واشنطن ترفع المقاطعة عن جنوب السودان ودارفور و«النوبة» باستثناء النفط

خبير سوداني: البشير وسلفاكير يمكن أن يكونا مثل مانديلا ودي كليرك في جنوب أفريقيا

أطفال سودانيون يتظاهرون خارج السفارة الفرنسية في الخرطوم ضد اختطاف 103 معظمهم سودانيون من معسكر للاجئي دارفور في تشاد بواسطة منظمة فرنسية الاسبوع الماضي (رويترز)
TT

اصدرت وزارة الخزانة الاميركية بيانا أعفت فيه جنوب ومناطق اخرى في السودان، من قوانين المقاطعة التي كانت أعلنتها خلال السنوات العشر الماضية.

وقال بيان مكتب ادارة الممتلكات الاجنبية التابع للوزارة مساء اول من امس ان الامر الجمهوري الذي اصدره، الرئيس بوش في السنة الماضية، حسب قانون محاسبة وسلام دارفور، يشير الى «دعم الحكومة الاقليمية في جنوب السودان». واعتمدت الوزارة على هذه النقطة لاعلان التعديلات.

لكن التعديلات لم تشمل قرارات المقاطعة الخاصة بالنفط والصناعات النفطية، حتى في جنوب السودان. واستثنت وزارة الخزانة «كل تجارة ونشاطات ذات صلة ومساعدات انسانية في مناطق محددة في السودان، بما فيها جنوب السودان، وجنوب كردفان، وجبال النوبة، والنيل الازرق، وأبيي، ودارفور، ومعسكرات للاجئين قرب الخرطوم (مايو، والسلام، وود البشير، وسوبا). وسمت الوزارة هذه المعسكرات «مناطق مهمشة داخل الخرطوم وحولها».

وقالت الوزارة انها تدرس اعادة تفسير وصف «حكومة السودان» لتحذف منه «حكومة جنوب السودان»، مما يسهل عليها لاحقا التمييز بينها وبين المناطق الأخرى غير المعنية، وانها اضافت وصف «مناطق معينة في السودان» لتشمل المناطق السابقة الذكر خارج جنوب السودان. واشترطت الوزارة ألا تكون لهذه التجارة والمساعدات الانسانية اي صلة بحكومة الخرطوم. واذا كان لا بد من اوراق او اذونات من حكومة الخرطوم، فلابد من الحصول على إذن من وزارة الخزانة الأميركية. كما لا يحق استعمال طرق ووسائل مواصلات شمال السودان إلا بإذن مسبق خاص من الوزارة. واستثنت الوزارة كل المعاملات المالية، والتي لها صلة ببضائع وخدمات وتكنولوجيا، بشرط ألا تنقل عن طريق المناطق التي لا تزال تشملها المقاطعة، مما يعني ان هذه النشاطات لابد ان تكون عن طريق اثيوبيا وكينيا وأوغندا، مما يزيد التصاق جنوب السودان والمناطق المهمشة بوسط افريقيا وشرقها.

وكان باقان أموم، الامين العام للحركة الشعبية، قد زار واشنطن الشهر الماضي، واجتمع مع مسؤولين اميركيين، وقال انهم وعدوه باستثناء جنوب السودان من المقاطعة. غير ان مسؤولين اميركيين رفضوا تأكيد الخبر في ذلك الوقت.

وكان أول قرار اميركي شامل لمقاطعة حكومة «الانقاذ» في السودان قد صدر، حسب الامر الجمهوري رقم 13067 قبل عشر سنوات تماما. في ذلك الوقت قال بوش ان الحكومة الاميركية «تعلن حالة طوارئ وطنية بسبب سياسات ونشاطات حكومة السودان». وفي السنة الماضية، اصدر الرئيس جورج بوش قانون سلام ومحاسبة دارفور الذي اشار الى اهمية تنفيذ اتفاقية السلام في الجنوب. واعتمدت وزارة الخزانة، اول من امس، على هذه الفقرة لإعلان التعديلات.

الى ذلك، اقترح خبير سوداني في واشنطن، على ضوء التطورات الاخيرة في العلاقة بين جنوب السودان والحكومة المركزية، وانسحاب الوزراء الجنوبيين من حكومة الوحدة الوطنية، استعجال اجراء الانتخابات في الجنوب والشمال، واطالة الفترة الانتقالية لتصير 15 سنة، وتنتهي سنة 2020. وقال ان خطأ اساسياً في اتفاقية السلام كان منح الجنوبيين حق تقرير المصير، ووصفه بأنه «عيب اساسي، وخلل خطير طغى على كل ايجابيات» الاتفاقية.

وقال د. أمين حامد زين العابدين، رئيس سابق لقسم التاريخ في جامعة الخرطوم «من المؤمل ان تكون نتيجة الانتخابات في الجنوب لصالح القوى السياسية الجنوبية المؤيدة للوحدة بزعامة الحركة الشعبية. وان تنجح في السيطرة على الجهاز التنفيذي والمجلس التشريعي لجنوب السودان، مما يتيح امامها الفرصة لتنزيل مشروع السودان الجديد الوحدوي الى ارض الواقع».

وقال ان هؤلاء الجنوبيين يقدرون على تحقيق ذلك «بعد نجاح تعاونهم مع المؤتمر الوطني في تنفيذ الاتفاقية وتحقيق التنمية الشاملة في الجنوب». ودعا زين العابدين الرئيس عمر البشير ونائبه سلفاكير، رئيس حكومة الجنوب، الى اتباع «مثال دي كليرك ونيلسون مانديلا اللذين جعلا جنوب افريقيا ساحة لأهم تحول سياسي يشهده القرن العشرون. عندما تحدى الشعب منطق الماضي، وحطم كل قواعد النظرية الاجتماعية، وخلق روح وحدة وطنية قوية من امة ممزقة».

وحذر زين العابدين البشير وسلفاكير بأن «تقسيم السودان، وتمزيق وحدة اراضيه هما بمثابة الجريمة والانتحار للجسد السياسي للبلاد، والذي لن تغفره أجيال المستقبل لمن تسبب في حدوثه». وقال ان خطوات حدثت ستسهل تعاونهما. واشار الى ان «حل قضية الدين والدولة في بروتوكول ماشاكوس ازاح اكبر عقبة تقف امام استمرار وحدة السودان».

وقال زين العابدين، رغم تدهور الوضع في السودان، سواء في الخرطوم او الجنوب او دارفور، يقدر البشير وسلفاكير على الوصول الى حلول للمشاكل مع المحافظة على وحدة السودان. وان على كل واحد واجبات معينة. في جانب، على البشير ان يفعل الآتي: اولا: «يواصل ترسيخ التحول الديمقراطي، والاصلاحات الليبرالية التي حققتها اتفاقية السلام، والحرص على تمتع القوى السياسية بحرية التنظيم والتعبير والمشاركة السياسية». ثانيا: «يدرك خطورة العناصر المتشددة في حزب المؤتمر الوطني الذين نظموا انفسهم في منبر يدعو الى مناهضة الاتفاقية وفصل شمال السودان عن جنوبه بدعوى الحفاظ على نقاء الهوية العربية الاسلامية السائدة في الشمال».

وحذر زين العابدين من هؤلاء، وقال ان «تعصب هذه المجموعة، واستخدامها السلبي للدين يجعل اعضاءها يعتقدون أن آراءهم هي الحقيقة المطلقة». وان ذلك «سيؤدي الى تحويل اعضائها الى مخربين». وشبه هؤلاء بعناصر متطرفة في الهوتو (القبيلة الاغلبية في رواندا) الذين عارضوا، قبل اكثر من عشر سنوات، اتفاقية سلام وقعت مع ممثلي التوتسي (القبيلة الاقلية). وقالوا ان الاتفاقية اعطت الاقلية اكثر مما تستحق، ولهذا ظلمت الاغلبية. وقادوا عمليات قتل وابادة للتوتسي، راح ضحيتها ربع مليون شخص. وكان من نتائجها فقد الهوتو الحكم، وتشردهم داخل رواندا وخارجها. واشاد زين العابدين بآراء جون قرنق، قائد الحركة الشعبية ونائب البشير السابق. وقال: «رغم منهج الحركة التفاوضي، والتشدد في مطالبها يقود المرء الى استخلاص نتيجة، مفادها ان الانفصال هو غايتها القصوى، إلا اننا نتفق مع الرأي الذي يرى ان زعيمها الراحل قرنق رجل وهَبَ نفسه لوحدة السودان، وهو وحدوي من رأسه الى قدميه».

وقال زين العابدين: «لا شك ان ايمان سلفاكير بضرورة الوحدة سيقوده الى الاعتقاد بأن روح العصر وحركة التاريخ يتجهان نحو خلق الكيانات الانسانية الكبرى، وليس التقوقع في دويلات عرقية تتميز بعقلية القبيلة التي يدفعها وهم الاعتقاد بأنها الشعب المختار الى عدم التسامح، والكبرياء، واقصاء الآخر». وكرر زين العابدين اعتقاده بحرص سلفاكير على «صيانة وحدة السودان، وميله لاسلوب العمل الجماعي الذي ساعده في الحصول على إجماع قيادة الحركة الشعبية لزعامتها بعد وفاة قرنق». وقال ان «قدرات سلفاكير الزعامتية» ستجعله قادرا على «مقاومة ضغوط العناصر الانفصالية، واقناع القواعد الجماهيرية للحركة الشعبية بمخاطر الانفصال، وايجابيات بقاء جنوب السودان في اطار السودان الموحد».