خطوط النقل البري في العراق تعمها الفوضى.. والركاب يتذمرون من الأجور

السائقون يفرضون الأسعار حسب أهوائهم .. والرقابة الحكومية غائبة

حافلة صغيرة لنقل الركاب في أحد شوارع بغداد («الشرق الاوسط»)
TT

دائما ما تتجدد معاناة العراقيين من مشكلة النقل وخطوط نقل الركاب المتجذرة منذ سنين طويلة والتي لا يكاد ان ينتهي احد مسبباتها حتى يظهر آخر ويزيد من حجم المشكلة التي عجزت وزارة النقل وهيئة النقل الخاص التي تديرعملية النقل البري في البلاد عن ايجاد الحلول المناسبة لها وإنصاف الاطراف المتضررة من جراء ارتفاع اجور النقل سواء داخل العاصمة بغداد او بالنسبة لخطوط النقل الخارجي التي تنقل المسافرين للمحافظات او البلدان الاخرى، خاصة في ظل غياب واضح لسلطة القانون.

التنقل بواسطة سيارات الاجرة يوميا يتيح رؤية حجم المعاناة تلك من خلال المشادات الكلامية التي تحصل بين الركاب والسائق لاسباب عدة، منها المبلغ المرتفع الذي يطلبه نظير ايصالهم للمكان الذي يبتغونه تحت مرأى ومسمع المراقبين الحكوميين او بسبب سلوكه طريقا آخر غير ذلك المتفق عليه مسبقا لاختصار الوقت لصالحه مما يضطر بعض الركاب للنزول في اماكن قد تكون بعيدة عن تلك التي قصدوها.

يؤكد مكي عبد الواحد، 39 عاما، وهو موظف حكومي، ان مثل هذه المشاهد تتكرر باستمرار او بشكل يومي تقريبا مع كافة اصحاب سيارات نقل الركاب وعلى مختلف الخطوط بسبب مزاجيتهم وفرضهم أجورا عالية. ويقول عبد الواحد «مشكلة النقل مستمرة منذ فترة طويلة وتفاقمت خلال السنوات الاربع الماضية بعد ان غابت القوانين والاجهزة الرقابية وتفرد اصحاب المركبات بوضع الأجور وتحديد خطوط السير وفق ما يلائمهم، ولا أحد يحاسبهم او يضع نهاية لتماديهم»، محملا الحكومة ووزارة النقل بالخصوص مسؤولية الفوضى التي ترافق عملية التنقل وخطوط نقل الركاب.

وتساءل عدد من المواطنين الذين كانوا يقفون في مدخل مرآب ساحة الطيران في منطقة الباب الشرقي وهم بانتظار سيارة تقلهم الى كراج علاوي الحلة بجانب الكرخ من بغداد «الا تنظر الحكومة لمعاناتنا ! فمرة يضربون (أصحاب المركبات) عن العمل حتى يجبرونا على القبول بالاسعار التي يضعونها، ومرة اخرى يغيرون ويحددون طرق سيرهم بما يتناسب مع رغباتهم، ألا تكفي المعاناة التي نتحملها جراء نقص الخدمات الاخرى».

ويؤكد ميثم الربيعي، 44 عاما، وهو الاخر موظف في احدى دوائر الدولة «الحال نفسه في بقية كراجات ومرائب النقل الخاص المنتشرة في عموم العاصمة بغداد، فليس هناك التزام بقوانين هيئة النقل الحكومية، ومظاهر الرشوة والفساد منتشرة في معظمها، والاجهزة الرقابية لا تحرك ساكنا تجاه تلك المخالفات التي يرتكبها اصحاب سيارات الاجرة». ويضيف الربيعي «مرتباتنا لا تكفي لأجور التنقل من والى دوائرنا خلال الشهر، ولا نستطيع تحمل اعباء اضافية، فتكيفنا الاعباء التي نتحملها جراء توفير مستلزمات الحياة في ظل نقص كبير في الخدمات الرئيسية على مدار السنة». ولا يلتزم معظم اصحاب سيارات الاجرة سواء الكبيرة او الصغيرة منها بالقوانين القديمة والتسعيرة التي حددتها هيئة النقل الخاص للخطوط المختلفة، كما ان نظام العداد الالكتروني غير مطبق في العراق وهو ما فاقم من حجم المشكلة. مجموعة من اصحاب سيارات الاجرة في مرأب علاوي الحلة ببغداد الذين يقومون بنقل الركاب لمناطق مختلفة في انحاء البلاد، نفوا ان يكونوا هم سبب المشكلة او خلقها، مؤكدين انهم ضحية لها ايضا جراء ارتفاع اسعار الوقود ومبالغ الجباية والرشاوى التي يستحصلها منهم موظفو هيئة النقل الخاص مقابل الوقوف داخل تلك المرائب والكراجات التابعة للهيئة. ويقول ربيع الراضي صاحب سيارة اجرة «الخدمة التي نقدمها كبيرة في ظل اوضاع امنية صعبة، والمخاطر التي قد تواجهنا على الطريق، فالارتفاع الكبير في الاسعار الذي شهدته السوق العراقية ولمختلف البضائع، يحتم علينا رفع تسعيرة التنقل من فترة الى اخرى، وهذا ما يرفضه الركاب ويسبب بدخلوهم معنا في نقاشات وجدالات حادة تسبب التذمر لنا ولهم على حد سواء».

ويؤكد محسن جابر، 46 عاما، احد الموظفين في هيئة النقل الخاص، ان الفوضى التي تولدت بعد الاحتلال وما رافقها من نتائج سلبية وغياب سلطة القانون والضغط الكبير الذي تواجهه وسائل النقل الخاص في ظل غياب سيارات ومركبات مصلحة نقل الركاب واندثارها، ساعدت على تفاقم المشكلة. ويشير جابر الى ان سيارات الاجرة الاهلية لا تستطيع لوحدها مواجهة الضغط السكاني في بغداد حاليا والايفاء بمتطلبات عملية النقل، مع غياب واضح لحافلات الشركة العامة لنقل الركاب التي كانت تتحمل الجزء الاكبر من عملية التنقل سواء داخل بغداد او خارجها. وبسبب الظروف الامنية الصعبة في بعض المناطق والحواجز الكونكريتية التي قطعت الطرق والجسور وصعبت عملية وصول المواطن لمبتغاه، فإن أغلب سائقي مركبات الاجرة لا يلتزمون بخط سير معين مثلما كان يحصل في السابق وانما يسلكون طرقا وشوارع عدة في سبيل ايصال الركاب الى النقطة الاخيرة لخطوطهم بأقصر كلفة ممكنة واقل وقت، وهو عامل ساعد على خلق الفوضى في هذا القطاع الحيوي والمهم لحياة العراقيين.