان، تتشابه الكثير من العادات التي جلبها المهاجرون معهم الى فرنسا من شمال أفريقيا.

وفي محل لاماما للحلويات الذي يملكه عربي، يصطف الناس في طابور طويل في الوقت الذي يهرع فيه الخبازون لتلبية الطلبات على البقلاوة والكعك المحشو باللوز والفطائر الساخنة المحلاة بالسكر.

ويقول عمارة عماني الذي تدير عائلته أيضا مطعما آخر في الحي «نبيع تقريبا الاشياء ذاتها التي يبيعها جيراننا اليهود، بل ان هذه الحلويات الشرقية لها الاسماء ذاتها لكنها بلمسة مختلفة». وعلى نفس الطريق، يبيع متجر يهودي حلويات مشابهة. ويقول صاحب المخبز آلان زيتون «فتحنا المحل عام 1962 في نفس الوقت الذي بدأ فيه المسلمون يتوافدون، والامور دائما كانت ودية». ويستعيد كثير من المهاجرين ذكرى الفترة التي عاشوها في تونس التي كانت بها جالية يهودية كبيرة، ويوجد بها أكبر معبد يهودي في المنطقة وكانت نموذجا باهرا على التعايش السلمي.

وفي تونس الصغيرة، يتجلى هذا الحنين في الشوارع حيث يسير الرجال المسلمون واليهود جنبا الى جنب أثناء فترة التنزه والتسوق قبل الغروب.

قال جان ميشيل روزنفلد، وهو مسؤول بمجلس بلدية المدينة، ان المسلمين واليهود جاءوا الى هنا بشكل جماعي بعد الحروب المتعاقبة بين العرب واسرائيل لكن بمجرد وصولهم الى هنا أدركوا أن العادات التونسية وفرت لهم أرضية مشتركة واسعة. وأضاف لا يوجد مكان في فرنسا حيث العلاقات بين اليهود والمسلمين أفضل من هنا، بل انني أعرف مطعما يملكه يهودي يفتح أبوابه في عطلة يوم السبت اليهودية لان مالكه يعطي مفاتيحه لصديق مسلم. ويبلغ عدد أفراد الجالية المسلمة في فرنسا نحو خمسة ملايين شخص وهي الاكبر في أوروبا، في حين أن الجالية اليهودية التي يصل عدد أفرادها الى 600 ألف هي ثالث أكبر تجمع لليهود بعد الولايات المتحدة واسرائيل.

وشاب التوتر العلاقات بين الجاليتين في بعض الأوقات ولاسيما مع احتدام الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ويقول الحاخام ميشيل سرفاتي الذي يدير منظمة للصداقة بين المسلمين واليهود، إن مدنا فرنسية مثل بوردو ومرسيليا تعد أيضا نماذج جيدة على العلاقات بين المسلمين واليهود.

وأضاف «في النهاية إن الحضارتين متقاربتان وتشتركان في كثير من التقاليد. فهما حضارتان توحيديتان وتعترفان بالكثير من الانبياء، وتشجعان على الصيام ولهما طرق خاصة في تحضير الطعام».