الصفدي: الأكثرية لن تتنازل عن رئاسة الحكومة في أية تسوية وأنا و«التكتل الطرابلسي» نرشح سعد الحريري لرئاستها

قال لـ«الشرق الأوسط» إن المطلوب هو رئيس يمثل المسيحيين وثوابت «14 آذار» وقيمها

محمد الصفدي
TT

أكد رئيس «التكتل الطرابلسي» النيابي أحد اركان فريق «14 آذار» وزير الاشغال العامة اللبناني محمد الصفدي لـ«الشرق الأوسط» ان فريق الاكثرية «لن يتخلى عن رئاسة الحكومة في اي تسوية قد تحصل مع المعارضة». ووضع حدا لكل «الهمس» الذي دار حول موقف التكتل الرافض لنصاب النصف زائدا واحدا في الانتخابات الرئاسية وارتباطه بـ«طموح شخصي» لترؤس الحكومة بالتأكيد انه يعتبر أنّ الرجل المؤهّل لقيادة الحكومة في هذه المرحلة هو زعيم الأكثرية النيابية ورئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، مشيرا الى ان هذا يقتضي انتخاب رئيس جمهورية ماروني «يمثّل المسيحيين فعلاً ويكون قادراً على استعادة موقع الرئاسة ويشكّل مع الحريري ثنائي الاستقلال الجديد».

وأكد الصفدي ان «التكتل الطرابلسي» «تجاوز» ما حصل عقب حديثه الاخير لـ«الشرق الاوسط» والذي اعلن فيه رفضه المشاركة في الانتخابات الرئاسية بالنصاب العادي وما استتبعه من حملات شنت عليه واستهدفت وحدته، جازما بان التكتل قرر الاجتماع في الايام العشرة الاخيرة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية لاتخاذ الموقف المناسب من النصاب، مؤكدا انه سيبقى شخصيا على موقفه المبدئي والثابت بعدم المشاركة في جلسة «النصف زائدا واحدا». وفي ما يأتي نص الحديث:

* ما هي حظوظ التوافق في ظل المساعي القائمة؟

ـ خمسون في المائة حتى اللحظة الراهنة.

* الا ترى في الاندفاعة العربية ـ الدولية عاملا مساعدا؟

ـ من المؤسف اننا كلبنانيين لم نتمكن من استكمال انتفاضة الاستقلال بتحويل لبنان من ساحة صراع الى وطن سيّد مستقل في قراره وخياراته، ما انعكس سلباً على لبننة الاستحقاق الرئاسي. كنا نتمنى ان يُصنع الرئيس حصراً في لبنان او على الاقل ان تكون المساهمة الاساسية فيه للبنانيين. لكن واقع الحال اظهر، ويا للأسف، دخول الاستحقاق في التجاذبات الدولية والاقليمية التي تشهدها المنطقة من العراق الى فلسطين الى لبنان الى السلاح النووي الايراني وانعدام آفاق التسوية الجدية في المنطقة مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي لهضبة الجولان ومزارع شبعا.

نتيجة لهذا الواقع فان اي حوار او اي مسعى لإيجاد بداية تفاهمات على تلك المسائل ينعكس ايجاباً على الساحة اللبنانية وبالتحديد على الاستحقاق الرئاسي. لذلك نشجع جامعة الدول العربية على ان تقوم بدور اكثر فعالية في الدفع الايجابي للعلاقات السورية العربية لاسيما مع المملكة العربية السعودية ومصر، على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي والتبني الحقيقي والفعلي لمبادرة السلام العربية التي اطلقها جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتبنَّتها القمة العربية في بيروت. كما انني انظر ايجاباً الى التحرك الفرنسي منذ لقاء سان كلو وصولاً الى التحرك الاخير للرئيس نيكولا ساركوزي في واشنطن لاسيما انني اعتقد بان الفرنسيين مؤهلون جداً لفهم التركيبة اللبنانية وتوازناتها. كما انظر بايجابية كبيرةالى التحرك الاخير لخادم الحرمين الشريفين ولاسيما لقائه التاريخي مع البابا بنديكتوس في الفاتيكان.

* ألا تعتبر موافقة الاكثرية على «تسوية» تنازلاً وخسارة؟

ـ النظام اللبناني ديمقراطي توافقي مبني على التسوية التي تفترض عدم شعور اي مكون اساسي من مكونات الوطن بانه مهمّش او مغلوب. في المبدأ اتمنى ان يكون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المقبلة من فريق «14 آذار»، لكن التسوية قد لا تجعل هذا الخيار مُتاحاً. لذلك ارى ان رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية في هذه المرحلة يشكّلان بطاقة واحدة. وبما اننا نعتقد ان تولي النائب سعد الدين الحريري رئاسة الحكومة في هذه المرحلة اكثر من ضرورة فقد يصبح ضروريا انتخاب رئيس يحمل قيم ومبادئ وثوابت «14 آذار» إن لجهة احترام قرارات الشرعية الدولية ووضع خارطة طريق لتنفيذها لبنانياً، او لجهة معالجة ازمة العلاقات مع سورية على قاعدة الاحترام المتبادل لسيادة الدولتين وإيجاد حل وطني لسلاح المقاومة واسترداد الدولة لقرار الحرب والسلم.

* بالعودة إلى مؤتمر سان كلو، من أي اعتبارات انطلق موقف «التكتل الطرابلسي» آنذاك؟

ـ موقف التكتل الطرابلسي في سان كلو كان محاولة اختراق للجمود والقطيعة التي أقامت جداراً بين 8 و 14 آذار وقسّمت الشعب اللبناني. لذلك، أخذنا المبادرة انطلاقاً من موقعنا في «14 آذار» التي نحن في أساسها وصلبها. جوهر المبادرة هو التمهيد لإعادة وصل الحوار المقطوع بين اللبنانيين. وانطلقنا من مسلّمات دستورية وأعراف برلمانية ومن روح الميثاق الوطني الذي رعته المملكة العربية السعودية في الطائف. طرحنا الالتزام بضرورة حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب سنداً للمادة 49 من الدستور، ليس فقط من أجل الالتزام بالنص ولكن خصوصاً لأنّ مبدأ الثلثين يلزم الأطراف بالحوار والتواصل ذلك أنّه لا يوجد فريق واحد يملك الثلثين، ولأنّنا نحن مقتنعون بأنّ لبنان هو بلد تسوية. هذا هو جوهر اتفاق الطائف الذي نتج عن تسوية دولية عربية رعتها المملكة العربية السعودية. نحن في «14 آذار» لم نناقش على مستوى القيادات مسألة تفسير المادة 49 لجهة مشاركة الثلثين أو النصف زائداً واحداً. لا بل يجب الإشارة إلى رموز أساسية في «14 آذار» نتشارك معهم في مبدأ الثلثين منهم الأستاذ غسان تويني عميد النواب والنائب بهيج طبارة، وهو وزير العدل السابق وأقرب المقربين الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب روبير غانم رئيس لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي. أكثر من ذلك، نحن طالبنا بالثلثين من أجل الانتخاب وليس عدم الانتخاب. ليس هناك من فراغ لأنّ الحكومة موجودة وشرعية ودستورية. ولكن عدم انتخاب رئيس يعني أن الأزمة أصابت النظام السياسي. والدفع باتجاه النصف زائداً واحداً هو خراب البلاد وهو السيناريو الأسوأ الذي دعت الوزيرة رايس إلى تجنّبه وحذّرت المعارضة من دفع الأكثرية باتجاهه لأنّه خارج إطار الدستور ويقوّض برنامج «14 آذار».

* اثيرت عواصف عديدة حول موقف التكتل الاخير وشكوك حول وحدته بسبب الموقف من النصاب، فهل لا يزال التكتل موحدا؟

ـ وضع التكتل جيد ومتماسك. والتنوع يغنيه ويزيد من فاعليته السياسية. كل شخص ادلى برأيه وشرح كيف اتخذ موقفه حينها. وقد تخطينا هذا الموضوع . هاجسنا هو ضرورة انتخاب الرئيس. واذا استمر تعطيل جلسات الانتخاب فسيجتمع التكتل في الايام العشرة الاخيرة لاتخاذ موقف موحد. وفي حال تعذر ذلك سنترك الخيار وفقا لاقتناع كل واحد منا. وانا سأبقى شخصيا على موقفي المبدئي والثابت بعدم المشاركة في جلسة بالنصف زائدا واحدا.

* ماذا يعني الرئيس التوافقي؟

ـ ليس صحيحاً ما يزعمه البعض من أن الرئيس التوافقي هو حكماً رئيس ضعيف أو من خارج «14 آذار». ..نحن في التكتل الطرابلسي نريد رئيساً وفاقياً قوياً يجمع في تطلعاته السياسية وصدقيّة شخصيته كلّ المكونات السياسية في الحياة العامة في لبنان. نريد رئيساً قادراً على أن يكون فعلا رمزاً لوحدة الوطن ويجمع اللبنانيين في دولة موحّدة سيّدة حرّة مستقلّة. لا يساوم على سيادة الدولة اللبنانية ولا يتنازل عن قرارها الحرّ ويؤمن بضرورة بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بواسطة جيشها دون سواه ويسعى بإصرار الى إدخال سلاح المقاومة في إطار آلية حلّ تتفق عليه القيادات اللبنانية في مؤتمر حوار يرعاه الرئيس المنتظر. ونريد رئيساً يستطيع أن يحارب الفساد والفاسدين والمفسدين وأن يفرض مبدأ المحاسبة والمساءلة وفقاً لأحكام القانون وعبر المؤسّسات الدستورية. ويحرص على مواكبة المحكمة الدولية لكشف هوية قتلة شهداء الوطن بدءاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى الزميل الشهيد أنطوان غانم. هذا هو الرئيس الذي يجعل لبنان قوياً، فلبنان الضعيف عالة على العرب ولبنان القوي سند للعرب. هو لا يكون قوياً الا بتوافق داخلي وتفاهم عربي حوله.

* ما هو المطلوب من المعارضة في عملية التسوية؟

ـ المطلوب من الأقلية البرلمانية أن تلاقينا في منتصف الطريق لأنّ عدم انتخاب الرئيس يضرب الصيغة اللبنانية ويطرح على بساط البحث مصير اتفاق الطائف ويعطّل الحكم. وهذه ممارسة غير ديمقراطية وغير توافقية. من هنا ضرورة الحوار مع المعارضة للتوافق على مرشّح للرئاسة. نحن من جهتنا تقدّمنا بمرشحين نعتبرهما توافقيين. ومستعدّون للاتفاق مع المعارضة على مرشّح واحد من بينهما. ونطلب منها أن تحدّد مطالبها والالتزامات التي تريدها من مرشح «14 آذار».

* كيف تنظر إلى دور الطائفة السنية في الحفاظ على وحدة لبنان؟

ـ بقدر ما كانت صيغة الميثاق الوطني في العام 1943 بقيادة مارونية، كان الشريك السني هو رمز الوسطية والاعتدال في لجم بعض الرهانات التي كانت تريد أخذ لبنان إلى خارج بيئته العربية. كما أنّ الطائفة السنية بحكم وجودها في المدن اكتسبت أصول الديمقراطية والانفتاح والتقاطع مع الآخر من بقية الطوائف. نحن لا نخاف من الآخر في لبنان بل نحن الأكثر قبولاً للعيش المشترك والانفتاح. هذه الروح هي التي انتجت الاعتدال والوسطية. ليست لدينا عقدة الأقلية، كنا ولا نزال قادرين على أن ننفتح. وليس مصادفة أنه في تاريخ لبنان الحديث كان رموز الاعتدال والوسطية من السنّة وكانوا في الحكم من رياض الصلح الذي حصّن الاستقلال مع بشارة الخوري إلى رشيد كرامي رجل الدولة مع فؤاد شهاب إلى رفيق الحريري رجل الطائف وتجديد الميثاق ورجل الإعمار الذي أعاد لبنان إلى الخريطة الدولية. وليس من باب المصادفة أن يكون الثلاثة قتلوا ودفعوا دمهم ثمناً.

* كيف تنظر إلى الحكومة التي أنت عضو فيها؟

ـ أعتقد أن حكومة الرئيس السنيورة أدّت دورها في ملء مرحلة ما بعد الاغتيال واستعادة السيادة وتمرير سنوات الولاية الممددة قسراً للرئيس لحود. علماً أنّه كان بإمكان هذه الحكومة أن تعطي أكثر، لكنها ظلمت نتيجة محاولات التعطيل والتجاذبات واستمرار التدخلات بالشؤون اللبنانية واستمرار الاغتيالات والحرب الإسرائيلية وتعطيل مؤسسة مجلس النواب ومحاولات البعض الاستفراد بالسلطة. من هنا، فإنّ المرحلة الآتية تتطلّب حكومة تقوم على الثقة بين المشاركين فيها وانتفاء الحاجة إلى بدعة الثلث المعطّل وحكومة تشكل مع الرئيس الوفاقي فريق عمل، حكومة تعيد الاعتبار لمبدأ الشراكة بين الطوائف دون أن يصادر أيّ طرف دور الطرف الآخر.

* كيف تنظر إلى دور المملكة العربية السعودية في لبنان؟

ـ لبنان، حكومة وشعباً، يعتزّ بدور المملكة ويقدّر دعمها المتواصل للشعب اللبناني. المملكة لم تكن إلا صمام أمان ودعم وعطاء منذ عهد جلالة الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد رحمهم الله، وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز، أطال الله عمره. لبنان ما كان قادراً على أن يصمد في الظروف الصعبة لولا الدعم اللامحدود للمملكة العربية السعودية. وأهم من ذلك، فإنّ الحكمة السعودية تمثّلت برعاية الاعتدال والانفتاح والتوافق بين اللبنانيين. وهذا هو العطاء الأثمن. هذه سياسة المملكة في لبنان. هذا هو جوهر تحرك سعادة السفير عبد العزيز خوجة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله. إنّ اللبنانيين يحفظون المودّة والوفاء للمملكة العربية السعودية. وأصوات النشاز التي صدرت لا قيمة لها ولا معنى. وهي مرفوضة ومدانة.