باريس غير مطمئنة للموقف السوري .. و«تتحفظ» على توجهات واشنطن

ساركوزي سيطرح الملف الرئاسي اللبناني في لقائه مع بوش

TT

مع اقتراب موعد انعقاد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تكثف باريس اتصالاتها في كل الاتجاهات محاولة توفير المناخ والشروط الملائمة لحصول هذا الاستحقاق في أفضل الظروف. وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم الرئاسة الفرنسية أن الملف اللبناني سيكون موضع بحث بين الرئيس ساركوزي والرئيس الأميركي جورج بوش في الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الأول الى واشنطن يومي 6 و7 نوفمبر المقبل. وفيما تتابع باريس اتصالاتها مع المملكة السعودية ومصر بشأن الملف اللبناني، سيلتقي وزير الخارجية برنار كوشنير وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اسطنبول على هامش مؤتمر دول جوار العراق المقرر عقده في المدينة التركية يومي 2 و3 نوفمبر. وقبل ذلك، سيقوم السفير جان كلود كوسران، المكلف الملف اللبناني، بزيارة الى العاصمة السورية لاستكشاف الأجواء السورية والتشاور مع المسؤولين السوريين حول الملف الرئاسي اللبناني. وكان الرئيس ساركوزي قد قال في مراكش، على هامش زيارته للمغرب، إن ما تقوم به باريس هو «تمرير رسائل» الى السلطات السورية و«ليس حوارا» وهي تستخدم في ذلك «القنوات المباشرة وغير المباشرة». لكن الناطق باسم الرئاسة امتنع أمس عن تأكيد خبر زيارة الأمين العام للقصر الرئاسي كلود غيان الى العاصمة السورية واكتفى بالقول إن ما تريده فرنسا من سورية في لبنان هو «أن تأخذ اللعبة (الديمقراطية) مجراها وأن تسهل إجراء الانتخابات الرئاسية بهدوء وانتظام وضمن المهل الدستورية». وأفادت مصادر فرنسية تحدثت اليها «الشرق الأوسط» أن باريس «رغم اتصالاتها مع سورية لم تطمئن بعد لما تسعى اليه دمشق في لبنان أو للوجهة التي تحث شركاءها على سلوكها» إزاء الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يفسر التصريحات المتشددة التي أطلقها ساركوزي في المغرب.

وكان الرئيس الفرنسي قد طلب من سورية تعهدا بتقديم من يظهرهم التحقيق على علاقة باغتيال الرئيس الحريري الى القضاء الدولي ووضع حد للإغتيالات السياسية في لبنان مع تأكيده أنه «لا يتهم أحدا»، ودعا السلطات السورية الى تسهيل الإنتخابات الرئاسية وتمكين اللبنانيين من ممارسة حقهم من غير تدخل خارجي. وقال مصدر فرنسي رفيع المستوى لـ «الشرق الأوسط» إن باريس «مستعدة لإعادة النظر في طبيعة علاقاتها مع دمشق إذا تأكدت أن الأخيرة ستسهل إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان وتمتنع عن التدخل في شؤونه الشخصية». وتبدي باريس استعدادا من أجل «فك عزلة سورية» ودعوتها الى قمة الاتحاد المتوسطي في فرنسا في شهر يونيو (حزيران) من العام المقبل وتسهيل التصديق على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ويلاحظ هذا المصدر أن سورية «ستكون الرابحة في حال تجاوبت» مع مساعي فرنسا والأسرة الدولية. وستكون هذه الأمور على رأس ما سيقوله الوزير كوشنير الى نظيره السوري في اسطنبول.

غير ان مشاغل فرنسا ليست فقط مع سورية. ذلك أن باريس لا تبدو واثقة مما تسعى اليه واشنطن في لبنان ولا يبدو أن للطرفين الرؤية نفسها لما يفترض عمله أو تجنبه. ويفهم مما تقوله باريس أنها وواشنطن على الخط نفسه في ما خص المبادئ العامة. وقال الناطق الرئاسي دافيد مارتينون أمس، إن لباريس وواشنطن «الأهداف نفسها (في لبنان) فنحن وهم نريد أن تجرى الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية وبشكل توافقي وديمقراطي». وبحسب مصادر فرنسية واسعة الاطلاع، كان الغرض من الزيارة الأخيرة لوزراء الخارجية الأوروبيين الثلاثة الى لبنان (فرنسا واسبانيا وإيطاليا) إيصال رسالة الى واشنطن مفادها أن «أكبر ثلاث دول أوروبية متوسطية وأكبر ثلاثة مساهمين في اليونيفيل يريدون رئيسا توافقيا ويريدون إبعاد لبنان عن الانقسامات والتشرذمات» التي قد تنجم عن انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد. وبسبب هذه الاحتمالات يخطط وزير الخارجية برنار كوشنير للعودة مجددا الى لبنان بعد 12 نوفمبر لتفادي الخيار «الأسوأ» في حال عجز مجلس النواب اللبناني عن انتخاب الرئيس العتيد. ويعطي كبار المسؤولين الفرنسيين انطباعا بأنهم «غير متفائلين كثيرا» بنجاح اللبنانيين في تجاوز هذا الاستحقاق بأقل نسبة ممكنة من الخسائر ما يحتم حضورا دبلوماسيا كثيفا في بيروت في الفترة «الحرجة» الممتدة من 14 الى 24 نوفمبر المقبل.