الأمير محمد بن نواف: الشراكة السعودية ـ البريطانية قوة بناءة للسلام

«مؤتمر المملكتين» يركز على العلاقات الإنسانية لبناء مستقبل أفضل للعالم

TT

قبل ساعات من وصول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الى العاصمة البريطانية لندن أمس، انطلقت فعاليات توثيق العلاقات السعودية ـ البريطانية من خلال «مؤتمر المملكتين» الذي يجمع مسؤولين من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة في لقاء سنوي منذ اكثر من ثلاث سنوات. وعند افتتاح المؤتمر، شدد السفير السعودي لدى المملكة المتحدة وايرلندا الأمير محمد بن نواف على ضرورة تقوية العلاقات السعودية ـ البريطانية لتكون «قوة لبناء السلام» في الشرق الاوسط وحول العالم، في وقت عبر فيه وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط كيم هاولز على تقدير بلاده لـ«دفء وانفتاح العلاقات» بين البلدين. وركز كل من الأمير محمد وهاولز على التقاء المصالح الاستراتيجية للبلدين وخاصة في ما يخص احلال السلام في الشرق الاوسط وحل النزاع العربي – الاسرائيلي، بالاضافة الى العمل على استقرار العراق ومنع انتشار الاسلحة النووية ومواجهة الارهاب. وبدأ الأمير محمد بن نواف كلمته بالتشديد على اهمية المؤتمر الذي تزامن مع الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الى بريطانيا، قائلا ان الزيارة «تعطي دفعة لتقوية تعاوننا الثنائي في كافة المجالات وتنمية استشاراتنا المستمرة على اعلى المستويات». وشدد الأمير محمد على اهمية العلاقات بين البلدين، والتي «على الرغم من التنوع في الاصول الثقافية والاثنية والمعتقدات الدينية، هناك عوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية تضع السعودية والمملكة المتحدة في وضع خاص يؤدي الى شراكة قوية يمكنها ان تكون قوة بناءة للسلام والاستقرار والازدهار، ليس فقط للمملكتين بل ايضاً للشرق الاوسط واوروبا والعالم بأجمعه». وبينما اشاد الأمير محمد بن نواف بالتقدم الذي انجزته الرياض ولندن منذ اطلاق «مؤتمر المملكتين» قبل ثلاثة اعوام على الصعيد الاقتصادي والثقافي و«التقدم الجدي في مواجهة الارهاب»، الا انه اعتبر بأن هذا الحوار «لم ينل أي تقدم في جهودنا لاحلال السلام والاستقرار والامن لمنطقة الشرق الأوسط المتفجرة». وصرح الأمير محمد بأن هناك «ثلاث ازمات مترابطة» في الشرق الاوسط تعرقل السلام والتنمية الاقتصادية، موضحاً ان هذه الازمات هي «العراق وخطر انتشار الاسلحة (النووية) والصراع العربي ـ الاسرائيلي المستديم». وخصص الأمير محمد الجزء الاكبر من كلمته على الصراع العربي ـ الاسرائيلي، قائلا ان «جزءا كبيرا من المشاكل التي تواجه العالم اليوم، بما فيها انتشار التطرف والارهاب» يعود لهذا الصراع. وأضاف ان العالم يجد نفسه في «مفترق طرق مهم» لحل هذا النزاع، مشدداً على ان مبادرة السلام التي اطلقها الملك عبد الله تمثل «فرصة نادرة وتاريخية لاعادة احياء عملية السلام اذ تعطي اطاراً عاماً مبنياً على شرعية دولية تساعد جميع الاطراف على التفاوض بشكل ايجابي». واكد ان «جميع الدول العربية الزمت نفسها بتحقيق السلام والامن والاعتراف وتطبيع العلاقات بين كل دول المنطقة بعد انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة منذ عام 1967». وأكد الأمير محمد على ضرورة وضع اجندة واضحة لمؤتمر «انابوليس» المزمع عقده في الولايات المتحدة خلال الاسابيع المقبلة لانعاش عملية السلام. وقال: «رحبت الدول العربية بالنقاط الايجابية التي تضمنتها دعوة الرئيس (الاميركي جورج) بوش لعقد مؤتمر سلام دولي، وخاصة المطالبة بحلول مبنية على التفاوض في قضايا (مصير) القدس والحدود واللاجئين حتى تخلق دولة فلسطينية تعيش بسلام وأمن بجوار اسرائيل». وأضاف: «نجاح هذا المؤتمر يعتمد على معالجة هذه القضايا بوضوح وبطريقة مباشرة ضمن اطار شامل، يتضمن كل القضايا في جدول اعمال محدد وعقلاني». وندد الأمير محمد بالسماح لاسرائيل بـ«تحدي القانون الدولي»، معتبراً ان ذلك «لا يبني الثقة في جدية وعدالة ومصداقية عملية السلام الحالية». وحث الحضور الذي شمل دبلوماسيين ونوابا بريطانيين واعلاميين على العمل بجدية لايجاد حل للنزاع العربي ـ الاسرائيلي، قائلا انه لا يمكن «حل هذه القضايا الصعبة من خلال الحديث عنها فقط ولكنه من الممكن ان تكون لدينا وجهات نظر مشتركة تجاه حلول واقعية من اجل تطوير الآليات المطلوبة واقناع آخرين في المجتمع الدولي لتبنيها». وشدد الأمير محمد على ضرورة تنمية العلاقات الانسانية بين البلدين، معبراً عن دعمه للمؤتمر الذي فتح المجال لمشاركة شباب من البلدين. وقال: «على الشباب ان يكتشفوا القيم المشتركة والطموحات المشتركة بينهم من خلال التعرف على بعضهم البعض»، مضيفاً ان هذه الطموحات المشتركة هي «العيش في عالم سلمي وأمن وعيش حياة منتجة ومجزية». وأضاف: «اطفالنا مثل اطفالكم هم مستقبلنا ونأمل بأن يكون العالم الذي ينمون فيه اكثر انسانية وسلام من العالم الذي نعيش فيه اليوم». وانطلاقاً من ذلك، قال الأمير محمد بأن «تنمية الموارد البشرية والازدهار الاقتصادي هما مفتاح لمستقبل افضل في الشرق الاوسط». وأعتبر انه بامكان الاتحاد الاوروبي والعالم العربي انجاز الكثير من خلال دعم تلك الاهداف. ومن الجهة الاقتصادية، لفت الأمير محمد الى ان التعاون الاقتصادي بين البلدين ذو اهمية خاصة، اذ ما زالت السعودية «اكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة في الشرق الاوسط، اذ ان القيمة التجارية بين بلدينا ارتفعت من 12 مليار ريال عام 2003 الى 18 مليار ريال عام 2005». وأضاف بأن هذا التعاون الاقتصادي مهم لكن هناك مجالا للمزيد من التعاون بين البلدين. واعتبر هاولز ان «مؤتمر المملكتين»، الذي اتى بمبادرة من الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد ودعا ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز الى السعودية قبل 3 سنوات، قد ساهم بشكل كبير لتنمية «التفاهم المتبادل» بين البلدين. وأضاف ان متانة العلاقات السعودية ـ البريطانية «يمكن ان تكون نموذجاً لعلاقات افضل بين اوروبا والعالم الاسلامي». وشدد هاولز على مكانة المملكة العربية السعودية في العالم، قائلا ان «السعودية تقع في قلب الشرق الاوسط» وتؤثر على مجرياته. ولفت هاولز الى ان الاختلافات بين الطرفين من الناحية الاجتماعية والجغرافية لا تمنع وجود «قيم مشتركة» لهما تطورت خلال القرن الماضي نتيجة العلاقات بينهما. وركز هاولز على المصالح المشتركة للبلدين في قضايا عدة، منها «منع انتشار الاسلحة النووية ومواجهة الارهاب والتغيير المناخي». وأضاف ان هناك 3 مجالات محددة للمصالح المتبادلة، أولها «المصلحة الاستراتيجية لمواجهة النزاعات واحلال السلام في المنطقة». واعتبر ان مبادرة الملك عبد الله للسلام في قمة بيروت عام 2002 «مساهمة ضرورية» لاحلال السلام. واضاف الى ذلك اهمية «استقرار العراق الذي تدعمه السعودية»، ومنع انتشار الاسلحة النووية وحث ايران على احترام القرارات الدولية بهذا الشأن. ولفت هاولز الى ان ثاني مصلحة استراتيجية للبلدين تقع في مواجهة الارهاب، قائلا ان كلا البلدين واجها آفة الارهاب وتضررا منه. وأضاف ان مشكلة الارهاب «مشكلة داخلية للبلدين ونعمل على مواجهتها معاً». وربط هاولز بين التحديات الداخلية مثل البطالة والحاجة الى اعطاء الشباب فرصا افضل ومواجهة الارهاب، مشيداً بالاصلاحات التي اشرف عليها الملك عبد الله في السعودية بهذا الصدد. واعتبر هاولز ان المصلحة الاستراتيجية الثالثة للبلدين تأتي في اطار مواجهة «الاحتباس الحراري» والتغيير المناخي الذي يهدد الطرفين.

وتركزت أعمال «مؤتمر المملكتين» على العلاقات المستقبلية بين الشعبين السعودي والبريطاني التي تجسدت في «منتدى الشباب» الذي عقد يومي السبت والاحد الماضيين والذي قدم تقريراً عن هذا اللقاء الى مؤتمر أمس. ويذكر ان المؤتمر عادة ما يعقد على مستوى وزاري الا ان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند اعتذر عن عدم المشاركة في مؤتمر أمس بسبب انشغاله بتبني ولد في الولايات المتحدة، وكذلك لم يحضر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل المؤتمر. وبعد القاء الأمير محمد بن نواف وهاولز الكلمتين الافتتاحيتين للمؤتمر، حضر المشتركون ورش عمل مغلقة تركزت على التحديات التي تواجه الشباب بالاضافة الى التعليم العالي والتقني للبلدين وحوار الحضارات والاعلام.