إيران: أنباء متضاربة حول استقالة وزير الخارجية تزيد الانقسامات داخل الحكومة

نجاد: وافقت على مغادرة لاريجاني تحت الضغط.. ومدرب الكرة يجري بعض التغييرات * رايس: إيران أكبر تحد لأمن أميركا

المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي يسير بين قائد الجيش الإيراني وقائد قوات الحرس الثوري وقائد هيئة الأركان العامة ووزير الدفاع خلال احتفال عسكري إيراني أمس (أب)
TT

تضاربت الانباء في ايران امس حول استقالة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، ففيما ذكرت وكالة الانباء الايرانية الطلابية عن نائبين ايرانيين نافذين ان وزير الخارجية قدم ليل اول من امس استقالته الى الرئيس محمود احمدي نجاد، نفى الرئيس الإيراني الانباء، كما نفى شائعات تحدثت عن استقالة وزير الاسكان محمد سعيدي ـ كيا. وقال «يبدو ان البعض ميالون لتغيير الوزراء»، لكنه لم يحدد الوزير الذي يقصده. لكن النفي يذكر بنفي الحكومة الإيرانية عدة مرات تقدم مسؤول الملف النووي امين مجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني باستقالته، وهي الانباء التي ثبتت صحتها الاسبوع الماضي. وقال كاظم جلالي «حسب معلومات سمعناها، قدم متقي استقالته الى الرئيس». واكد النائب رضا طلائع نيد هذه المعلومات ايضا. والنائبان عضوان في لجنة الشؤون الداخلية والامن القومي.

وتتحدث شائعات منذ ايام عن استقالة متقي. وتحدثت وكالة الانباء شبه الرسمية (مهر) عن احتمال ان يعين احمدي نجاد سعيد جليلي مسؤولا بالانابة عن وزارة الخارجية. وكانت الحكومة الايرانية قد اعلنت السبت استقالة علي لاريجاني من منصب سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي المكلف الملف النووي وتعيين سعيد جليلي القريب من احمدي نجاد بدله. وقالت «مهر» ان شائعات في مجلس الشورى (البرلمان) تتحدث عن احتمال اجراء تغييرات اخرى في الحكومة.

لكن الرئيس الايراني نفى الانباء حول استقالة وزير الخارجية، معتبرا ان «هذا النوع من الاخبار يندرج في اطار حرب نفسية ضد الحكومة». وكان محمد علي شهيدي احد مساعدي وزير الخارجية قد نفى بدوره الانباء. وقال شهيدي في تصريح لوكالة «مهر» ان «المعلومات عن استقالة منوشهر متقي خاطئة وسيبقى في منصبه ليخدم الشعب والنظام في الجمهورية الايرانية». وكانت استقالة لاريجاني قد تسببت في خلافات حادة داخل البرلمان الإيراني، وتقدم 200 نائب في البرلمان بمذكرة يثنون فيها على ادائه. يذكر ان لاريجاني ومنوشهر متقي كانا يتقاسمان مسؤولية الملف النووي، وتتشابه افكارهما كثيرا بخصوص اهمية اجراء حوار مع المجتمع الدولي بخصوص القضايا العالقة. وقد جاءت استقالة لاريجاني في مطلع هذا الأسبوع في ذروة النزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني ولم تثر الاهتمام المحلي والدولي فحسب لكنها تعرضت لانتقاد حاد داخل الدوائر السياسية الإيرانية حتى بين المقربين من أحمدي نجاد. ولم يعرب البرلمان ومكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أسفهما لتلك الخطوة فحسب بل أعربا أيضا عن عدم موافقتهما عليها. وبالرغم من أن لاريجاني نفى وجود خلافات مع أحمدي نجاد إلا أن المراقبين يعتقدون أنه لم يعد يرغب في العمل مع الرئيس.

من جهته، اكد سعيد جليلي، المسؤول الجديد عن الملف النووي، أنه ينوي الاستمرار في الطريق التي كان يتبعها لاريجاني. وقال ان «مبدأنا الاساسي يبقى التفاوض والتعاون والحوار ونعتقد ان ثمة فرصا حقيقية لتطوير التعاون» مع الاتحاد الاوروبي حول هذه المسائل. واضاف جليلي الذي سعى الى تبديد أي انطباع حول تنافس بينه وبين لاريجاني «ان لإيران موقفا مبدئيا (حول الملف النووي) ولكن، مع تمسكنا بمبادئنا، نستطيع الاستمرار في التفاوض والتوصل الى نتائج مقبولة من الطرفين». واكد لاريجاني الحرص نفسه، نافيا ان تكون استقالته ناجمة عن اسباب مرتبطة بأشخاص، وقال «ليست لدي مشاكل شخصية».

وكانت وكالة «مهر» للانباء قد رددت شائعات حول تغييرات داخل الحكومة بعد استقالة علي لاريجاني الذي حل محله سعيد جليلي الذي يعتبر مقربا من الرئيس. واعتبر محللون ايرانيون وغربيون ان هذا التعديل عزز موقف الرئيس محمود احمدي نجاد على الساحة السياسية، حتى ولو ان لاريجاني الذي يشارك هذا الاسبوع في مفاوضات روما بصفته ممثلا للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية اية الله علي خامنئي، لا يبدو مستبعدا تماما عن المسرح.

وقد تسببت هذه التغييرات بانتقادات داخل المعسكر المحافظ نفسه. وهكذا لاحظ المستشار الدبلوماسي للمرشد الاعلى علي اكبر ولايتي انه «كان الاجدى ان لا يتم ذلك او ان يمنع في الوضع الحساس الحالي حول البرنامج النووي». وحاول احمدي نجاد إخفاء الانطباع بوجود خلاف مع لاريجاني الذي كان منافسه في الانتخابات الرئاسية في العام 2005. وقال «لاريجاني صديق. خلال كل هذه الفترة، بذل جهودا جبارة لكنه قدم استقالته خطيا ثلاث مرات وشفهيا عدة مرات. وألح ان اقبل هذه الاستقالة ووافقت عليها اخيرا تحت الضغط».

وأضاف الرئيس الايراني «لكن عندما تصبح اللعبة اكثر قساوة، فان المدرب يجري بعض التغييرات»، مشبها الأمر بلعبة كرة قدم. وعلى الرغم من انه لا يبدو ان اي وزير آخر مستهدف حتى الان، فان تغييرا كبيرا حصل اول من امس في وزارة الخارجية مع تعيين علي رضا شيخ عطار المكلف حتى الان الشؤون الاقتصادية في الوزارة، محل الرجل الثاني فيها مهدي مصطفوي. ومنذ شهرين، غير الرئيس الايراني ايضا وزيري النفط والصناعة اضافة الى رئيس البنك المركزي وعين مقربين له في هذه المناصب الرئيسية. وغلام حسين نظري، الذي سيمثل خلال بضعة ايام امام مجلس الشورى (البرلمان) لنيل ثقته كوزير للنفط، يعتبر اكثر ليونة من سلفه. اما بالنسبة الى علي اكبر محربيان، الذي سيعين وزيرا للصناعة، فهو احد المخلصين للرئيس الايراني.

وفي واشنطن، اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ان البرنامج النووي الايراني ودعم طهران للارهاب يمثلان «ربما اكبر تحد» لأمن الولايات المتحدة. وقالت رايس خلال جلسة استماع في الكونغرس «اننا قلقون للغاية حيال سياسة ايران التي تشكل ربما اكبر تحد لمصالح الولايات المتحدة الامنية في الشرق الاوسط وفي العالم». وبعد صدور تصريحات شديدة اللهجة حيال ايران في الولايات المتحدة وفي مقدمها تحذير الرئيس الاميركي جورج بوش من «حرب عالمية ثالثة» في حال حصول ايران على السلاح النووي، قالت رايس ان واشنطن تبقى ملتزمة بالمسار التفاوضي لوقف النشاطات النووية الايرانية الحساسة. وقالت متوجهة الى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب خلال جلسة مساءلة حول السياسة الاميركية في الشرق الاوسط «اننا نواصل مع شركائنا الدوليين مقاربة على مسارين للملف النووي». وتابعت أنه بموازاة المفاوضات التي يجريها الممثل الاعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية، خافيير سولانا، فان واشنطن وشركاءها الاوروبيين يعملون على تشديد العقوبات الدولية المفروضة على ايران بسبب رفضها تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم. وأكدت ان بوش عازم بمعزل عن الدبلوماسية على ملاحقة «الجهات الايرانية التي تتعرض لقواتنا (في العراق) ولعراقيين ابرياء». كما قالت رايس ان الحكومة المصرية لا تبذل جهودا كافية لوقف تهريب الاسلحة إلى قطاع غزة، وأن عدم إحراز تقدم في هذا المجال يقوض الجهود الرامية إلى دعم القادة الفلسطينيين «المعتدلين».

ومن ناحيته، قلل الرئيس الايراني من شأن التهديدات بفرض عقوبات وشن عمليات عسكرية على بلاده على خلفية برنامجها النووي. وجدد احمدي نجاد اقتناعه بان الولايات المتحدة لن تشن هجوما على ايران لحملها على وقف برنامجها النووي. وقال لدى خروجه من مجلس الوزراء «العدو غاضب. انهم يرسمون خارطة ايران على الجدار ويقذفونها بالسهام ثم يقولون انهم سيهاجمون ايران». كذلك قلل من شأن قرار ثالث قد يصدر عن مجلس الامن لتشديد العقوبات على ايران. وقال ان «ما تبقى من الملف النووي لدى مجلس الامن مجرد قصاصات ورق بلا قيمة».

واضاف «يمكنهم ان يضيفوا اليها قصاصات ورق اخرى، لكن هذا لن يؤثر في ارادة الشعب الايراني». وقال احمدي نجاد إن بلاده مستعدة للاستماع الى كل الاقتراحات، غير انها لن تتنازل عن «حقوقها النووية».

الى ذلك، اعلن مصدر رسمي ان مساعد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية اولي هاينونن سيعقد الاثنين في طهران لقاء جديدا مع المسؤولين الايرانيين، في حين انهى خبراء الوكالة الاربعاء مناقشات دامت خمسة ايام حول اجهزة الطرد المركزي. ونقلت وكالة الانباء الطلابية الايرانية عن ممثل ايران لدى الوكالة الذرية علي اصغر سلطانية قوله ان «لقاء جديدا سيعقد الاثنين في طهران اثناء زيارة اولي هاينونن». من جانب آخر، اكد سلطانية ان «المناقشات بين خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وايران بشأن اجهزة الطرد المركزي «بي1» و«بي 2» انتهت الاربعاء بعد خمسة ايام». وانتهت الجولة الثانية من المناقشات بين ايران والوكالة الذرية حول هذا الموضوع في الحادي عشر من اكتوبر (تشرين الاول) بعد سلسلة اولى في نهاية سبتمبر. وتنتظر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحصول على تفاصيل من ايران حول مكونات اجهزة الطرد من طراز «بي1» التي يعمل منها ثلاثة آلاف في مصنع نطنز لتخصيب اليورانيوم (وسط) وحول الابحاث التي تخص نموذج «بي 2» الاكثر حداثة. وتندرج تلك المحادثات في اطار الاتفاق المبرم في 21 اغسطس (اب) بين الوكالة الذرية وطهران والذي حدد جدولا زمنيا وعدت ايران بموجبه الرد على سلسلة من الاسئلة العالقة حول حجم برنامجها النووي. ودعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أخيرا ايران الى التعاون بشكل فعال في هذا المجال وإلا فإن المجتمع الدولي سينقلب عليها.