تركيا من أتاتورك الى أردوغان (الحلقة الثانية عشرة) ـ الخوف من تركيا.. عندما تغضب

اذا قبلت أنقرة تعبير «كردستان العراق».. فعليها أن تقبل «كردستان تركيا» * بالنسبة للأتراك «إيران قوية» يعني جارا جيدا .. «ايران قوية جدا» يعني مشكلة * 3 سنوات لتشكيل دولة للأكراد في العراق.. إيران ستعترف بها.. تركيا ستغلق الحدود معها

عناصر من القوات الخاصة التركية في تدريب على الحدود العراقية («الشرق الأوسط»)
TT

ثلاث حقائق ترددها تركيا بانتظام خلال الأسابيع الماضية. أولا ان تركيا دولة في حالة غضب، وتريد من جوارها الاقليمي ان ينظر الى هذا الغضب بتحسب وحذر. فهي دولة قوية اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا ولن تتسامح أبدا إزاء دولة كردية مستقلة في شمال العراق، فهذا سيكون في حالة حدوثه أخطر تهديد لها منذ حرب الاستقلال في العشرينيات من القرن الماضي. وبالتالي تريد تركيا تقاربا أكثر مع الدول المعتدلة في المنطقة، فهي ترى ان كل دول الشرق الأوسط، بما في ذلك هي، في وضع دفاع، فيما إيران وأميركا فقط في وضع هجوم. ثانيا، لم تكن العلاقات الاميركية ـ التركية بأسوأ مما هي عليه اليوم. فأنقرة لم تعد تثق بخطط اميركا او نواياها. وترى ان السياسات الاميركية في المنطقة، خصوصا غزو العراق عام 2003 ، ترتبت عليه آثار خطيرة على أمن تركيا، فيما صانعو القرار في واشنطن لا يدركون حقيقة حجم التوجس داخل تركيا من سياساتهم خاصة في شمال العراق. وهذا يعني ان تركيا قد تتحرك مستقبلا لحماية مصالحها، بالتوافق، او بعدم التوافق، مع اميركا. ثالثا، تركيا مع اهتمامها الكبير بالانضمام للاتحاد الاوروبي باتت بسبب التطورات الأخيرة في المنطقة تدرك بشكل أعمق أن منطقة الشرق الأوسط هي نقطة ضعفها وقوتها. وبالتالي فإن تركيا التي لم تلعب منذ غزو اميركا للعراق عام 2003 دورا كبيرا على الساحة الاقليمية والعراقية (باختيارها او بضغط من قوى دولية واقليمية وقوى كردية داخل العراق) جاهزة اليوم للتدخل في كل تفاصيل القضايا الحساسة بالمنطقة لحماية مصالحها. وهي ترى ان الأمور قد تتطور بشكل يجعلها، أكثر من اي دولة أخري في الشرق الأوسط، تدفع ثمنا باهظا من استقرارها وأمنها. تركيا في الوقت نفسه لا تريد تقسيم دول المنطقة الى صفين، والوقوف مع صف ضد الآخر، بل ترى وهي الدولة التي تسمي الخليج «خليج البصرة»، وليس «الخليج العربي» او «الخليج الفارسي»، ان الوضع الاستراتيجي واحتمالات ظهور دولة كردية في شمال العراق تفرض على كل دول المنطقة التعاون معا. مراكز الابحاث التركية والخبراء الاستراتيجيون وأقسام السياسة في الجامعات التركية المختلفة ومؤسسات الدولة التركية مشغولون اليوم بجمع المعلومات وتحليلها ومحاولة التنبؤ بما يمكن ان يحدث خلال الاعوام الثلاثة او الخمسة المقبلة، وهي سنوات ستكون حاسمة بالنسبة لتحديد شكل المنطقة. ويتخوف الأتراك اليوم أكثر من أي شيء آخر من احتمال دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق، ومن هنا عدم التسامح إزاء العمليات الأخيرة لحزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي. وقال سيرهات اركمين الباحث في معهد «اسام» التركي للأبحاث الاستراتيجية لـ«الشرق الأوسط»: «على الارجح الاميركيون لديهم نية للسماح بدولة مستقلة للأكراد في شمال العراق. اعتقد ان الاميركيين لم يتخذوا هذا القرار في عام 2003 ولم تكن لديهم مثل هذه الافكار عندما احتلوا العراق، لكن التطورات في العراق، خاصة بعد فشل واشنطن في تشكيل حكومة ديمقراطية ووقف العنف دفع الاميركيين للبحث عن مكان آخر في العراق يمكن ان يكون قاعدتهم الآمنة. فعندما يقرر الاميركيون سحب قواتهم من العراق يوما ما سيتطلعون الى مكان آمن آخر لقواتهم التي يريدون ان تبقى في المنطقة. القوات الاميركية هذه لن تتمركز في مناطق الشيعة او مناطق السنة، بل ستتمركز بحسب ما تفضل واشنطن في شمال العراق». وتابع سيرهات اركمين الذي يحمل درجة الدكتوراه في اطروحة بعنوان «السياسة الخارجية الاميركية نحو شمال العراق بعد حرب الخليج الثانية.. 1991 وحتى 2003» لـ«الشرق الأوسط»: «في تركيا نحن لا نستخدم تعبير كردستان العراق، فجغرافية المنطقة معقدة. اذا قبلنا نحن في تركيا تعبير كردستان العراق، فعلينا ان نقبل كردستان تركيا، لذلك نفضل ونستخدم تعبير شمال العراق northern Iraq فيما هناك اتراك اخرون يستخدمون تعبير الجزء الشمالي من العراق او North Of Iraq، لكن المصطلح الاكثر استخداما في تركيا هو شمال العراق، خصوصا بعد عام 1991». وإذا كانت واشنطن لم تخطط منذ البداية لتفكيك العراق، فإن التطورات خلال الأعوام الماضية دفعتها الى النظر في الموضوع كشيء محتمل وربما مرغوب. يبقى السؤال الذي يتردد في تركيا وإيران وسورية والعراق: هل لدى الاميركيين الان خطة محددة بالتفاصيل لتأسيس دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق ام لا؟

يقول اركمين في هذا الصدد «في الشهرين الاخيرين نشرت في تركيا بعض التقارير حول السياسة الخارجية التركية حيال شمال العراق، وما الذي ينبغي على تركيا ان تفعله. معظم هذه التقارير ايدت في الواقع فكرة ان اميركا تخطط الان لدولة مستقلة في شمال العراق. فكيف تتعامل تركيا مع هذه الوقائع؟ لا بد من الحوار مع دول الجوار خصوصا ايران وسورية والسعودية والاردن. فدول الجوار بامكانها ان تؤثر كثيرا على مجريات الامور في العراق، وليس الولايات المتحدة فقط، وذلك بتقديمها حلولا وسطى. على سبيل المثال اذا هدأت التوترات بين الشيعة والسنة يمكننا ان نمنع تقسيم العراق. أعتقد أن امامنا 3 سنوات قبل ان تتطور الامور لدرجة انفصال شمال العراق بدولة مستقلة للأكراد. وبالتالي أمامنا، خلال السنوات الثلاث المقبلة، أشياء يمكن ان نفعلها لانقاذ الموقف. يمكننا ان نخطو خطوات دبلوماسية، ويمكننا اتخاذ خطوات عسكرية ايضا». الطريقة الاحادية الجانب التي تصرفت بها تركيا خلال الأسابيع الماضية تعكس شكا تركيا في نوايا واشنطن، وعدم ثقتها باوروبا ايضا. وبسبب هذا اتجهت أنقرة الى دول المنطقة التي تفهم تأثير التحولات على أمن ومكانة ومصلحة كل بلد. وبين السياسيين الاتراك هناك الان حديث عن «عقيدة أمنية جديدة لتركيا» تتناسب مع التطورات التي حدثت خلال الخمس سنوات الماضية. وفي هذا الصدد قال مسؤول بالخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط»: «اميركا ليس لديها اي نية للتحرك لحل مشكلة الأكراد. دول المنطقة المعنية بالأزمة يمكنها التحرك أسرع، وهذه الدول هي تركيا والسعودية ومصر وايران وسورية والاردن. لكن هناك اختلافات في وجهات النظر بين الطرفين، وعندما أقول الطرفين اقصد ايران وسورية من جهة، والسعودية ومصر والاردن من جهة اخرى. اذا ارادت تركيا ان تساعد في حل المشاكل في المنطقة، خاصة الوضع في شمال العراق، فإن الامر يحتاج الى اتفاق جديد مع الدول العربية. فخلال الحرب الباردة كان لتركيا حلفاء استراتيجيون في الغرب ضد النفوذ السوفياتي لان الاتراك اعتقدوا ان اخطر التهديدات لأمنهم القومي تأتي من روسيا، ولهذا اتجه الاتراك منذ السنوات الاولى للحرب الباردة لتعزير علاقاتهم مع اميركا ومع الاتحاد الاوروبي لاحقا بهدف الانضمام اليه. لكن بعد انتهاء الحرب الباردة لم يعد تهديد الامن القومي التركي يأتي من روسيا على حدودها الغربية والشمالية، بل من حدودها الشرقية والجنوبية، اي من ايران والعراق، وهذا يحتم على الاتراك التفكير في عقيدة امنية جديدة لأمنهم القومي». وتابع لـ«الشرق الأوسط»: «ايران يمكن ان تشكل تهديدا بسبب برنامجها النووي. نعلم في تركيا أننا لسنا الهدف الرئيسي للبرنامج النووي الإيراني، لكن لقرون كان هناك توازن استراتيجي بين إيران وتركيا، قبل حدوث هذا التوازن الاستراتيجي بين البلدين، كانا دائما متواجهين في حروب طويلة، بالرغم من أن كل منهما كان يحكمه الاتراك الصفويون. لكن البلدين والشعبين كونا بحكم الدروس التاريخية اعتقادا مفاده أنه في حالة اي مواجهة بين ايران وتركيا، فإن ايا منهما لن يخرج فائزا، وبالتالي لا بد من تعاون وعلاقات جيدة بين الطرفين، خاصة بعد الثورة الإيرانية. اليوم الكثير جدا من الاتراك معجبون بأحمدي نجاد لسبب بسيط، وهو انه منتقد لاذع لبوش.. من ثمار التعاون بين الايرانيين والاتراك ان الايرانيين الذين كانوا يوما يدعمون حزب العمال الكردستاني ضد أنقرة، يتعاونون مع تركيا ضده اليوم». ويعتقد سيرهات اركمين الباحث في معهد «اسام» التركي بدوره ان هناك تعاونا ايرانيا ـ تركيا فيما يتعلق بالتصعيد الأخير مع حزب العمال الكردستاني. وأوضح اركمين لـ«الشرق الاوسط»: «لدينا اليوم تعاون استخباراتي مع طهران. لكن في التسعينيات كان الامر مختلفا، لان طهران كانت تساند حزب العمال الكردستاني ضد تركيا. الان لدينا مع طهران تعاون مشترك، لكن في المستقبل اذا اصبحت ايران أقوى دولة في المنطقة، فإن مسار العلاقات بين إيران وتركيا سيتغير بسهولة. فوجود جار اقليمي قوي جدا يساوي مشكلة. بالنسبة للأتراك ايران قوية تعني جارا جيدا. ايران قوية جدا تعني مشكلة. فيما يتعلق باحتمال تأسيس دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق، ما تتوقعه او تحتمله ايران مختلف عما تتوقعه او تحتمله تركيا. ايران يمكنها ان تتعامل وتحتمل دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق. تركيا لا يمكنها. بطريقة أخرى: اي دولة كردية في شمال العراق ستؤذي تركيا كثيرا، بينما ايران لديها خيارات اخرى عديدة تؤهلها اكثر من تركيا للتعامل مع واقع الدولة الكردية». وتابع اركمين موضحا اسباب احتمال إيران لدولة كردية مستقلة أكثر من تركيا «اولا.. ايديولوجية الدولة الايرانية قائمة على الدين وليس على القومية او العرق، وبالرغم من ان تركيا دولة علمانية، الا انها دولة قومية قائمة على عرق اساسي (الترك)، وبالتالي تحكم ايران في الاكراد الايرانيين اكبر من تحكم تركيا في اكرادها. ثانيا من الناحية التاريخية، ايران كانت دائما لها علاقات مع اكراد شمال العراق أكثر من تركيا، ومنذ 2004 بات لها نفوذ متزايد في شمال العراق، والحركة الاسلامية في كردستان العراق تدعمها ايران. فإذا ارادت ايران التدخل في شمال العراق، يمكنها ذلك بطرق عديدة أكثر من تركيا. فكلما تحدثت تقارير عن عملية تركية ضد قواعد الكردستاني في شمال العراق، تظهر معارضة اميركا واوروبا وروسيا والصين وقوى اخرى. لكن ايران عندما تتدخل في شمال العراق لا احد يقول شيئا. ايران قصفت معاقل حزب بيجاك، أكراد إيران في شمال العراق، ولم يقل احد شيئا. ثالثا، تستطيع طهران التحكم في حركة الاكراد الايرانيين المعارضين للنظام الايراني. لكن أهم عامل يلعب في صالح ايران هو شيعة العراق. لديهم العنصر الشيعي، مثل جماعة مقتدى الصدر، التي يمكن ان يعتمد عليها الايرانيون أكثر من اعتمادهم على جماعة الحكيم أو حزب الدعوة». وبسبب تجاهل اميركا، او عدم ادراكها لتعقيدات الوضع في المنطقة وتأثيرات قيام دولة كردية مستقلة على أمن تركيا، يمكن ملاحظة سخط وانتقاد حاد لواشنطن في الصحف التركية وبين الكتاب الكبار. والعلاقة بين الاميركيين والأتراك في منحنى مختنق بسبب هذه القضية، وكذلك العلاقات مع إيران وحريات الرأي داخل تركيا. فمساعد وزيرة الخارجية الاميركية نيكولاس بيرنز بعث قبل أسابيع الى الاتراك برسالة تتضمن 7 نقاط تقلق واشنطن يجب على الاتراك التعامل معها، على رأسها التعاون في مجال الطاقة بين الاتراك والإيرانيين، وفتح الحدود مع ارمينيا، وإزالة المادة 301 من الدستور التركي، وهذه المادة خاصة بموضوع إنكار المذابح الأرمنية التي يحاكم كل من ينكرها بالسجن، وقد استخدمت هذه المادة ضد الحائز على جائزة نوبل للسلام اورهان باموك.

يقول أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة «زمان» التركية لـ«الشرق الاوسط»: «أعتقد ان اميركا لا تدرك ما الذي يجري في هذه المنطقة. أنقرة عندما تتحدث حول المسألة العراقية والجماعات الانفصالية بين الاكراد، تفكر في ما الذي سيحدث بعد 10 او 15 عاما او 20 عاما، وهذه هي طريقة تفكيرنا، فنحن في هذه المنطقة منذ آلاف السنين. فلدى المؤسسات الحاكمة في تركيا خطط للتعامل مع الازمة، خطط قصيرة المدى، ولكن الاهم الخطط بعيدة المدى التي لدينا. اعتقد ان تركيا ستهاجم في نقطة ما قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. والاتراك لا يهتمون بغضب اميركا، لقد تدخلنا في القضية القبرصية بما يتناسب مع مصالحنا، وكنا نعلم ان اميركا لن تكون راضية. اذا دربت اميركا قيادات حزب العمال الكردستاني، فان التوتر سيتصاعد. لكن اذا اتخذت اميركا خطوات ضد قواعد حزب العمال الكردستاني فإن تركيا لن تدخل بنفسها، فالجيش التركي لا يريد دخول العراق. لكن اذا واصلت اميركا عدم التحرك، فنحن سنتحرك، وبالنسبة لتركيا هناك خطة طويلة المدى للتعامل مع الوضع كله». اما الشيء الآخر الذي يضغط على أعصاب الأتراك فهو اعتقادهم أن اميركا تتحرك لحماية مصالحها بدون النظر الى مصالح حلفائها في المنطقة «اميركا قد تسعى لاقامة دولة للاكراد في شمال العراق لانها ربما ستسمح لها بوجود امني في تلك المنطقة الحدودية الحساسة مع ايران والعراق وسورية وتركيا. فخلال حرب الخليج الثانية لم تسمح السعودية او تركيا لأميركا باستخدام اي قواعد عسكرية على أراضيهما. وعلى الأرحج لن يسمحا باستخدام قواعدهما في حالة اي هجوم على إيران. تحتاج اميركا قاعدة عسكرية في تلك المنطقة، والعراق مهم جدا لاميركا الان، فهو قاعدة الانطلاق بالنسبة لواشنطن لبناء الشرق الأوسط الجديد. العراق ايضا هو (المنطقة العازلة) بين العرب والايرانيين. يحتاج الاميركيون للسيطرة على كل حدود العراق الى بعض القواعد العسكرية. اين يمكن ان تقام هذه القواعد؟ في شمال العراق. ربما هذا أسوأ سيناريو يمكن تصوره، لكن إذا اراد الاميركيون الهجوم على إيران، فإن هذه القاعدة ستكون مهمة جدا. هذا سيكون أكثر مكان آمن بالنسبة لهم» قال اركمين لـ«الشرق الأوسط». لكن الأتراك قد لا يخسرون حليفا واحدا خلال هذه الازمة، بل حليفين، فإلى جانب اميركا قد يخسرون إسرائيل. فكما ان هناك غموضا في نوايا اميركا، هناك ايضا غموض في نوايا اسرائيل. ويردد الأتراك ان الوجود الاسرائيلي في شمال العراق يثير المخاوف لأنه يعزز سياسيا واقتصاديا احتمالات استقلال كردستان العراق. وقال اركمين لـ«الشرق الأوسط»: «كتبت عن الوجود الاسرائيلي في شمال العراق منذ عام 2005. في عام 2004 كنت في اسرائيل لجمع بعض المعلومات لرسالتي للدكتوراة. وقابلت مسؤولين بخصوص العلاقة بين الاسرائيليين والأكراد. اولا هناك أكثر من 100 الف كردي يهودي يحملون الان الجنسية الاسرائيلية، بعضهم يعيش في اسرائيل او في كردستان وبعضهم يشغل مناصب رفيعة مثل وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي وسياسيين اخرين. جوهر فلسفة اسرائيل في التعامل مع العالم العربي والتي وضعها ديفيد بن غوريون، مؤسس اسرائيل، والذي درس في تركيا، هو: اي شخص ليس عربيا.. صديق لنا. اكراد او ترك او فرس (قبل الثورة الإيرانية عام 1979). هناك اسرائيليون في شمال العراق. نعم يذهبون عبر تركيا والاردن، والكثير منهم أكراد يهود حاصلون على الجنسية الاسرائيلية. وهم يشترون أراضي خصوصا في كركوك. وهذا المعلومات أقولها لأنني رأيتها بعيني ومن اشخاص في شمال العراق يأتون الى تركيا ويتحدثون حول آخر التطورات لديهم. إذا نظرنا الى العلاقات الدبلوماسية والاكاديمية بين بعض الجامعات والمؤسسات والمعاهد الاوروبية والاميركية ونظيرتها الكردية يمكننا ان نجد العامل اليهودي». لكن قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق لن يكون معادلة بسيطة النتائج للاعبين الاساسيين في المنطقة. فمن ناحية إذا تم انشاء دولة كردية في شمال العراق، وهو ما يعني ضمنا تفكك العراق الى دويلات، فإن اول دولتين تتضرران هما تركيا وبعدها الأردن، وهما حليفان مهمان لاسرائيل في المنطقة. فتركيا ستواجه ساعتها خطرا متعلقا بوحدة اراضيها، والاردن فيه عدة ملايين من اللاجئين العراقيين. وهو دولة صغيرة، لديها مشاكل بعضها خطير. كذلك إذا تفكك العراق الى دويلات وظهرت دولة شيعية قوية تتحكم في غالبية اراضي وثروات العراق، فهذا سيكون ايضا في غير صالح اسرائيل لأنه سيعني إضعاف الدول المعتدلة في المنطقة. ايضا قيام دولة كردية في شمال العراق يعني نهاية التحالف التركي ـ الاسرائيلي. فالاتراك يعرفون انه بدون دعم اميركا واسرائيل لا يمكن لهذه الدولة ان تقوم. هذا من ناحية، لكن من ناحية أخرى اذا تكونت دولة كردية في شمال العراق، فإن هذه الدولة ستكون حتما قريبة من اسرائيل، كما يقول أركمين. ويتابع «اسرائيل سيكون لها حليف جديد في المنطقة. وهذا الحليف الجديد يستطيع ان يؤثر بسبب موقعه على التطورات في تركيا وإيران وسورية. وإذا قامت حرب بين إيران واميركا فإن اسرائيل بسبب تلك الدولة الكردية شمال العراق ستكون في وضع استراتيجي أفضل فيما يتعلق بأي احتمال للتصعيد مع إيران». إيران بدورها يمكن ان تخسر او تستفيد من قيام دولة كردية في شمال العراق.. يمكن ان تخسر طهران اذا استغلت اسرائيل الدولة الكردية لإضعاف إيران. وهذا يعكس الاهمية الاستراتيجية لشمال العراق. ويمكن ان تستفيد طهران إذا كان لها ضلع في هذه الدولة الجديدة. وبالتالي فإن لتركيا وإيران تصورات مختلفة حيال دولة كردية في شمال العراق. «اعتقد انه اذا قامت دولة كردية مستقلة، فإن تركيا ستغلق الحدود معها ولن تعترف بها. لكن ايران ستعترف بدولة كردية، لأنها تعرف انها ما لم تعترف بها، وما لم تكن موجودة وحاضرة في شمال العراق، فإن اسرائيل ستكون هي صاحبة النفوذ الاكبر، وإيران لن تسمح بهذا ابدا. اذا نظرنا الى الموضوع، من وجهة نظر الاكراد، سنجد انهم يحتاجون الاسرائيليين. وهم يقولون هذا بشكل واضح. يقولون: لماذا لا تكون للاكراد علاقات مع اسرائيل، فأغلبية الدول العربية لديها علاقات ممتازة مع اسرائيل مثل مصر والأردن وقطر» قال أركمين. اليوم الحلفاء الطبيعيون لتركيا هم السعودية والأردن ومصر. لكن في الاجتماعات الاقليمية، كما قال مسؤولون اتراك، لا تشعر تركيا أنها تأخذ الدعم الكافي من البلاد العربية. فتركيا دائما ما تردد أنه ليس لديها اي اطماع في شمال العراق، فهي لا تريد العودة الى إرث الدولة العثمانية، والعرب يعرفون هذا. فمنذ عام 1991 لم تتدخل تركيا في شمال العراق، او في اي جزء اخر من العراق. لكن انقرة ترى أنه لا بد من حدود آمنة بين العراق وتركيا، ويجب حماية هذه الحدود بالقوات العراقية او القوات الاميركية، لان هذه مسؤولية اميركا. اذا لم يتحرك العراق واميركا لحماية الحدود، فستكون تركيا مرغمة على هذا. لكن أنقرة تدرك أيضا ان الوضع العربي ليس سهلا، ففتح العراق للتداخلات الاقليمية قد يكون ثمنه مكلفا جدا. كما أنها تدرك ان اهدافها قد يختلط فيها استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني، وبتجربة كردستان العراق برمتها، وهذا خيط رفيع جدا، تدرك تركيا انها لا يجب ان تتجاوزه. لكن هذا لا يثني تركيا عن التدخل لحماية مصالحها.

ويقول أركمين في هذا الصدد «ايران موجودة في شمال العراق واسرائيل في شمال العراق، والاتراك يتساءلون: لماذا لا نكون نحن ايضا في شمال العراق. انا هنا لا أعبر عن وجهة نظر رسمية. اذا ارادت الدولة التركية ان تحمي مواطنيها يجب عليها ان تفعل كل ما باستطاعتها، نحن في الشرق الاوسط. عندما غزت اميركا العراق هل كان هذا شرعيا او قانونيا؟ الاجابة هي لا. هل ارسال ايران عناصر من قوات الحرس الثوري لجنوب العراق شرعي او قانوني؟ لا. فلماذا ينبغي ان تتحرك تركيا بشكل قانوني وفي اطار القوانين الدولية. نحن لدينا قلق مشروع من نشاطات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يهدد امن تركيا. الشيء الأساسي الذي يهدد امن تركيا حقيقة هو مسعود بارزاني وجلال طالباني لانهما قوميان وتوسعيان وانفصاليان وهذا يهدد أمن تركيا. لكن تركيا لن تسكت على خلق اي مشاكل لها، فخلال الخمسة والعشرين عاما الماضية أنفقنا 100 مليار دولار على وحدة مكافحة الارهاب لقصف قواعد الكردستاني ومناطقهم. من السهل وقف تقدم الاخرين، ووقف تقدم دولة اخرى. أكراد شمال العراق يجب ان يخافوا من تركيا، وليس تركيا هي التي تخاف منهم. فنحن دولة كبيرة، بجيش ضخم وناتج قومي كبير». وتابع «نحتاج الى تحالف مع الدول العربية السنية المعتدلة مثل السعودية ومصر والاردن والخليج. اذا تركت الدول العربية المعتدلة تركيا تتحالف مع ايران وسورية ضد اميركا، فيجب ان تعي الدول العربية المعتدلة ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لها. فهذا هو أسوأ سيناريو للعالم العربي. يجب ان تقترب الدول العربية المعتدلة من تركيا. وان تكون هناك مساع لسلام سوري اسرائيلي واحتواء الخلافات مع إيران والعراق. إذا لم يحدث هذا فإن اميركا ستقسم المنطقة كلها بحسب التحالفات والاديان. وفي هذا الوضع الاستراتيجي الحساس ليس لتركيا حلفاء استراتيجيون.. سنحالف من يقف معنا ضد الاكراد في شمال العراق. اذا دعمتنا اميركا واسرائيل فنحن معهما. اذا ساندتنا ايران وسورية فنحن معهما. كل دول المنطقة اليوم في موقف دفاع إلا اميركا وايران، هما فقط في موقف هجوم». اكراد تركيا غاضبون وخائفون من التصعيد بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وهم يريدون حلا سلميا للأزمة، ولا يريدون تصعيدا او حربا وذلك لسبب أساسي وهو أنهم لا يريدون الانفصال عن تركيا والاندماج في دولة مع اكراد العراق او غيرهم من أكراد المنطقة، اولا لأسباب اقتصادية وثانيا بسبب اختلافات ثقافية بين الأكراد. فخلال جولة «الشرق الاوسط» في مدينة ديار بكر بجنوب شرقي تركيا لم يكن هناك مؤيدون لانفصال أكراد تركيا بدولة مستقلة، كل المطالب كانت تتعلق بمنح الأكراد حقوقهم الثقافية وتحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. ويقول سردار سينغول مستشار الشؤون الخارجية في مكتب عمدة ديار بكر لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلتنا هي مشكلة هوية.. حل مشكلة الهوية هذه يمكن في اطار الدولة. الانفصال ليس الحل لها بالضرورة». وبدوره يقول أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة «زمان» التركية لـ«الشرق الاوسط»: «أكراد تركيا غير أكراد العراق، غير اكراد ايران، غير اكراد سورية. ففي العراق وسورية وايران زيجات الاكراد من العرب قليلة، لكن في تركيا، نحن اقارب دم. على سبيل المثال، انا تركي ووالدي تركي ووالدتي تركية، لكن لدي شقيقتين كل منهما تزوجت كرديا. ما الذي سأقوله لاولاد شقيقتي، هل هم اكراد مثل ابويهم، ام اتراك مثل والدتيهم؟ هم اتراك اكراد طبعا. هذا يحدث طوال الوقت في تركيا، لا يمكننا فصل الاكراد عن الاتراك لأننا أقارب، وجيران، وشركاء في الاعمال. القضية الكردية في تركيا مختلفة تماما عن القضية الكردية في العراق. لم يكن لدينا ديكتاتور مثل صدام حسين، لم نقتل الأكراد، وجميع من يتحدثون حول النموذج العراقي نسوا ان اميركا ستغادر هذه المنطقة يوما ما. الاكراد يحتاجون الى ان تكون لهم علاقات جيدة مع الاتراك والايرانيين والسوريين لانهم لو اعتقدوا ان اميركا ستبقى في المنطقة للابد، فهذا لن يحدث».

* غدا : صورة العرب والأتراك