العلاقات السعودية الألمانية.. تاريخ ناصع من التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي

بدأت في العام 1929.. وتخللتها زيارات متبادلة بين كبار مسؤولي البلدين

TT

تكتسي الزيارة الرسمية التي سيقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى ألمانيا الاتحادية اليوم، أهمية كبيرة نظراً لما يحظى به البلدان من مكانة على مستوى العالم وللعلاقات الوطيدة بينهما.

وتجمع البلدين كونهما عضوين بارزين في الأمم المتحدة جهود تعزيز علاقات الصداقة والتعاون مع جميع دول العالم المحبة للسلام والعمل من أجل إقرار الحوار والتشاور وتأمين العدالة والازدهار لجميع الشعوب وضمان التفاهم والتعاون والصداقة بين جميع الأمم وإيجاد عالم يسوده الوئام.

ويعود تاريخ العلاقات السعودية الألمانية إلى 26 أبريل عام 1929 حين وقع الملك عبد العزيز ورئيس الرايخ الألماني معاهدة صداقة تضمنت موادها الرغبة في إنشاء العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

وفي عام 1931 تم تعيين «دي هاس» قنصلاً لألمانيا لدى المملكة العربية السعودية شهدت بعدها العلاقات السعودية الألمانية تطوراً مستمراً وإيجابياً وفقاً للأسس التي أرساها قادة البلدين وتبودلت الزيارات على المستوى القيادي.

وتبرز في سجل هذه الزيارات زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لألمانيا الاتحادية عام 2001 عندما كان ولياً للعهد حيث اجتمع بالمستشار الألماني غيرهارد شرودر وناقشا العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين ومجالات التعاون بينهما وسبل دعمها بما يخدم مصالح البلدين واستعراض شامل لمجمل الأوضاع في الشرق الأوسط وأهم المستجدات على الساحة الدولية.

وقد دعمت هذه الزيارة العلاقات السعودية الألمانية وفي ذلك يقول المستشار الألماني غيرهارد شرودر خلال حفل العشاء الذي أقامه للملك عبد الله بن عبد العزيز «لقد أظهرت محادثاتنا أثناء استعراض المسائل الاستراتيجية والعالمية العامة تطابقاً في الرأي بيننا إلى حد بعيد وأكسبت زيارتكم العلاقات الألمانية السعودية الوثيقة مزيداً من الحوافز وأكدت ثقتي واطمئناني في تنمية التعاون بيننا».

وأبدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من جهته رغبة المملكة واستعدادها للتعاون الشامل مع ألمانيا حيث قال «إن المملكة تبدي رغبتها واستعدادها للتعاون الشامل مع أصدقائها والمانيا في مقدمتهم فنحن نعتقد أن لدى كلا البلدين ما يقدمه للآخر كما نتطلع لتعاون أشمل وعلاقات أقوى مع ألمانيا في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتعليم والتدريب ونقل التقنية».

وفي استعراض تاريخي لأهم الزيارات بين قيادتي البلدين الصديقين تأتي زيارة الملك سعود بن عبد العزيز إلى ألمانيا عام 1959 كذلك زيارة الملك فهد بن عبد العزيز في يونيو 1978 التي التقى خلالها بالمستشار الألماني هيلموت شميدت وأيضا زيارته إلى ألمانيا في مايو 1979 التي أجرى خلالها مباحثات مع المستشار الألماني هيلموت شميدت.

وفي السادس عشر من يونيو 1980 قام الملك خالد بن عبد العزيز بزيارة لألمانيا تلبية لدعوة من الرئيس الألماني كارل كارستنز.

وفي الثامن والعشرين من أكتوبر 1981 زار الملك فهد بن عبد العزيز، بون واجتمع مع مستشار ألمانيا هيلموت شميدت.

وفي التاسع عشر من يونيو 1989 قام الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام بزيارة لألمانيا. أما في الجانب الألماني فتأتي زيارة المستشار هيلموت شميدت مستشار ألمانيا للمملكة عام 1976 واجتماعه مع الملك خالد بن عبد العزيز، كذلك زيارة المستشار هيلموت شميدت للمملكة في عام 1981.

وفي أكتوبر عام 1983 قام المستشار هيلموت كول مستشار ألمانيا الاتحادية بزيارة رسمية للمملكة التقى خلالها بالملك فهد بن عبد العزيز والملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد. كما قام المستشار الألماني هيلموت كول بزيارة أخرى للمملكة العربية السعودية عام 1985 وفي أكتوبر من عام 2003 قام المستشار جيرهارد شرودر مستشار ألمانيا بزيارة للمملكة.

كذلك قام المستشار الألماني جيرهارد شرودر في فبراير عام 2005 بزيارة للمملكة تم خلالها افتتاح الملتقى الاقتصادي السعودي الألماني الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ومعرض العلاقات السعودية الألمانية خلال 75 عاماً.

وفي فبراير عام 2007 قامت مستشارة جمهورية المانيا الاتحادية الدكتورة انجيلا ميركل بزيارة للمملكة اجتمعت خلالها بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

وقد أسهمت هذه الزيارات المتبادلة في تدعيم العلاقات القائمة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين الصديقين في جميع المجالات لتحقيق الأهداف المنشودة.

وشهد التعاون الاقتصادي بين البلدين تطوراً كبيراً إذ ترتبط المملكة مع ألمانيا بالعديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والفنية المهمة. وبحث الجانبان السعودي والألماني مؤخراً اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي واتفاقية النقل البحري اللتين سيدعم توقيعهما العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين كما ترتبط بعض الجهات الحكومية باتفاقيات فنية قطاعية مع بعض الجهات الألمانية مما يدعم نقل التقنية إلى المملكة والمساعدة في تنفيذ المشاريع التنموية. ومن هذه الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين البلدين اتفاقية التعاون عام 1966 تلاها عام 1985 اتفاقية التعاون العلمي والفني بين البلدين. وفي عام 1977 تم توقيع مذكرة التفاهم للتعاون الفني والصناعي والاقتصادي بين البلدين التي شكلت بموجبها اللجنة السعودية الألمانية المشتركة ممثلة بوزارة المالية وكان لهذه اللجنة الأثر الواضح في ترسيخ وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

كما تم في عام 1997 توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين وفي 9 ديسمبر 1998 تم بمقر وزارة الخارجية الألمانية في بون التوقيع على البروتوكول الخاص بتبادل وثائق التصديق على اتفاقية تشجيع الحماية المتبادلة لاستثمارات رؤوس الأموال بين المملكة العربية السعودية وجمهورية ألمانيا الاتحادية وتم تحديد يوم التاسع عشر من يناير عام 1999 موعدا لبدء سريان الاتفاقية.

ولتدعيم العلاقات الاقتصادية بين البلدين أقامت الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية في 17 نوفمبر 2000 نشاطات الحوار السعودي الألماني الذي حضره أكثر من مئة رجل أعمال من المملكة العربية السعودية وألمانيا وناقش سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين في العديد من المجالات أبرزها الهندسة الميكانيكية والتعدين والطاقة والخدمات التي تشمل تمويل المشاريع وصناديق الاستثمار والكيماويات والبتروكيماويات والغاز والأجهزة الطبية وإدارة المستشفيات وتشغيلها وصيانتها وصناعة الأدوية والسياحة. ويهدف هذا الحوار الذي ينظم سنويا بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية إلى تنمية الاستثمارات الألمانية في المملكة بتشجيع قيام الشركات المشتركة من‌خلال تقديم بعض الخدمات المساعدة.

وفي 3 يونيو 2003 افتتح في ولاية بادن فورتمبيرج الألمانية ملتقى سعودي ألماني بحضور وفد مؤلف من 36 شخصاًَ من كبار رجال الأعمال في المملكة وألمانيا ودارت أعمال الملتقى حول العلاقات الاقتصادية بين البلدين بهدف تشجيع رجال الأعمال الألمان للاستثمار في المملكة وتقوية علاقاتهم الاقتصادية والصناعية مع نظرائهم السعوديين من خلال خطط يضعونها مع رجال الأعمال في المملكة.

ويعد مجلس إدارة حوار رجال الأعمال السعودي الألماني المنبثق عن اللجنة السعودية الألمانية المشتركة داعماً أساسيا لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين ولتحسين فرص النمو الاقتصادية، فمن خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد عام 2001 لجمهورية ألمانيا الاتحادية ولقائه بأعضاء المجلس أشاد بدور المجلس في تعزيز هذه العلاقة داعياً إلى استمرار تحسين هذه العلاقة وتطويرها لدعم وترسيخ العلاقة بين البلدين وتشجيع الاستثمارات الألمانية في المملكة وتشجيع الشركات الألمانية الكبرى على زيادة حجم الاستثمار بالمملكة حيث يوجد 120 مشروعاً ألمانيا بالمملكة تقدر استثماراتها بأربعة مليارات دولار. لاسيما في المشاريع البترولية والبتروكيميائية والصناعية.

كما أن هناك اتفاقيات مهمة بين البلدين مثل اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي وكذلك اتفاقية للإعفاء المتبادل على ضرائب شركات الطيران في البلدين وآليات ترمي إلى الكثير من التقدم والتطور للسياسات الاستراتيجية بين البلدين ولدعم جهود التكامل الاقتصادي.

وتشير الأرقام إلى حجم التبادل التجاري حيث بلغ عام 2005 نحو 4.6 مليار يورو، وبلغت الصادرات السعودية لألمانيا حوالي 837 مليون يورو فيما بلغت الواردات السعودية من ألمانيا أكثر من 3.7 مليار يورو.

وتتبوأ ألمانيا المرتبة الثالثة في العلاقات التجارية الصناعية مع المملكة بعد أميركا واليابان وبصدور قانون الاستثمار الأجنبي الجديد أصبح الجو الاستثماري بالمملكة مهيئاً لتطوير الشراكة الألمانية السعودية ونتيجة لتلك الفرص الكبيرة هناك العديد من الشركات الألمانية ترغب في توسيع أعمالها بالمملكة العربية السعودية.

وفي ما يتعلق بالاستثمار بين البلدين بلغت المشاريع المشتركة السعودية الألمانية عام 2005 نحو 115 مشروعاً بلغ رأس المال المستثمر فيها حوالي 845 مليون يورو.

وترسخت العلاقات الثقافية والتعليمية من خلال الاتفاقات واللقاءات والمعارض التي تمت بين البلدين الصديقين.

ولإطلاع الشعب الألماني على النهضة التي تعيشها المملكة العربية السعودية في جميع المجالات أقامت المملكة عام 1985 معرض المملكة بين الامس واليوم في ثلاث مدن ألمانية هي كولون وشتوتغارت وهامبورغ ، حيث افتتح الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض هذا المعرض.

كما شهدت مدينة بون بجمهورية ألمانيا الاتحادية في سبتمبر عام 1995 افتتاح أكاديمية الملك فهد بن عبد العزيز على نفقته الخاصة وبتكلفة تبلغ 60 مليون ريال، فأصبحت اليوم منارة علم لأبناء العرب والمسلمين في ألمانيا.

ولتحقيق مزيد من التعاون العلمي بين الجامعات السعودية ونظيراتها من الجامعات الألمانية بما يؤدى إلى تطوير تخصصات التعليم العالي وآفاق البحث العلمي بين البلدين تم في 24 مايو 2000 توقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الألماني للتعليم ومجلس التعليم العالي في المملكة العربية السعودية للاستفادة من خبرات الجامعات والهيئات الألمانية في مجالي الابتعاث والتدريب.

كما جرى في 22 ابريل 2001 التوقيع على اتفاقية تعاون علمي بين وزارة التعليم العالي في المملكة ووزارة التربية والبحث بجمهورية ألمانيا الاتحادية وتسهم هذه الاتفاقية في زيادة أوجه التعاون في المجالات العلمية والبحثية بين البلدين مما سيكون له أثره الايجابي والكبير في تطوير التعليم العالي.

إلى جانب زيادة التبادل العلمي الفني والتقني والتدريب بين البلدين من خلال تبادل زيارات الوفود المتخصصة لكلا البلدين على المستوى الأكاديمي التي تهدف إلى تعزيز تعاون علمي مثمر بين الجامعات السعودية ونظيراتها من الجامعات الألمانية من خلال تبادل المعلومات والقيام بالأبحاث المشتركة وإيجاد برامج تدريب وتقديم الاستشارات في مجال العلوم والتنسيق بين الاقتصاد والأبحاث والعلوم الدولية وبحث إمكانية التعاون والاستفادة من تجارب وخبرات الجامعات الألمانية وتبادل المعلومات والبيانات والإحصائيات في مجال الدراسات العليا والبرامج وتدعيم العلاقات بين مراكز البحوث الألمانية ذات الاهتمام بالدراسات الإسلامية والعربية ومراكز المملكة وكيفية التعاون في مجال التدريب والتأهيل العلمي. وفي 4 يونيو عام 2000 شاركت وزارة الثقافة والإعلام السعودية في جناح الإسلام في معرض هانوفر 2000 الذي أقيم بمدينة هانوفر الألمانية بعرض مجسمات كبيرة للحرم المكي والمسجد النبوي تبين توسعة الحرمين الشريفين لزوار الجناح وما بذلته المملكة لإعمار بيوت الله.

وفي إطار التعاون الرياضي بين البلدين قام الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبد العزيز نائب الرئيس العام لرعاية الشباب نائب رئيس اللجنة الاولمبية العربية السعودية نائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم في ديسمبر عام 2005 بزيارة رسمية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية تم خلالها توقيع مذكرة التفاهم ‌بين اللجنة الاولمبية العربية السعودية واللجنة الأولمبية الألمانية وتوقيع مذكرة تفاهم مماثلة بين الاتحاد السعودي لكرة القدم والاتحاد الألماني لكرة القدم إلى جانب رئاسته لوفد الاتحاد السعودي لكرة القدم لمراسم إجراء قرعة مباريات نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا. وفي 14 يونيو 2006 أقيم المعرض الثقافي السعودي بالمركز الثقافي «جاستايج» بمدينة ميونيخ الألمانية واشتمل المعرض على صور ومجسمات تحكي التطور الرياضي في المملكة بالإضافة إلى لوحات تشكيلية وصور فوتوغرافية لفنانين سعوديين.