على الجانب التركي من الحدود .. قلق من عودة أجواء منتصف التسعينيات

عمدة فقد اثنين من أبنائه انضما للعمال الكردستاني وابنة لا تزال في الجبال: الكل سيعاني

صورة وزعتها وكالة فرات للانباء المقربة من حزب العمال الكردستاني قالت إنه لثمانية جنود اتراك أسرهم مسلحو الحزب اخيرا (أ.ف.ب)
TT

تهديدات تركيا بغزو شمال العراق تركت سكان هذه المنطقة ذات الاغلبية الكردية في حالة توتر وشكوك يعيد الى الأذهان سنوات منتصف عقد التسعينات التي شهدت سلسلة من عمليات التوغل من جانب تركيا وحملات عنيفة لمكافحة التمرد في المنطقة، حيث جرى قتال عنيف خلف أعداد كبيرة من الضحايا وازيلت قرى بكاملها بهدف تدمير شبكات دعم المتمردين.

لم يتصور أحد أول من امس ان تركيا بصدد العودة الى ذلك المستوى من العمليات. ويقول عمدة يوكيسكوفا، محمد صالح يلديز، الذي كان يتحدث خلال لقاء معه في مقر حزبه، ان الكل في تركيا سيعاني من هذا الوضع. وأضاف يلديز، قائلا انهم ظلوا يعيشون تحت ضغوط كبيرة على مدى سنوات وانهم باتوا معتادين على هذا الوضع على العكس من تركيا. جدير بالذكر ان اثنين من ابناء يلديز قتلا وهما يحاربان في صفوف «حزب العمال الكردستاني»، كما ان ابنته «في الجبال» تحمل السلاح مع وحدات حزب العمال الكردستاني وتحتمي بمنطقة بالقرب من الحدود داخل كردستان العراق. ولم يبد على يوكيسكوفا ما يشير الى ان المنطقة مقبلة على حرب. فالحياة فيها تسير بصورة معتادة تقريبا، أطفال المدارس يلعبون كرة السلة ويتسوق السكان من سوق الخضر بصورة عادية. المنطقة حول يوكيسكوفا، وهي منطقة جبلية، ظلت على مدى فترة تتسم بوجود مظاهر عسكرية مكثفة. ويقول سكان المنطقة ان الفترات الليلية تشهد أنشطة تشارك فيها مروحيات، كما ان هناك عددا اكثر من المعتاد من نقاط التفتيش التي يعمل فيها جنود او أفراد تابعون للشرطة العسكرية، فضلا عن أكياس الرمل وكاميرات الفيديو.

وعلى الطريق الذي يقود جنوبا من يوكيسكوفا الى حدود العراق، توجد نقطة تفتيش تابعة للجيش على بعد 20 كيلومترا من الحدود تتوقف عندها كل السيارات ويمنع الصحافيون من السفر الى ابعد من هذه النقطة.

وكان متمردو حزب العمال الكردستاني قد فجروا جسرا في هذه المنطقة الأحد الماضي ونصبوا مكمنا لدورية للجيش التركي اسفر عن مقتل 12 من افرادها وجرح 16 وفقد 8 آخرين. ويقول حزب العمال الكردستاني ان الجنود الثمانية وقعوا في الأسر ونشرت وكالة أنباء موالية للأكراد صورا لبعضهم. وقال واحد من الضباط في نقطة التفتيش، وهو يشير الى نقطة لم تكن واضحة باتجاه الجنوب صوب المناطق الجبلية، ان هذه منطقة الحرب. وقالت السلطات التركية ان لغما ارضيا انفجر في عدد من المدنيين كانوا في طريقهم الى مناسبة زواج، كما نجا سائق جرار من الاصابة عندما انفجر لغم آخر يوم الاثنين، حسبما قال الضابط. وفي نقطة تفتيش تقع أبعد إلى الشمال أمرت الشرطة العسكرية الصحافيين بالخروج من سياراتهم وطلبت معلومات منهم عن تحركاتهم ساعة بساعة ومع من أجروا لقاءات وماذا قال الأشخاص المستجوَبين.

ويضم الجيش في هذه المنطقة مئات ممن يسمون بحراس القرى الأكراد الذين يتم تسليحهم ودفع رواتب لهم من قبل تركيا لحراسة القرى والمناطق الريفية النائية. والكثير منهم تم تهجيرهم من قراهم على يد تركيا قبل أكثر من عقد، لكنهم مع ذلك يقاتلون إلى جانب الوحدات الحكومية.

وكان هناك أربعة من حراس القرى يهجعون في البرية بالقرب من يوكسيكوفا وهم يدخنون ويهيئون أنفسهم لليلة باردة. وقال احدهم إن الزيادة في هجمات حزب العمل الكردستاني التي راح بعضها يستهدف المدنيين جعلتهم قلقين من العودة إلى الحرب الشاملة. لكن غزو شمال العراق ليس هو الجواب، حسبما قالوا، لأن ذلك سيتسبب في وقوع قتلى كثيرين لكنه لن ينهي حزب العمال الكردستاني. وقال أحد الحراس: «ستكون مثيلة لحروب التسعينات مرة أخرى ويمكن أن تكون أسوأ. ويمكن أن يقتل الكثير من الناس وهذا ليس سهلا تماما. حزب العمال الكردستاني هو ليس في شمال العراق فقط. إنه موجود في اسطنبول، وفي أوروبا...».

وقال عدد من الأكراد في يوكسيكوفا إنهم قلقون من أن استفحال الأزمة سيؤدي إلى مسح المكاسب التي تحققت في المجالين السياسي والاجتماعي. فتحت ضغط الاتحاد الاوروبي الذي تأمل تركيا الانضمام اليه سمحت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ببث تلفزيوني محدود باللغة الكردية مع السماح بقدر من التعليم بالكردية، وهناك عشرات النواب الأكراد في البرلمان التركي. وقال محمد يرديمجي، 47 سنة: «أينما تكون الحروب لا يكون هناك تطور، ولا تقدم. إنها لا تفيد أي شخص».

وفي مقر الحزب كانت هناك يافطات صغيرة مثبتة على الجدار باللون الأصفر، مع صور ستة شباب من ناشطي حزب العمال الكردستاني قتلوا في السنة الماضية. وهناك ملصق يحييهم باعتبارهم شهداء. وقال عبد المناف دوزنجي الذي هو مثل الكثير من أكراد جنوب تركيا يعيش على المتاجرة بالبضائع مقابل الوقود من كردستان العراق إنه غير مقتنع بأن تركيا ستعيد الساعة إلى الوراء بما يخص التعامل مع أكراد تركيا. وأضاف دوزنجي، 44 سنة: «ليس ممكنا العودة إلى تلك الأيام. الناس غيرت طريقة تفكيرها. بل وحتى أبسط شخص هذه الأيام يعرف أكثر عما يجري». لكن زميلا له لم يوافق على رأيه. وقال هذا الرجل الذي لم يعط اسمه: «السبب وراء تصعيد تركيا للنزاع هو ليس لرغبتها في الذهاب إلى العراق بل لأنها تريد أن تبتز بقية العالم بحيث يجري قمع نشاط الأكراد هنا. إنها لا تريد حقا أن تعطينا حقوقنا». أما الصحافي أركان دمرجي، 30 سنة، والذي يغطي هذه المنطقة لصحيفة صباح التركية اليومية فقال إن هناك إجماعا بأن تركيا ستتجنب إجراء عملية عسكرية كبرى في المستقبل المنظور وبدلا من ذلك ستقوم بغارات جوية وبرية. وهذا ما يجعل الناس متضايقين لكن ليس مذعورين. وأضاف دمرجي: «الناس يتوقعون عملية عسكرية كبيرة، كي لا يبقى توتر كبير. لكن الناس غير راغبين في رؤية عمليات عسكرية في المنطقة».

* خدمة «لوس أنجلس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»