خبراء يؤكدون أن صور الأقمار الصناعية تظهر أن سورية كانت تبني موقعا لمفاعل نووي شبيه بالمفاعلات الكورية الشمالية

الجدل مستمر بين الخبراء حول نوع الموقع السوري المقصوف على شاطئ الفرات

TT

حدد خبراء مستقلون ما يعتقدون انه موقع على نهر الفرات في سورية قصفته اسرائيل الشهر الماضي، وصورا بالأقمار الصناعية للمنطقة تظهر مباني قيد الانشاء مماثلة في تصميمها لمفاعل نووي في كوريا الشمالية، قادر على انتاج مواد نووية لقنبلة واحدة سنويا، وفقا لما يقوله الخبراء.

وتكشف صور الموقع التي التقطت قبل الغارة الجوية السرية يوم السادس من سبتمبر (أيلول) الماضي، عن مجمع معزول يتضمن مبنى طويلا على هيئة صندوق مماثلا لنوع المباني المستخدمة في تخزين الوقود. كما تظهر ما يمكن أن يكون محطة ضخ تستخدم في تزويد المفاعل النووي بمياه التبريد، وفقا لما يقوله الخبيران ديفيد اولبرايت وبول برانان، الباحثان في معهد العلوم والأمن الدولي.

وقال خبراء ومسؤولون اميركيون ودوليون مطلعون على الموقع، ممن شاهدوا الصور يوم أول من امس، ان هناك احتمالا كبيرا في انها تمثل المجمع البعيد الذي تعرض الى الهجوم. ورفض مسؤولون اسرائيليون ومن البيت الأبيض التعليق على ذلك.

وإذا كان المبنى قد تأكد أنه الموقع الذي استهدفه الهجوم الاسرائيلي، فإن الصور تقدم تفسيرا محتملا لغارة اسرائيل التي جرت في منتصف الليل.

يقع المبنى على بعد سبعة أميال شمال قرية التبنة الصحراوية في محافظة دير الزور، وعلى بعد 90 ميلا من الحدود العراقية، وفقا لتقرير لمعهد العلوم والأمن الدولي. وقال اولبرايت، المفتش السابق عن الأسلحة من الأمم المتحدة ان حجم المباني يشير الى أن سورية ربما تكون قد شيدت مفاعلا تتراوح طاقته بين 20 و25 ميغاواطا ممثلا للمفاعل الذي اقامته كوريا الشمالية في يونغبيون.

وقال أولبرايت في مقابلة معه «أنا مقتنع الى حد ما ان سورية كانت تحاول بناء مفاعل نووي». وقال ان المشروع يمكن أن يمثل تخليا مهما عن السياسات السابقة. ومعهد العلوم والأمن الدولي، وهو مؤسسة ابحاث غير ربحية، يرصد الأسلحة النووية ومخزوناتها في مختلف انحاء العالم.

ولم تعلن اسرائيل، التي تمتلك اسلحة نووية، ما الذي قصفته طائراتها الحربية كما لم تقدم تبريرا للغارة. ونفت سورية ان يكون لديها برنامج نووي. غير أن الشروع ببناء مفاعل نووي سرا، ينتهك التزامات سورية بموجب معاهدة الحد من نتشار الأسلحة النووية، التي تتطلب من جميع الموقعين عليها الاعلان عن نواياهم عندما يتخذون مثل هذا القرار، وفقا لمصادر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويترك التقرير الجديد الكثير من الأسئلة من دون اجابات، منها: ما الذي قصدت سورية استخدامه في المباني غير المكتملة، وما هو الدور المحدد، ان وجد، لكوريا الشمالية في بنائها؟ كما انه من غير الواضح لماذا اختارت اسرائيل ان تستخدم القوة العسكرية، بدلا من الضغط الدبلوماسي ضد منشأة ما كان لها ان تنتج مواد نووية مهمة في غضون سنوات. ويمكن أن تثير التفاصيل الجديدة جدالا حول ما اذا كان الهجوم الاسرائيلي مبررا.

واعترف اولبرايت بصعوبات اثبات طبيعة الموقع جزئيا، بسبب ان السقف أقيم في مرحلة مبكرة، مما يعوق التعرف على المؤسسة ويحجب مكونات المفاعل المحتمل. وفي تشييد انواع اخرى من المفاعلات النووية يترك بناء السقف للنهاية لتتمكن الرافعات من نقل المعدات الثقيلة إلى داخله.

وحث بعض الخبراء النوويين على الحذر في تفسير الصور، مشيرين الى ان هذا النوع من المفاعلات الذي تفضله كوريا الشمالية يتسم ببعض المزايا المرئية من الجو. وعلى خلاف مفاعلات الطاقة النووية التجارية، على سبيل المثال، يفتقر المفاعل من طراز مفاعلات كوريا الشمالية الى مبنى الاحتواء المميز الذي يتخذ شكل قبة والذي يمنع تسرب الاشعاعات في حال حصول حادث نووي. وقال جون بايك، وهو خبير نووي «يمكنكم النظر الى مباني مفاعل نووي في كوريا الشمالية لتروا انها لا تشبه شيئا. انها مجرد بنايات صناعية مغلفة بالمعدن». وقال بايك ان قرب المبنى مصدر مياه ليس مهما بحد ذاته. ولكن برونان، من معهد العلوم والأمن الدولي، بحث في كمية كبيرة من صور الأقمار الصناعية ليجد موقعا على امتداد الفرات يشبه مواصفات مفاعل نووي وكذلك توصيفات لموقع الهجوم. ويعتبر بعد المجمع عن المناطق المأهولة بالسكان تفصيلا اساسيا، طالما ان المفاعلات تعزل عادة عن سكان المدن الكبيرة.

كما ان الموقع قريب من منطقة مروية، الأمر الذي يمكن أن يفسر تصريحات بعض المسؤولين المطلعين على تفاصيل الهجوم من أن المبنى يقع قرب بساتين. ويمكن لمطار صغير يبعد ميلين عن الموقع أن يستخدم لنقل العاملين فيه. وقال مسؤولون اميركيون واجانب يتابعون الحدث، ان سورية تحاول في الوقت الحالي ازالة المباني المتبقية في الموقع. ولدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية صورها الجوية الخاصة، ولكنها لم تكمل تحليلها، وفقا لمصدر في الوكالة.

وفي مقابلة نشرت يوم أول من امس عبر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحائز جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي، عن غضبه على السوريين والاسرائيليين ووكالات المخابرات الأجنبية، لعدم تقديم المعلومات حول برنامج نووي مشتبه فيه. وأبلغ صحيفة لوموند الفرنسية «لقد قلنا انه اذا كان لدى أي منكم اية معلومات تظهر وجود أي شيء يرتبط بالقضايا النووية، سنكون بالطبع سعداء للتحقيق فيه. وبصراحة فإنني أتجرأ على الأمل بأنه قبل ان يقرر الناس القصف واستخدام القوة، يمكنهم ان يأتوا ويلتقوا بنا ويعبروا عما يثير قلقهم».

كما قال البرادعي ان الغارة الجوية يمكن ان تعرض للخطر الجهود الرامية الى احتواء الانتشار النووي. وقال انه «عندما دمر الاسرائيليون مفاعل الأبحاث النووية الذي كان يبنيه صدام حسين عام 1981 كانت النتيجة ان صدام حسين يعد برنامجا نوويا عسكريا ضخما بصورة سرية. ان استخدام القوة يمكن أن يؤدي الى انتكاسات، ولا يمكن أن يتعامل مع جذور المشكلة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)