المباحثات التركية ـ العراقية: بغداد تتحدث عن مقترحات «ملموسة».. وأنقرة تعتبرها «ضعيفة»

تركيا رفضت في البداية التحدث مع ممثلي الأكراد.. ومستشار المالكي: لسنا ملزمين بتنفيذ كل ما يطلبونه منا

وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي (يسار) وشيروان الوائلي وزير الدولة لشؤون الامن الداخلي لدى وصولهما الى مكان الاجتماع مع المسؤولين الاتراك في انقرة امس (أ.ف.ب)
TT

بدأت المباحثات العراقية ـ التركية في انقرة أمس بشكل متعثر إثر رفض تركيا التحدث الى ممثلي الحزبين الكرديين الرئيسيين ضمن الوفد العراقي بل وحتى استقبالهما. وفيما أكد مسؤول عراقي أن المباحثات، التي ترمي الى تجنب عملية عسكرية تركية في إقليم كردستان لتعقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المحظور، أتت «بنتائج ايجابية»، وصف مسؤول تركي مقترحات الوفد العراقي بـ«ضعيفة لأن رؤيتنا مختلفة». وقال مستشار لرئيس الوزراء العراقي في وقت لاحق، إن العراق ليس ملزما بتنفيذ كل ما تريده تركيا. وتزامنت هذه التطورات مع استمرار أنقرة بحشد المزيد من قواتها على الحدود العراقية. وقال فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان، ان المباحثات بين الوفدين العراقي والتركي واجهتها «مشكلة» عندما «اعترض الجانب التركي على وجود ممثلين عن إقليم كردستان في الوفد العراقي». وأضاف حسين في حوار هاتفي مع لـ«الشرق الاوسط» من أربيل أنه كان هناك «لقاء» مقتضب بين وزيري الدفاع والامن القومي العراقيين من جهة وممثلين عن وزارة الخارجية التركية من جهة أخرى. ووفقا لحسين فان المباحثات بين الطرفين بدأت بعد ساعات من عقد ذلك اللقاء بحضور جميع أعضاء الوفد العراقي ومن بينهما الممثلان الكرديان. وأكد مصدر في السفارة العراقية في أنقرة أن وزيري الخارجية والداخلية التركيين علي باباجان وبشير اتالاي يشاركان في هذه الجولة الثانية من المشاورات التي تتم في احد الفنادق الكبيرة مع وزير الدفاع العراقي عبد القادر محمد جاسم العبيدي ووزير الامن الوطني شيروان الوائلي. وتابع ان ممثلي الاكراد يشاركان في هذا الاجتماع الذي سبقه غداء عمل، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان محمود عثمان، عضو البرلمان عن لائحة التحالف الكردستاني قد صرح للوكالة المستقلة للانباء (أصوات العراق) بأنه «بطلب من رئيس أركان الجيش التركي يشار بيوكانت استبعد كل من عماد أحمد عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني وسفين دزيي مسؤول العلاقات الخارجية للحزب الديمقراطي الكردستاني من مفاوضات الوفد العراقي الزائر لتركيا للتفاوض مع وزارة الخارجية التركية». وأشار عثمان إلى «رفض رئيس الأركان مشاركة ممثلي الحزبين الكرديين الرئيسين في إقليم كردستان أو حتى استقبالهما». وقال وزير الدفاع العراقي اللواء عبد القادر جاسم رئيس الوفد للصحافيين انهم جاءوا بمقترحات ملموسة. وامتنع عن الادلاء بتفصيلات اخرى، بحسب وكالة رويترز. بيد أن مسؤولا تركيا، طلب عدم نشر اسمه «بالنسبة للعراقيين هذه المقترحات ربما تكون ملموسة وقوية، ولكن بالنسبة لنا فبعض هذه المقترحات ربما تكون ضعيفة لأن رؤيتنا تختلف، ولذلك فاننا نجري الآن مشاورات داخلية». وأضاف ان هذه المحادثات تسير في خط متواز مع المحادثات الثنائية. واستمرت هذه المحادثات التي عقدت في وزارة الخارجية التركية ساعة ونصف الساعة تقريبا في انقرة.

وقال الناطق باسم وزارة الدفاع العراقية محمد العسكري إن المحادثات أتت «بنتائج ايجابية»، معلنا لقاء جديدا بعد ظهر أمس. وأوضح العسكري «محادثات مهمة جدا تجري. ثمة نتائج ايجابية. كل شيء يسير كما كان متوقعا». وذكرت محطة «ان. تي. في» الاخبارية التلفزيونية ان باباجان توجه الى مقر قيادة هيئة اركان الجيش لاجراء مشاورات في حين اطلع وزير الداخلية، رئيس الوزراء طيب رجب اردوغان الموجود في رومانيا، هاتفيا على فحوى المحادثات. ويفترض ان يناقش الاتراك والعراقيون سبل مكافحة المقاتلين الاكراد في حزب العمال الكردستاني الذين يستخدمون شمال العراق قاعدة خلفية لمهاجمة الجيش التركي.

من جهته، قال ياسين مجيد المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء العراقي إن «الحكومة العراقية غير ملزمة بتقديم تنازلات او ضمانات للحكومة التركية من اجل حل المسألة، وانما ستجري عملية تفاهم وتعاون وكيفية حل الأزمة بالطرق التي لا تؤدي الى نشوب نزاع مسلح او عمل عسكري»، وأضاف مجيد أن الحكومة ملتزمة بتقديم الخيار السياسي والدبلوماسي كخيار رئيسي لحل المسألة.

وحول امكانية تلبية الحكومة العراقية لمطالب الجانب التركي والتي تتضمن تسليم قيادات في حزب العمال الكردستاني الموجودين في اقليم كردستان، قال «لا يوجد شيء بين دولتين؛ يعني ان تقدم الاولى مطالب والاخرى تنفذ، وان تسليم القيادات الكردية هو عمل استخباري بحت يتعاون فيه العراق وتركيا».

وأقر المسؤول العراقي بصعوبة إغلاق مكاتب حزب العمال الكردستاني في العراق، لأنها «تتخذ واجهات لمكاتب وهمية، لذلك فهناك مشكلة يصعب حلها، وسيتم العمل بموجبها بالتنسيق مع حكومة اقليم كردستان». وأكد المستشار ان كل الاطراف العراقية متفقة على ضرورة حل المسألة بالطرق السلمية والسياسية «بما فيها حكومة اقليم كردستان التي هي غير مستعدة لخوض المواجهة العسكرية مع تركيا». وكان البرلمان التركي قد أعطى الضوء الاخضر للحكومة في 17 اكتوبر (تشرين الاول) لشن عملية عسكرية داخل العراق ضد المسلحين. وزاد التوتر بشكل كبير بين أنقرة وبغداد إثر هجوم لحزب العمال الكردستاني ادى مطلع الاسبوع الماضي الى مقتل 12 جنديا تركيا وأسر ثمانية آخرين.

وتأتي زيارة الوفد العراقي المؤلف من 11 عضوا، من بينهم رئيس المخابرات العراقية ومسؤولين كبار وممثلين عن الحزبين الكبيرين في كردستان العراق (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، اثر زيارة قام بها باباجان لبغداد منتصف الاسبوع الماضي.

واثر هذه الزيارة اعلنت السلطات العراقية منع نشاطات حزب العمال الكردستاني في العراق. واظهرت تركيا مؤشرات نفاد صبر، إذ انتقد اردوغان دعوات الولايات المتحدة الى ضبط النفس. واضاف ان بلاده عازمة على شن تدخل عسكري في شمال العراق «عندما يفرض الوضع ذلك». الى ذلك، نقلت طائرات هليكوبتر تركية مزيدا من القوات الى الحدود مع العراق أمس. وقالت وكالة انباء الاناضول ان طائرات هليكوبتر من طراز كوبرا وطائرات مقاتلة قصفت ايضا حصونا لحزب العمال الكردستاني تم اكتشافها بعد طلعات استطلاعية على الحدود وداخل تركيا التي تملك ثاني اكبر جيش في حلف شمال الاطلسي. وحشدت أنقرة ما يصل الى 100 ألف جندي على طول الحدود الجبلية استعدادا لشن عملية محتملة عبر الحدود لسحق نحو ثلاثة آلاف مقاتل من حزب العمال الكردستاني يشنون هجمات على تركيا انطلاقا من شمال العراق.

وقال مصدر عسكري، طلب عدم نشر اسمه في جنوب شرقي تركيا «بدأنا نحرك مزيدا من القوات من اقاليم اخرى الى اقليم سيرناك». وعزز الجيش التركي مستويات القوات ولاسيما في اقليمي هاكاري وسيرناك المجاورين للعراق. وقالت مصادر امنية ان عشر طائرات هليكوبتر من طراز سيكورسكاي تحمل جنودا وعتادا عسكريا اقلعت من اقليم هاكاري وتوجهت الى منطقة داجليجا قرب الحدود العراقية. وتشك انقرة، التي تريد ان تقوم السلطات الاميركية والعراقية باغلاق معسكرات حزب العمال الكردستاني وتسليم زعماء المتمردين، في قدرة بغداد على قمع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق؛ وهي منطقة تقطنها أغلبية كردية وليس للحكومة المركزية نفوذ يذكر فيها.

من جهته، قال الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لصحيفة «لا ستامبا» الايطالية في تصريحات نشرت أمس «آمل القيام بتحركات سلمية وليس عمليات عسكرية والتي لن تؤدي إلا الى إثارة عدم استقرار بشكل قوي جدا».