خادم الحرمين لبرودي: حان الوقت لإنهاء مأساة النزاع العربي ـ الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل

مباحثات سعودية ـ إيطالية تختتم باتفاقيات في مجال «الدفاع» و«مكافحة الجريمة» و«التدريب المهني» و«الصحة» و«التعليم العالي»

خادم الحرمين الشريفين وبرودي لدى وصولهما مقر رئاسة الحكومة الإيطالية أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

عقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جلسة مباحثات رسمية مع رئيس وزراء إيطاليا رومانو برودي مساء أول من أمس، خلال استقباله له في مقر رئاسة الحكومة «فيلا مداما» في روما.

وجرى خلال الجلسة بحث مجمل الأحداث والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الوضع في لبنان والأزمة المستمرة هناك فيما يخص الاستحقاق الرئاسي وأهمية المحافظة على الوحدة الوطنية واستقرار القرار اللبناني.

وتناول الجانبان الأهمية البالغة في أن يصل مؤتمر السلام المقبل في «أنابوليس» إلى نتيجة محسوسة تعيد للفلسطينيين حقوقهم الوطنية المشروعة، كما أكدا على الدور المحوري للولايات المتحدة في التحضير للاجتماع بصورة تأخذ في الاعتبار أن الجانب الفلسطيني هو الأكثر حاجة لتفهم محدودية قدرته على الحركة.

وتعرضت المباحثات إلى أهمية التناول الموضوعي لملف السلاح النووي في المنطقة، بصورة تحد من انتشار الأسلحة النووية وتصون المنطقة من أي تصعيد جديد للعنف والتوتر. كما جرى كذلك بحث آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين. وحضر جلسة المباحثات من الجانب السعودي، الوفد المرافق لخادم الحرمين الشريفين. كما حضرها من الجانب الإيطالي عدد من المسؤولين في الحكومة الإيطالية.

وقد جرى بحضور خادم الحرمين الشريفين ورئيس وزراء إيطاليا، التوقيع على اتفاقية للتعاون بين الحكومتين السعودية والإيطالية في مجال الدفاع، وقعها عن الجانب السعودي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وعن الجانب الإيطالي وزير الدفاع الإيطالي ارتودو باريسي. كما جرى التوقيع على اتفاقية للتعاون في مجال مكافحة الجريمة بين الحكومة السعودية والحكومة الإيطالية وقعها عن الجانب السعودي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وعن الجانب الإيطالي وزير الداخلية جوليانو اماتو. كذلك جرى التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الصحة بين وزارتي الصحة في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيطالية، وقعها عن الجانب السعودي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وعن الجانب الإيطالي نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية ماسيمو داليما. وجرى التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال التدريب المهني بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في المملكة العربية السعودية، ووزارة العمل والضمان الاجتماعي في الجمهورية الإيطالية، وقعها عن الجانب السعودي وزير العمل رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، وعن الجانب الإيطالي وزير العمل والضمان الاجتماعي تشيرزي داميانو. كما جرى التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، ووزارة الجامعات والبحوث في الجمهورية الإيطالية، وقعها عن الجانب السعودي وزير الثقافة والإعلام إياد بن أمين مدني، وعن الجانب الإيطالي وزير الجامعات والبحوث فابيو مورسي.

وبعد تبادل النسخ الموقعة قام الوزراء بالسلام على خادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء الإيطالي. حضر مراسم التوقيع من الجانب السعودي أعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين. كما حضرها من الجانب الإيطالي أعضاء الحكومة الإيطالية.

وكان رئيس وزراء إيطاليا رومانو برودي قد اقام مأدبة عشاء تكريماً لخادم الحرمين الشريفين في مقر الحكومة.

وخلال حفل العشاء، ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كلمة قال فيها: «أشكركم يا دولة الرئيس على كلماتكم الرقيقة، وعلى دعوتكم لزيارة إيطاليا، وعلى روح الصداقة التي تمثلت في استقبالكم لنا. لقد سعدنا بزيارتكم للرياض في شهر إبريل الماضي، ونسعد اليوم بوجودنا هنا من أجل تطوير سبل التعاون مع إيطاليا في شتى المجالات، ونأمل أن تكون الاتفاقيات التي سبق توقيعها وكذلك التي ستوقع خلال هذه الزيارة تعزيزا للعلاقات. إن التبادل التجاري بين البلدين تجاوز 9 مليارات دولار في السنة الماضية، ونتطلع اليوم إلى تحقيق الأفضل لما فيه مصلحة البلدين الصديقين، ويُسعدنا أن نرحب بالاستثمارات الإيطالية في المملكة، وبالمزيد من المشاريع المشتركة.

إن كلاً من المملكة وإيطاليا تنهج سياسة خارجية معتدلة، تهدف إلى الحفاظ على السلام العالمي، وإلى إزالة أسباب التوتر وإلى مكافحة الإرهاب. وفي هذا السياق، لا بد أن أشيد بمواقف إيطاليا الإيجابية من قضية الشرق الأوسط الرئيسية، وهي النزاع العربي ـ الإسرائيلي، ولقد حان الوقت لإنهاء هذه المأساة وتحقيق السلام العادل، الذي يصون حقوق جميع الأطراف، ويقوم على مبادئ الإنصاف وقرارات الشرعية الدولية». وقد سبقت كلمة الملك عبد الله، كلمة رئيس وزراء إيطاليا التي قال فيها «إنه لشرف حقيقي لي أن أرحب بك يا خادم الحرمين الشريفين، وبأعضاء الوفد الرفيع الذي قدم في معيتكم، وأن أعرب لكم عن أمنيتي الحارة أن تعطي زيارتكم هذه زخماً إضافياً ودعماً لصداقتنا الكبيرة. إن هذا ثاني لقاء يجمعني بكم خلال هذه السنة، الأمر الذي يؤكد أواصر الصداقة المتنامية التي تربط بين بلدينا، كما يؤكد ما شهدت علاقاتنا من تقوية، والتشاور المثمر المستمر بيننا في المواضيع الأساسية التي تشهدها الساحة الدولية. أحمل ذكرى محببة من زيارتي الأخيرة للمملكة العربية السعودية التي قمت بها في شهر أبريل الماضي، وأذكر بسعادة الحفاوة البالغة التي خصصتموني بها في تلك المناسبة، والتي أود أن أشكركم عليها مرة أخرى جزيل الشكر.

اعتباراً للوضع الحرج القائم في الوقت الراهن على الساحة الدولية، أعتقد أن المشاورات المستمرة بيننا، تأتي الآن في لحظة جد مناسبة. فنحن اليوم نجد أنفسنا في مواجهة تحديات قديمة وأخرى جديدة.. المسألة الفلسطينية والمواجهة العربية الإسرائيلية، فضلاً عن الأزمة المؤسساتية اللبنانية والإرهاب والوضع في العراق وعلامات الاستفهام التي يطرحها البرنامج النووي الإيراني.

إنها تحديات تفرض اختباراً صعباً على قدراتنا كزعامات سياسية وكحكام وتحتم علينا أن نضاعف جهودنا الرامية لتحقيق السلام ودعم الحوار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي يجب أن يواكبها دائماً بُعد ثقافي يهدف إلى تخطي ما قد ينشأ من سوء تفاهم وإلى تقوية التسامح المتبادل.

وعلى وجه الخصوص، يأتينا شهر نوفمبر الجاري بثلاثة استحقاقات بالغة الأهمية وحاسمة يتوقف عليها مستقبل إمكانية دعم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بشكل أكثر صلابة ودواما.

الاستحقاق الأول يعني لبنان، حيث نتمنى أن ينجح البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال الأمد الذي يحدده الدستور. وفي اعتقادنا يجب أن يحظى رئيس الدولة في لبنان بأوسع أغلبية وأن يمثل كل القوى السياسية الموجودة في البلاد. إن إيطاليا والمملكة العربية السعودية حريصتان على الحفاظ على تواصل مستمر، يرمي إلى دعم الحوار وتشجيع القوى السياسية اللبنانية على بلوغ حل وسط يصب قبل كل شيء في مصلحة الشعب اللبناني، الذي أنهكته الحرب الأهلية وحرب عام 2006.

أما الاستحقاق الحاسم الثاني، فيعني المسألة الفلسطينية. فنحن نعلق آمالاً كبيرة في أن يتمكن مؤتمر «أنابوليس» الذي دعا الرئيس بوش لعقده في تشكيل لحظة التحول التي طال انتظارها لتطلعات الشعب الفلسطيني في أن يعيش في دولة ذات سيادة قادرة على الحياة ومتمتعة باستمرارية جغرافية، تعيش في سلام وأمن إلى جانب دولة إسرائيل. دولة معترف بها من قبل كل دول المنطقة. إن الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء أولمرت يمضيان معاً إلى الأمام بحوار متواصل. ومن «أنابوليس» يجب أن تتولد اتفاقات صلبة تضع حداً بشكل نهائي لهذا الصراع، الذي ما فتئ حجر الزاوية الذي يتوقف عليه السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. إن آمالنا للمؤتمر بالنجاح تتوقف أيضاً على مشاركة كل الدول المهمة التي تلعب دوراً في عملية السلام. أخيراً سيأتينا شهر نوفمبر بتقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي سيطلعنا على الوضع على صعيد تعاون إيران في توضيح بعض جوانب برنامجها النووي، التي أثارت انزعاجاً كبيراً ومشروعاً. وسيشكل هذا الموعد نقطة حاسمة لفهم نية إيران الحقيقية في التعاون مع المجتمع الدولي. وأود هنا أن أؤكد ثانية حق إيران الكامل في تطوير برنامج نووي سلمي وفي ذات الوقت حق المجتمع الدولي في التحقق بصرامة ـ عبر الأدوات القانونية الموجودة ـ من الطبيعة السلمية لذلك البرنامج. وأغتنم هذه الفرصة، لأؤكد مرة أخرى معارضة إيطاليا لأي حل عسكري. فإضافة إلى أن هذا الأخير لن يحل الأزمة، فإنه سيؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي من شأنها زعزعة استقرار المنطقة برمتها.

إن المملكة العربية السعودية بفضل سماتها الخاصة كمهد للإسلام، لعبت دائماً دوراً مؤثراً وذا مكانة في تشجيع السلام والاستقرار في المنطقة، عبر مقاربة معتدلة وذكية في التعرض للمشاكل المختلفة، التي تعاني منها المنطقة. وقد أثبتت المملكة قدرتها على لعب دور أساسي في تخفيف التوتر وتشجيع الحوار. فهذا ما قامت به في لبنان، حيث دعت بعض القوى السياسية للاعتدال. وهو أيضاً ما قامت به على صعيد المسألة الفلسطينية، التي يمكنها الآن بفضل بعد النظر الذي اتسمت به مقترحات الملك عبد الله أن تستفيد من مبادرة بيروت العربية، التي تشكل إحدى المرجعيات الأساسية لبناء مسار للسلام. وهي تقوم بهذا الآن في الملف الإيراني بالحفاظ على حوار متواصل مع طهران لتشجيع التوصل لحلول مرضية عبر المفاوضات.

وتحت قيادة الملك عبد الله الحكيمة لعبت المملكة العربية السعودية، دوراً أكثر فاعلية في المسائل الدولية. ونحن نستقبل هذا التطور بالكثير من الرضا، ونتمنى له أن يستمر، وعياً منا بأن حكمة الملك عبد الله واتزانه، يزيدان بلا شك فرص حل الأزمات المختلفة التي ما فتئت مفتوحة في المنطقة بشكل منسق ومتناغم.

إن المحادثات حول المسائل الحساسة والمعقدة التي يواجهها الشرق الأوسط التي عقدناها إبان هذه الزيارة ـ والتي جاءت مكملة للمشاورات المتواصلة والمعمقة التي نمضي بها قدما على أعلى مستوى ـ جاءت مؤكدة لأمر، أود أن أشيد به بسعادة بالغة هذا المساء، ألا وهو أن حكومتينا تقفان جنباً إلى جنب، بشكل له مغزى كبير، حيث تتقاسمان رؤية شاملة في البحث عن أنسب الحلول للأزمات الصعبة والمتكررة التي يتعين علينا مواجهتها بشكل متواصل لضمان السلام والاستقرار للمنطقة. رؤية شاملة تقوم على تشجيع أسلوب الحوار والبحث عن حلول سلمية للنزاعات. أي المبادئ التي ينبغي أن تكون واضحة جلية للجميع، وإن كان الواقع الدولي، خاصة في الشرق الأوسط، يفرض علينا التذكير بها بشكل متواصل.

وهذا المساء ينبغي أن نشيد بشكل خاص بما تحققنا منه من تمكن إيطاليا والمملكة العربية السعودية في هذه الزيارة التاريخية، من تمتين آفاق واسعة ومتنوعة لنمو علاقاتهما الثنائية.. فكل المؤشرات تبرهن على التقدم الكبير المنجز على صعيد العلاقات الثنائية، وعلى أننا قد بدأنا مساراً إيجابياً وناجعاً ينبغي أن نمضي به قدماً بكل ما يتطلب هذا من تصميم وشجاعة.

لقد وقعنا اتفاقيات ومذكرات تفاهم بالغة الأهمية من شأنها تقوية تعاوننا وفتح مسارات جديدة للتعاون.. من قطاع الصحة إلى التبادل بين الجامعات إلى التكوين المهني، مروراً بالاستثمارات الإنتاجية والتعاون في قطاعات الأمن الداخلي والدفاع والعلاقات بين المؤسسات والمواطنين. إن المملكة العربية السعودية قد انطلقت ببرامج عملاقة في قطاع البنية التحتية والتوسع الاقتصادي. وهذا المساء نجد بين الحاضرين معنا ممثلي أهم الشركات الإيطالية، التي تشكل فخر قطاع الأعمال في إيطاليا. وبعد ظهر اليوم (أمس) بمناسبة اجتماع مجلس الأعمال المشترك تعرضنا للدعامات الأساسية لتعاوننا الاقتصادي. إن إيطاليا تتمتع بتاريخ عريق ومتميز لحضور شركاتها ومؤسساتها في المملكة العربية السعودية. وستكون تجربتنا وقدراتنا التكنولوجية على أهبة الاستعداد لمرافقة مشاريع التنمية الكبرى، التي بدأتها المملكة وتلك التي تتأهب للانطلاق بها.

وانطلاقاً من الشعور بالارتياح الذي يغمرني لهذه النتائج المهمة، مدفوعاً بآفاق هذا المستقبل المبشر، أود أن أدعو كل أعضاء الحكومة الإيطالية ومعاونيهم للمضي قدماً على هذا المسار.. فالالتزام الذي ننشره اليوم سيأتي بأكله ليس فقط لشعبينا، بل أيضا لشعوب كل الدول التي ستختار اتباع نموذجنا.

وعلى ضوء هذه النجاحات، التي تأتي ثمرة لعمل مشترك دعمته صداقة عميقة وثقة متبادلة، أود أن أعرب مرة أخرى عن أعمق مشاعر الصداقة والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وللشعب السعودي النبيل والباسل، الذي يتقاسم معنا الالتزام في مواجهة التحديات الكثيرة التي يفرضها علينا الوضع الدولي الراهن بدعم السلام والاستقرار الإقليميين وبالتأكيد والتشديد على نشر مناخ أقل توتراً وأكثر هدوءاً في العلاقات الدولية، وبتمتين العلاقات الممتازة التي تربط بين بلدينا العظيمين».

وحضر حفل العشاء أعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين، وأعضاء الحكومة الإيطالية.