اشتباكات دامية في مقديشو واعتقال رئيس «رابطة الشعراء الصوماليين»

البرلمان يصوت غدا على حجب الثقة عن رئيس الوزراء الصومالي

صوماليون يعاينون مبنى تضرر بصاروخ أثناء مصادمات بين بعض القوى الصومالية والمتمردين في العاصمة مقديشو قبل أيام (رويترز)
TT

اندلعت اشتباكات دامية بين القوات التابعة للحكومة الصومالية وبين عناصر الجماعات المسلحة في وسط العاصمة مقديشو، وسمع دوي الانفجارات في أنحاء متفرقة من العاصمة، واستمر تبادل اطلاق النيران لنحو 8 ساعات. في هذه الأثناء اعتقلت القوات الحكومية الشاعر الصومالي المعروف «أبْشِر باعدلي» وقد اقتحمت مجموعة من الشرطة منزل الشاعر باعدلي في جنوب العاصمة واقتادته الى جهة مجهولة. وتعتبر الاشتباكات الأخيرة بين القوات الحكومية وعناصر الجماعات المسلحة في قلب العاصمة تحولا نوعيا في المواجهات المستمرة بين الطرفين منذ بداية هذا العام، فقد كانت معظم الهجمات على الأهداف تحدث ليلا ويلجأ المسلحون الى الاختباء خلال ساعات النهار. لكن هذه المواجهات هي الأولى من نوعها التي تقع نهارا في مقديشو بدون أن تتوقف منذ صباح اليوم، وقد انتشرت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين في أحياء متفرقة من العاصمة أبرزها منطقة «البكارو» التي يقع فيها أكبر الأسواق المفتوحة في مقديشو. وقد شوهد عشرات من عناصر الجماعات المسلحة وهم يتخذون مواقع لهم في الأزقة القريبة من سوق البكارو.

وسقط عدد من القذائف الطائشة في مناطق بعيدة من مناطق الاشتباكات، وأفادت مصادر المستشفيات بأن 4 أشخاص قتلوا فيما أصيب أكثر من 10 آخرين في هذه الاشتباكات، لكن يعتقد بأن حجم الخسائر البشرية أكبر من ذلك، وأصيبت الحركة في العاصمة بالشلل بسبب إغلاق عدد من الشوارع الرئيسية فيها بسبب هذه الاشتباكات. على صعيد آخر اعتقلت القوات الحكومية الشاعر الصومالي المعروف «أبْشِر باعدلي» من منزله في جنوب العاصمة، وأفاد شهود عيان بأن مجموعة من عناصر الشرطة مزودة بثلاث سيارات اقتحمت منزل الشاعر باعدلي واقتادته الى جهة مجهولة، وأفاد أحد أعضاء أسرته بأن الشاعر يحتجز حاليا بمقر جهاز الاستخبارات بالعاصمة مقديشو، ولم يصدر تعليق من السلطات الصومالية حول ملابسات اعتقال الشاعر أبشر باعدلي، الذي يرأس أيضا «رابطة الشعراء الصوماليين» ويعرف عن الشاعر باعدلي بأنه كان من أبرز المنتقدين للحكومة الصومالية والإثيوبية أيضا، كما كان من مؤيدي تنظيم المحاكم الإسلامية التي أطاحتها القوات الصومالية والإثيوبية من الحكم في العاصمة بداية العام الجاري. وفي شمال الصومال عاد التوتر مجددا بين جمهورية أرض الصومال المعلنة من طرف واحد في شمال البلاد وبين إقليم بونت بشمال شرق الصومال، وكانت القوات التابعة لأرض الصومال قد استولت بالكامل على مدينة لاس عانود المتنازع عليها .

وقال الجنرال عدي موسى حاكم ولاية بونت ان قواته ستستعيد بالقوة مدينة لاس عانود التي استولت عليها ميليشيات أرض الصومال. واتهم الجنرال موسى أرض الصومال بأنها استقدمت الى المنطقة مقاتلين أجانب وميليشيات تابعة للمحاكم الإسلامية مدعومة من إريتريا، لكن عبد الله أحمد دعالي وزير خارجية أرض الصومال نفى هذه الاتهامات ووصفها بانها عارية عن الصحة، وأضاف بأن مدينة لاس عانود تقع ضمن حدود أرض الصومال وأن قوته استعادت السيطرة عليها. وتشهد مدينة لاس عانود (وادي الحليب) حالة حرب وبدأ مئات من سكان المدينة بالفرار منها خوفا من تجدد المواجهات بين ميليشيات الطرفين المتقاتلين التي تنتشر في المناطق القريبة منها ويجوب مئات من المسلحين أرجاء المدينة التي أصبحت مناطق واسعة منها شبه مهجورة. وفي مقديشو برر رئيس جهاز الاستخبارات الصومالية الجنرال محمد درويش اعتقال إدرس عثمان ممثل برنامج الغذاء العالمي في مقديشو، وقال درويش ان السيد عثمان ارتكب جرما يستدعي محاكمته وسيكشف عن ذلك لدى محاكمته.

وكانت عناصر من جهاز الاستخبارات الصومالية قد اقتحمت مجمعا تابعا لمنظمات الأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي واعتقلت ممثل برنامج الغذاء العالمي في مقديشو، الأمر الذي أثار مسؤولي الأمم المتحدة التي اتخذت قرارا بوقف برنامج توزيع المواد الغذائية في الصومال. وقد كانت العلاقات بين الحكومة الصومالية الانتقالية ومنظمات الأمم المتحدة فاترة جدا منذ سيطرة الحكومة على العاصمة بداية العام الحالي، ويعتبر إدريس عثمان أول مسؤول دولي يعتقل على يد السلطات الصومالية.

من ناحية اخرى قال مسؤول رفيع المستوى فى الحكومة الانتقالية الصومالية إن البرلمان الصومالي سيجتمع غدا الأحد للتصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء الانتقالي علي محمد جيدي، في وقت بدا فيه أن إثيوبيا قد نصحت جيدي بالخضوع لرغبة الرئيس الصومالي عبد الله يوسف في احترام نصوص الميثاق الانتقالي للبلاد الذي ينص على امتثال جيدي الذي انتهت رسميا فترة ولايته للبرلمان والحصول على ثقته مجددا.

وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا من مقر البرلمان في مدينة بيداوة الجنوبية، إن جيدي سيعود اليوم بعد زيارة دامت يومين إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا التقى خلالها مع رئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي ووزير خارجيته سيوم سيفين، بالإضافة إلى مسؤولين في الاتحاد الأفريقي ودبلوماسيين من السفارة الأميركية في أديس أبابا.

وقال المصدر الذي اشترط عدم تعريفه إن الجبهة المناوئة لجيدي لديها غالبية الأصوات، وهو ما يعنى أن البرلمان قد يحجب ثقته عن جيدي تمهيدا لقيام الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف بترشيح رئيس جديد للحكومة خلفا لجيدي.

وأشار إلى أن مجلس الوزراء الصومالي عقد أمس اجتماعا برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي سالم عليو ابرو تمت خلاله إعادة التأكيد على رفض غالبية أعضاء الحكومة لاستمرار جيدي في منصبه.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية أن المحادثات المغلقة التي أجراها جيدي مع نظيره الإثيوبي ميلس زيناوي أسفرت عن توصل جيدي مع مسؤولي الحكومة الإثيوبية إلى أن الأزمة السياسية الراهنة في الصومال يجب حلها عبر الامتثال الصارم لأحكام الميثاق الوطني الصومالي.

وقالت الوزارة فى بيان لها إن الجانبين على قناعة بأن حل المشكلة على أعلى مستوى داخل السلطة الانتقالية الصومالية ينبغي أن يتم بتوافق تام مع أحكام الميثاق، معتبرة أن هذا من شأنه أن يساهم في تعزيز سيادة القانون في الصومال ويشجع على احترام المؤسسات الاتحادية الانتقالية للسلطة الصومالية.

من جانبها، اعتبرت مصادر صومالية مطلعة أن البيان الإثيوبي المقتضب يعني أن جيدي قد فقد حظوته لدى السلطات الإثيوبية وأن الأخيرة قد رفعت دعمها السياسي والمعنوي عنه بعدما تأكدت من أن جيدي يواجه صعوبات جمة في إقناع أعضاء الحكومة والبرلمان ببقائه في منصبه كرئيس للحكومة الانتقالية لفترة إضافية.

من جهة أخرى، وصف مصدر مسؤول بالجامعة العربية المشهد الراهن في الصومال بأنه يدعو إلى الأسف ، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما يحدث هو بمثابة تهريج سياسي يدفع ثمنه غاليا الشعب الصومالي».

واعتبر أن المشاحنات السياسية بين ترويكا السلطة الانتقالية تزعزع ثقة المجتمع الدولي والعربي في إمكانية أن تنجح هذه المجموعة في قيادة الصومال نحو إنهاء الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت منذ عام 1991. من جهته، قال أندريه جورجيس مارك مبعوث الاتحاد الأوروبي لشؤون الصومال «إن الخاسر الوحيد مما يحدث هو الشعب الصومالي»، معتبرا أن الصوماليين خسروا الكثير من الوقت في مناقشات سياسية كان ينبغي سرعة حسمها.

وأكد أندريه في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» من مقره في العاصمة الكينية نيروبي عبر الهاتف أنه ينبغي العمل على حل هذه الخلافات بأسرع وقت ممكن، معربا عن أمله في أن يتوصل الفرقاء الصوماليون لاتفاق قريب بالنظر إلى القضايا الملحة التي تتطلب النظر فيها خاصة.

من ناحية أخرى، استمرت القوات الصومالية لليوم الثالث على التوالي في احتجاز إدريس محمد عثمان وهو موظف محلي يتولى إدارة شؤون مكتب برنامج الغذاء العالمي بتهمة تورطه في تقديم مساعدات إلى جماعات متطرفة مناوئة للسلطة الانتقالية وللتواجد العسكري الإثيوبي في البلاد.

وقال مسؤول أمني صومالي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن إدريس معتقل حاليا على مقربة من القصر الرئاسي المعروف باسم فيلا الصومال حيث مقر الرئيس الانتقالي، وهو ما يعني ضمنا أن الأخير قد أعطى موافقته على هذه العملية غير المسبوقة. وقد علق برنامج الأغذية العالمي نشاطاته الإنسانية ووقف توزيع المعونات على أكثر من 75 ألف شخص في العاصمة مقديشو، كما دعا إلى سرعة الإفراج عن الموظف المحتجز فورا.