منطقة الفضل في بغداد تنتفض ضد الجماعات المسلحة

أمانة العاصمة تخصص مبالغ ضخمة لإعمارها

TT

لم يعد سكان منطقة الفضل وسط بغداد المعروفون ومنذ حكم العثمانيين بالشراسة والبأس يتحملون التصفيات اليومية لابنائها على يد المتشددين الذين كان وجودهم في المنطقة مبررا لضربها واستهدافها وبشكل مستمر من قبل الأجهزة الأمنية العراقية والقوات المتعددة الجنسيات وأيضا الميليشيات المسلحة. ومنطقة الفضل، أو كما يسميها البغداديون (تحت التكية) أو (المهدية)، ترعرعت داخل أزقتها شخصيات تركت الأثر الكبير على السياسة والفن والثقافة مثل الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم، والأديب عزيز جاسم الحجية، والكاتب عبد الستار القره غولي، كما نشأ فيها من يسمون بـ«شقاوات» بغداد الذين كان لهم دور سياسي واجتماعي وحتى إداري للمناطق المتنفذين فيها فكان الناس يلتفون حولهم ويوالونهم أكثر من موالاتهم للدولة مقابل حمايتهم ومناطقهم وتجارتهم من السرقة أو تدخل الأجهزة البوليسية لابتزازهم . والتركيب السكاني لمنطقة الفضل التي يحيطها سوق الشورجة وشارع الكفاح والجمهوري والميدان والباب المعظم يعتبر من أكثر التراكيب السكانية تنوعا كونها من أقدم مناطق بغداد وانها كانت قريبة من مركز القرار السياسي المتمثل بالولاة العثمانيين وقصور العائلة المالكة ومقرات الوزارات العراقية وفيها استوطن النازحون من جميع مناطق العراق بحثا عن الرزق، خاصة انها كانت المركز التجاري للبلد حيث استغل يهود العراق الكثافة السكانية لتأسيس سوق الشورجة بل كانوا قبل رحيلهم نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي السكان الأصليين للمنطقة. وبعد رحيل اليهود أصبحت الفضل من أكثر المناطق استقطابا للسكان فجاء إليها الأكراد وعوائل من الجنوب والفرات. وبعد تفجيرات سامراء العام الماضي بدأت المسميات الطائفية تفرق ما بين أقدم مناطق بغداد فأصبحت الصدرية والكفاح تسميان بالشيعية ويسكنها التركمان وأطياف عديدة، فيما استغلت التنظيمات السنية ثغرة حماية العوائل السنية لتدخل وتتمركز داخل الفضل، وبدأت من هناك عمليات مسلحة لم تهدأ حتى قبل أيام وساعدت الأحياء القديمة والأزقة التي لا تسمح بمرور المركبات داخلها لضيقها وعلوها مقارنة بالأحياء الأخرى لتكون حصنا جيدا أمام الحملات الكثيرة التي شنتها القوات العراقية والأميركية في محيط المنطقة ولم تتمكن من الدخول إلا مرتين فقط بدون التوغل كثيرا داخل أزقتها خوفا من الكمائن وعدم معرفتهم بطرقها التي تبدو من الأعلى وكأنها متاهة كبيرة. احد سكان الفضل، والذي فضل عدم ذكر اسمه، أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن ما حدث في الفضل من صراعات وتهجير ومجابهات عسكرية بين الميليشيات لم يكن بدافع طائفي في بداية الأمر فالمعروف عن أهالي هذه المنطقة أنهم يرتبطون بعلاقات قديمة جدا ولم تكن هناك تفرقة مذهبية بينهم كما أنهم لا يميلون للتشدد، وكانت البداية أن البعض استغل أحداث بغداد لنقلها للفضل ومنها معارك الميليشيات في الاعظمية وشارع حيفا فبدأت المناطق التي تسكنها أغلبية سنية أو شيعية تتخوف من هجمات مباغتة مما اضطرهم لتكوين جماعات مسلحة لحمايتهم والاستنجاد بجماعات من نفس مذاهبهم، وهكذا بدأت الجماعات المسلحة دخول الفضل خاصة بعد محاصرتها في مناطق أخرى يمكن السيطرة عليها أو دخولها بشكل أسهل من الفضل. وأضاف أن نصف بيوت المنطقة «هي الآن من غير سكان نتيجة الرعب الذي عانيناه طيلة الفترة الماضية، فالعوائل فضلت السفر خارج العراق والى المحافظات فبات كل شيء مصدر موت لهم، فالجماعات المسلحة سيطرت وبشكل قوي حتى على أدق تفاصيل حياتنا، فلم نستطع حتى الذهاب لدوائرنا خوفا من اتهامنا بالعمل مع الحكومة أو الأميركيين، وإذا خرجنا فهناك من يترصدنا ويحسبنا من ضمن الجماعات المسلحة».

وأكد المصدر أن السكان «ما عادوا يتحملون أكثر من هذا، فكل يوم يقتل أشخاص كونهم موظفين أو تجارا رفضوا مد المسلحين بالأموال وآخرها التفجير الذي قامت به ذات الجماعات المتمركزة فيها وقتل وجرح أكثر من 34 مواطنا فبدا الناس يتجمعون عند المساجد وطلبوا من أئمة الجوامع التكبير بمكبرات الصوت لتحفيزهم على حمل السلاح وضرب المتسببين، وهنا بدأت فعلا عمليات مطاردة انتهت بقتل العشرات من المسلحين فيما طرد الآخرون خارج الفضل وبما أن الجميع معروفون من قبلنا فلن يستطيعوا معاودة الكرة ثانية أو الدخول والتمركز من جديد». الى ذلك، أكد أمين بغداد صابر العيساوي أن امانة العاصمة بدأت حملتها الكبرى لإعادة الخدمات البلدية إلى منطقة الفضل التي كانت تعاني من وضع أمني مضطرب ما حرمها من هذه الخدمات طيلة المدة الماضية والتي تنعم حالياً بالأمن والآمان. وأضاف العيساوي في تصريحات أن أمانة بغداد «عازمة على إسعاف أهلنا في منطقة الفضل والدخول إلى أحياء ومناطق بغداد كافة وإعادة الخدمات البلدية أليها ومن ثم إنهاء معاناة ساكنيها، وان الحملة بدأت خلال عطلة عيد الفطر في منطقة الفضل بعد أن وضعت خطة تتضمن مجموعة مراحل كانت الأولى رفع أطنان الأنقاض والنفايات وإصلاح الكسور والنضوحات في شبكات الماء فيما تشمل المراحل الأخرى بقية الخدمات ولحين الانتهاء من إصلاح البنى التحتية للمنطقة وعودة جميع الخدمات إليها أسوة ببقية مناطق بغداد» مؤكدا تخصيص مبالغ اضافية واستثنائية لمضاعفة حجم الخدمات والنهوض بالواقع الخدمي لهذه المنطقة.