خادم الحرمين وبابا الفاتيكان: الإرهاب لا دين ولا وطن له

أكدا على أهمية الحوار بين الأديان والحضارات في اجتماع ثنائي وتاريخي

خادم الحرمين الشريفين يتلقى من البابا لوحة تمثل الفاتيكان تعود الى القرن السادس عشر (أ.ب)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبابا الفاتيكان بنيديكت السادس عشر، على أهمية الحوار بين الأديان والحضارات لتعزيز التسامح، الذي تحث عليه جميع الأديان ونبذ العنف، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لكافة شعوب العالم.

وأكد الجانبان خلال الاجتماع الثنائي والتاريخي، والذي استمر قرابة الساعة، أن العنف والإرهاب لا دين ولا وطن له، وان على جميع الدول والشعوب التكاتف في التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها.

وشدد خادم الحرمين الشريفين، الذي قام أمس بزيارة لبابا الفاتيكان بمقره في روما، على ان الشعوب تجمع بينها قيم مشتركة «وأن خير تعبير لهذه القيم المشتركة، هو ما جاءت به الأديان»، وأن في العودة إلى هذه القيم مخرجا لما تعاني منه الشعوب من ويلات الخلافات والصراعات، كما أن في التمسك بها تجسيدا للخير والطمأنينة والوفاق الاجتماعي للإنسان فيما يخصه، وفي محيط أسرته ومجتمعه وعلاقته مع الآخرين.

وقدم العاهل السعودي للبابا، سيفا ذهبيا مرصعا بالحجارة الكريمة، هدية وتلقى من البابا لوحة تمثل الفاتيكان، وتعود الى القرن السادس عشر.

ثم التقى العاهل السعودي، الذي رافقه وفد يضم 12 عضوا وزير خارجية الفاتيكان الكادرينال تارتشيتسيو بيرتوني. وأعلن الملك عبد الله والبابا تأييدهما لإيجاد «حل عادل لنزاعات» الشرق الأوسط، وتعهدا مواصلة «الحوار بين الاديان» للنهوض بالتعايش بين الشعوب.

واشار بيان للفاتيكان بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، الى ان خادم الحرمين الشريفين والبابا «تبادلا الأفكار حول الشرق الأوسط، وحول ضرورة التوصل الى حل عادل للنزاعات التي تعصف بالمنطقة، وخاصة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني».

وأضاف البيان، ان البابا والملك عبد الله «جددا التزامهما بالحوار بين الثقافات وبين الاديان، بهدف تعايش مثمر وسلمي بين البشر والشعوب وبأهمية التعاون بين المسيحيين والمسلمين واليهود للنهوض بالسلام والعدل والقيم الروحية والاخلاقية».

وقال الفاتيكان ان «المحادثات جرت في اجواء ودية»، مؤكدا ان البابا شدد على «الوجود الايجابي والمثمر للمسيحيين» في السعودية. من جهة أخرى، أكد خادم الحرمين الشريفين، أن العاصمة الإيطالية روما وقبل قرون في قلب الأحداث، تساهم في صياغة المسيرة البشرية، مبينا أنها كانت خلال الامبراطورية الرومانية أكبر مدينة في العالم وأهمها، وأنها لا تزال حتى اليوم تلتقي فيها الحضارات وتحتفظ بقيم تراثها.

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها أمام الحضور في بلدية روما، والتي قام بزيارة إلى مقرها، حيث استقبله عمدة مدينة روما أمين عام الحزب الديمقراطي الإيطالي فالتر فلتروني، وفيما يلي نص الكلمة:

«قبل قرون طويلة من الميلاد، كانت بداية روما، ومنذ ذلك الحين وروما في قلب الأحداث تساهم في صياغة المسيرة البشرية، وقد كانت خلال الامبراطورية الرومانية أكبر مدينة في العالم وأهمها، ولا زالت اليوم تلتقي فيها الحضارات، وتحتفظ بقيم تراثها، ولكنها في نفس الوقت تزدهر بالعلوم والآداب التي كان لها دور أساسي في تاريخ إيطاليا.

أشكركم على دعوتكم وعلى مشاعركم التي عبرتم عنها، ويسعدني أن أكون معكم اليوم في هذه المدينة الغنية بتراثها، والمتميزة بالإبداع الإنساني الرائع، متمنيا لكم ولأهلها مزيدا من التقدم والازدهار، وشكرا».

وكان خادم الحرمين الشريفين، قد وقع في السجل الذهبي للبلدية، كما شاهد المنظر العام لمدينة روما من مكتب العمدة، وتبادل مع عمدة المدينة الهدايا التذكارية.

من جهته رحب عمدة روما بخادم الحرمين الشريفين في الكلمة التي ألقاها أمامه في قاعة الاجتماعات، وأشار إلى العلاقات التي تربط مدينة روما بالسعودية، لافتا النظر إلى أن روما تعد قلب المسيحية، بينما تعد المملكة العربية السعودية مهد الإسلام، وتضم مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويحج إليها المسلمون من كل أنحاء العالم، وأوضح أن روما تعيش فيها الأديان الثلاثة وتتعايش بسلام وتبني علاقات من الثقة والاحترام.

وبين أنه يوجد في مدينة روما أحد أكبر المساجد في أوروبا والذي بني بفضل المساهمة السخية من المملكة العربية السعودية «وهو اليوم إضافة إلى كونه مكانا للعبادة والثقافة، يعد أداة للعمل الاجتماعي والتكامل والاندماج بين المسلمين في روما»، ممتدحا الدور الذي أداه مسجد روما في إطلاق سراح الأسرى الإيطاليين في العراق، وفي أفغانستان من خلال الحوار.

وقال العمدة فلتروني «إن مدينة روما التي تسعد اليوم وتتشرف باستقبال خادم الحرمين الشريفين، وبتحية عمله المعتدل الذي لا يمكن إلا أن ندعمه، ليس فقط في العالم العربي، ولكن في العالم الإسلامي برمته، حتى لا تكون الاختلافات الثقافية والدينية سببا للانشقاق، بل يجب أن تكون على العكس ثروة ودفاعا للتبادل والتنوع في الآراء والحوار، حتى ننظر معا إلى فضاء مفتوح موجه إلى الآخرين، ولمستقبل يقوم على التعايش في سلام».

إلى ذلك شهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي بعد ظهر أمس، حفل لقاء رجال الأعمال السعوديين والإيطاليين الذي أقيم بفندق اكسلسيور في العاصمة روما، ورحب الدكتور فهد السلطان أمين عام مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية بخادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء الإيطالي لتشريفهما حفل رجال الأعمال السعوديين والإيطاليين.

وقال «ان هذه الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين تأتي تتويجا للعلاقات الرائدة بين البلدين وانطلاقة قوية لتعزيز ودعم أواصر التعاون والمشاركة الاقتصادية الفاعلة». واضاف السلطان «وانطلاقا من قناعتنا بإيمانكم بدور القطاع الخاص في توثيق العلاقات بين الدول فإن مجلس الغرف السعودية يسعده بهذه المناسبة أن يطرح مرئيات رجال الأعمال السعوديين بشأن تطوير العلاقات الاقتصادية بين المملكة وإيطاليا».

وأضاف «لقد كان لرجال الأعمال من الجانب الإيطالي دور مهم في تعزيز التواصل مع رجال الأعمال السعوديين وذلك بدعم من الغرفة التجارية العربية الإيطالية ونحن على ثقة بأن رجال الأعمال الإيطاليين يشاركوننا تطلعاتنا بشأن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين».

كما ألقى عبد الرحمن بن راشد الراشد، رئيس مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، كلمة أكد خلالها أن الزيارة التاريخية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين إلى إيطاليا تأتي تتويجا للعلاقات السعودية ـ الإيطالية التي امتدت على مدى حقبة طويلة من الزمن، وقال «إن لقاءنا اليوم يمثل حلقة جديدة من سلسلة العمل الاقتصادي المشترك بين بلدينا الصديقين حيث يشهد التوقيع على عدد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة وتفعيل التعاون بين رجال الأعمال السعوديين والإيطاليين بهدف تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، وكلنا ثقة في أن هذا العمل البناء سيدعم العلاقات المشتركة لتتجاوز مجرد علاقات تعاون تجاري ثنائي عادي يغلب عليه الطابع التقليدي إلى علاقات تعاون تعمل ضمن منظومة اقتصادية عالمية تقوم على أسس تفعيل دور القطاع الخاص في البلدين وتحرير التجارة بينهما والاستفادة المثلى من المزايا النسبية والتنافسية المتاحة في البلدين وتحسين النفاذ للأسواق دون قيود».

وأكد الراشد أن مستقبل التعاون الاقتصادي السعودي ـ الإيطالي بأبعاده المختلفة يزخر بإمكانات كبيرة تنتظر استثمارها وتوظيفها لتحقيق المزيد من المنافع للبلدين والشعبين الصديقين.فيما أعرب من جانبه نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية الإيطالية فرانسيسكو بيتوني عن شكره الجزيل لخادم الحرمين الشريفين على تشريفه حفل رجال الأعمال السعوديين والإيطاليين، مثنيا على متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وأوضح في كلمته أن نمو التبادل التجاري بين البلدين فاق 8.3 مليار دولار عام 2006م وأن 3 مليارات منها للصادرات و 5.3 للواردات ما جعل من إيطاليا أول شريك تجاري أوروبي للمملكة العربية السعودية.

حضر الحفل الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين ووزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما ونخبة من رجال الأعمال من كلا البلدين.