ولي عهد إسبانيا والأمير مولاي رشيد يدشنان بمراكش مقرا جديدا لمعهد «سرفانتس»

مدريد تختار مناسبة ثقافية للتعبيرعن رغبتها وحرصها على تمتين علاقاتها مع الرباط

TT

اختارت إسبانيا مناسبة ثقافية وظرفا سياسيا خاصا للتعبيرعن رغبتها وحرصها على تمتين علاقاتها المتعددة الأوجه مع جارها الجنوبي، حيث ستقام اليوم تظاهرة ثقافية كبرى في مدينة مراكش، يقوم خلالها ولي عهد إسبانيا، الأمير فليبي دي بوربون، رفقة عقيلته الأميرة ليتيثيا، بتدشين المقر الجديد لمعهد «سرفانتس» الذي سيضاف إلى سلسلة المعاهد التي توجد وتنشط منذ سنوات في عدة مدن مغربية أهمها: الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس وتطوان، كما أحدثت أخيرا نواة للمعهد بمدينة أكادير، ما يجعل المغرب البلد الأول في أفريقيا من حيث عدد المعاهد الثقافية الإسبانية (سرفانتس) التي تتمتع باستقلال نسبي عن السياسة الحكومية، لكنها تحظى بدعم رسمي مادي ومعنوي، كيفما كان لون الحكومة القائمة في مدريد. ولا تضاهي المغرب في الاهتمام الذي توليه مدريد لنشر ثقافتها ولغتها في الخارج إلا دولة البرازيل التي تستضيف عددا مماثلا من معاهد سرفانتس، مع الإشارة إلى أن 16 ألف طالب مغربي تلقوا خلال العام الماضي دروسا في اللغة والثقافة الإسبانية في معهد واحد بالمغرب.

ومما يضفي على الحفل أجواء خاصة واهتماما وترحيبا من المغرب هو حضور الأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يجيد الحديث مثل سائر أشقائه وشقيقاته باللغة الإسبانية. يذكر أن المؤسسة الثقافية الإسبانية تقع في حي جيليز، قلب الحركة والرواج في مدينة مراكش، في مبنى مساحته 800 متر مربع موزعة على خمسة طوابق. ويحتوي المعهد على 8 قاعات لتلقين الإسبانية وقاعة متعددة الوسائط ومكتبة ومرافق أخرى. وبلغ عدد المسجلين في الدروس برسم العام الجاري 510 طلاب. وفي هذا السياق سيحضر، إلى جانب الأمير فليبي وعقيلته، فضلا عن شخصيات ثقافية إسبانية مرموقة، رئيس الدبلوماسية الإسبانية ميغل أنخيل موراتينوس، الذي سينتهز فرصة وجوده بالمغرب للاجتماع لأول مرة بنظيره الطيب الفاسي الفهري، منذ تعيينه في منصبه الجديد، منتصف الشهر الجاري، ضمن الفريق الحكومي الذي يقوده عباس الفاسي، أمين عام حزب الاستقلال.

وطبقا لما أوردته مصادر إسبانية متطابقة فإن موراتينوس والفاسي الفهري سيستعرضان مستجدات العلاقة الثنائية القائمة بين بلديهما، وسيركزان مشاوراتهما بالأساس على قضايا الصحراء والإرهاب والهجرة السرية، وكذا المشروع المستقبلي الضخم للربط القار بين البلدين عبر مضيق جبل طارق، الذي تم إحياؤه في السنوات الأخيرة. وهي ذات القضايا التي تشكل في الغالب أجندة الزيارات المتبادلة بين الجانبين ومواضيع مباحثاتهم إن في الرباط أو مدريد.

وتأتي زيارة موراتينوس للمغرب في أعقاب زيارة الدولة التي قام بها إلى المغرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي بسط في مدينة طنجة مشروعه السياسي لاتحاد دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو المشروع الذي اكتفت الرباط بالترحيب به من دون أن تبدي حماسا مطلقا بالنظر إلى أن الفكرة لم تتبلور بالوضوح الشامل حتى في ذهن الرئيس الفرنسي، صاحب المبادرة، فضلا عن بروز علامات تحفظ أعربت عنها بشكل من الأشكال لباريس بعض دول الاتحاد الأوروبي، قد تكون إسبانيا من بينها، على اعتبار أن لها هي الأخرى تصوراتها الخاصة للسياسة التي يجب أن تنتهجها دول أوروبا مجتمعة أو منفردة، حيال دول الضفة الجنوبية لحوض المتوسط في إطار تكتل أو ضمن مجموعات تتقاسم أهدافا مشتركة. ومن الطبيعي أن لا تقبل مدريد بسهولة أن يتم طي صفحة مشروع التعاون بين الضفتين الذي يحمل اسم مسار برشلونة، عاصمة إقليم كاتالونيا، إحدى المناطق الناهضة اقتصاديا وصناعيا في إسبانيا.

وكانت مدريد، عقب وصول الاشتراكيين إلى الحكم في مارس (آذار) 2004، قد حاولت القيام بدور سياسي محوري في المغرب العربي، باعتباره عمقا استراتيجيا لها، وفضاء اقتصاديا واعدا لتصريف منتجاتها. وهكذا وضعت كامل ثقلها الدبلوماسي لجهة البحث عن حل لنزاع الصحراء، عبر زيارات مكوكية بين الرباط والجزائر، باعتبارهما الماسكين بمفتاح المشكلة التي لا يمكن لإسبانيا أن تمضي قدما في نهج علاقات ناجعة ومفيدة لها مع دول الاتحاد المغاربي، ما دام نزاع الصحراء قائما يباعد بين ضلعي الاتحاد الرئيسيين: المغرب والجزائر.

وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة في المغرب لم تشكل مفاجأة سياسية لمدريد، كون الماسكين بالملفات الأمنية والدبلوماسية لم يتغيروا إلا جزئيا، فإن موراتينوس قد يتلمس ملامح توجهات رئيس الحكومة الجديد، عباس الفاسي، خاصة أن حزب الاستقلال الذي يتزعمه هذا الأخير يرتبط بعلاقات مع الحزب الشعبي المعارض، غريم الحزب الاشتراكي العمالي.