الثقافة بين مملكتين

السفارة السعودية في لندن فاعلة في النشاطات الثقافية والتراثية والاجتماعية

السفير السابق الأمير تركي الفيصل والأمير تشارلز يزرعان نخلة سعودية في «كيو غارندز» كرمز للسلام (تصوير: حاتم عويضة)
TT

السفارة السعودية في لندن ليست للدبلوماسية فقط، فقد خرجت، منذ فترة طويلة من الأروقة المغلقة إلى الأروقة المفتوحة على جمهور عريض، عربي وبريطاني، من خلال المعارض المشتركة والفردية، والأمسيات الشعرية، والمؤتمرات والندوات والمهرجانات الثقافية العامة، وأصبحت بذلك، من السفارات العربية القليلة، التي اعتمدت الفعل الثقافي كعامل مواز للفعل الدبلوماسي، إن لم يفقه تأثيراً في حاضرة مثل العاصمة البريطانية، التي أطلق عليها البعض، وهم محقون إلى حد كبير، لقب «عاصمة الثقافة العربية».

ولعل مؤتمر «مملكتان» و«أيام سعودية» و«السعودية بين الأمس واليوم» من أهم النشاطات الثقافية والاجتماعية، التي نظمت كليا او بالاشتراك مع السفارة السعودية في لندن، بحضور شخصيات سياسية واجتماعية وثقافية من البلدين، من أجل «تنقية الأجواء والصراحة في ما يتعلق بفهم كل منا للآخر»، ومن أجل «تصحيح المفاهيم والانطباعات والمدارك الخاطئة»، كما قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، في مؤتمر «مملكتان.. التحديات المستقبلية»، الذي نظم في لندن عام 2005، بحضور وزير الخارجية البريطاني آنذاك جاك سترو.

لا شيء غير التفاعل الثقافي قادر على تحقيق مثل هذه الأهداف النبيلة. ومن هذا المنطلق أيضاً، جاء تقليد «أيام سعودية»، الذي بدأ عام 2004، ليستمر لحد الآن. والهدف الأساسي من هذا المهرجان هو التواصل بين الثقافات والحضارات، وكذلك نقل المنتج الثقافي السعودي من كافة المناطق في السعودية، وتقديم صورة حقيقية، عن الإسلام والمسلمين والعرب. إنه مهرجان شامل تعرض فيه جوانب مختلفة من التراث والتقاليد السعودية، مثل الرقصات والفنون والأزياء، والأعمال اليدوية الشعبية المختلفة. ويتضمن كذلك نشاطات ثقافية تعرف بالجوانب التنموية والثقافية في المملكة. والجميل في مثل هذه الأيام، هو جمهورها الواسع المتنوع، وخاصة تلاميذ المدارس، ومشاركة باحثين وأكاديميين في المحاضرات وإدارتها أيضاً، على امتداد أيام المهرجان، وهي عادة تتناول قضايا يحيطها سوء فهم من قبل الطرف الآخر، مثل قضايا المرأة وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى القضايا الكبرى المتعلقة بعصرنا وواقعنا عموماً، مثل صراع الحضارات، والإرهاب، والعولمة.

ومن الفعاليات الثقافية السعودية ـ البريطانية المشتركة المهمة، التي عرفتها العاصمة البريطانية في السنوات الأخيرة، حوار اللوحة بين الأميرين تشارلز وخالد الفيصل، الذي عكس اهتماماتهما الشخصية بالتراث والفلكلور والطبيعة، وضرورة التبادل الثقافي بين البلدين، وأهمية إثرائه. فرغم «إن للبلدين خصوصيتهما إلا انهما يشتركان في أمور جميلة، خصوصاً في المجال الفني والثقافي، وهذا إثراء لهذه العلاقة وهذه الشراكة»، كما قال الأمير تشارلز.

وكان هذا المعرض المشترك قد أقيم أيضاً في العاصمة السعودية، وحضره الأمير تشارلز. وقد كتبت جريدة «التايمز» وقتها عن المعرض، وذكرت أن العائد من بيع كتالوغ المعرض، وبعض مستنسخاته المرقمة، وذات العدد المحدد، خصص للمؤسسة الفنية، التي أقامها الأمير تشارلز في شرق لندن.

وكان للسفارة السعودية حضورها الثقافي أيضاً في المعارض التي أقامتها بلدان أخرى في العاصمة البريطانية، والخاصة بالتراث العربي والإسلامي، ومنها معرض «الحرف والفنون الإسلامية»، الذي نظمته السفارة الروسية في المتحف الملكي الاسكوتلندي في أدنبره السنة الماضية، بحضور الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة وايرلندا، والسفير الروسي لدى المملكة المتحدة يوري فيدوتوف.

وتضمن المعرض عرضا لعدد من التحف والفنون الإسلامية، بالإضافة لعرض 200 قطعة من التحف الإسلامية جلبت خصيصاً من متحف الأرميتاج في سانت بطرسبيرغ لعرضها على الجمهور لأول مرة.

وهذه المجموعة المتنوعة من القطع والفنون الإسلامية تظهر مدى تأثر الفن الإسلامي بثقافات الشعوب الأخرى، وكذلك تأثير الفن الإسلامي في الثقافات المختلفة، وحجم التبادل الثقافي بين الثقافات المختلفة. الأدب السعودي مر بلندن أيضاً. فقد شغل الشاعر والروائي الدكتور غازي القصيبي منصب سفير المملكة العربية السعودية في العاصمة البريطانية لمدة إحدى عشرة سنة، كتب خلالها الكثير من رواياته ودواوينه الشعرية، ومنها «قراءة في وجه لندن». وظلت علاقة القصيبي بلندن علاقة ملتبسة يعبر عنها بالشكل التالي: «عرفت لندن التي عرفتها طالباً وزائرا وسائحاً ومقيماً حتى ليخيّل إليّ أحياناً أنها بدورها عرفتني، إلا أن لندن لا تعرفُ أحداً ،لا تحبُّ أحداً ولا تكرهُ أحداً . لا تهشُّ للقاءِ أحد، ولا تجزعُ لفراق أحد ... من ألفِ وجهٍ ووجهٍ يتكون وجهُ لندن الذي يستطيع كل إنسانٍ أن يتعرف عليه بسهولة، ولكن أحداً لا يستطيع أن يقرأ ما وراء الملامح المــألوفة».

وبعد ذلك كتب القصيبي «باي باي لندن»، وهو مجموعة مقالات. ومن الكتاب السعوديين أيضاً، الذين عرفوا لندن وعرفتهم، أو لم تعرفهم على حد قول القصيبي، القاص عبد الله محمد الناصر، الملحق الثقافي في السفارة السعودية بلندن، الذي أصدر من لندن مجموعتين قصصيتين: «أشباح السراب» و«حصار الثلج». وهو يرأس تحرير مجلة «الثقافية»، التي تغطي الأنشطة الثقافية السعودية والعربية، وتعرّف القارئ العربي بجوانب من الحياة الثقافية في بريطانيا.