رايس تواجه انتقادات داخل وزارتها والعاملون يعتبرونها متباعدة على عكس سلفها باول المحبوب

كبار مساعديها يدافعون عنها ويؤكدون أنها واجهت قضايا صعبة تجنبها أسلافها

TT

بعد فترة قصيرة من تولي كوندوليزا رايس مسؤولية 57 ألف شخص يعملون في وزارة الخارجية في عام 2005، قالت انها تستمتع بتحمل المزيد من المسؤولية بقيادة منظمة كبيرة. وقالت في مقابلة «أستمتع بذلك حقا. بعض من افضل الاوقات لدي هي ميزانيتي واعادة النظر في المستويات الادارية العليا».

وبعد ثلاث سنوات، تتعرض رايس الى انتقادات من داخل وخارج وزارة الخارجية بسبب عدد من الازمات التي تعتبر ذات طبيعة ادارية، بينها الفشل في مراقبة الحرس الأمني الخاص في العراق، والتأخير في افتتاح السفارة العراقية الضخمة في بغداد ومقاومة بعض كبار العاملين في الوزارة لإجبارهم على الخدمة هناك. وفي فصل الصيف فشلت الوزارة فشلا كبيرا في اصدار جوازات جديدة مما ادى الى مشاكل في من عطلات المواطنين الاميركيين.

وفي الوزارة، تعتبر وزيرة الخارجية بين العديد من العاملين كشخصية متباعدة تعتمد على مجموعة محدودة من المساعدين، مما يجعلها بعيدة عن باقي العاملين، مقارنة بسلفها كولن باول، جنرال الجيش المتقاعد الذي كان يستمتع بمديح العاملين لمعاملته لهم وكأنهم «قواته». وفي آخر لقاء لها مع العاملين في الوزارة قبل عامين ونصف العام قالت رايس «أعتبر نفسي رئيسة الإدارة لهذه الادارة». الا ان استطلاعا لجمعية العاملين في وزارة الخارجية الاميركية اشار الى ان الاغلبية العظمى منهم لم تشعر بأنها تحميهم.

وتجدر الاشارة الى ان الضجة الاخيرة حول اجبار العاملين للقيام بمهام في العراق قد اكدت المقاومة الداخلية لأسلوبها الاداري. وقال مسؤول في الوزارة «شخصيا لا أحب اسلوب التهديد في الادارة. هذا ليس ما تهدف اليه وزارة الخارجية».

ويجادل كبار المسؤولين في الوزارة حول مثل هذه الاتهامات، الا انهم يعترفون بأن رايس قد انتقلت بسرعة للتعامل مع المشاكل الناشئة في الوزارة بالرغم من برنامجها المرهق خارج الولايات المتحدة. وقال جون نغروبونتي الذي اشار الى انه المسؤول الاداري في الوزارة «اذا ما وضعنا في الحساب ما لديها من مسؤوليات، السفر والاتصالات مع القادة الاجانب والاجتماعات في البيت الابيض، لا يمكنني الا الاعجاب بكيفية التزامها بالقضايا الادارية الرئيسية».

وفي جلسة استماع مثيرة للجدل في لجنة الاشراف والشؤون الحكومية في مجلس النواب الشهر الماضي، سأل المشرعون رايس بطريقة استفزازية بخصوص ما وصفه احدهم نقصا خطيرا في الادارة. وفي سؤال حول اشرافها بخصوص شركات الامن الخاصة التي تستخدمها الوزارة، قدمت رايس اجابة، تبدو بالنسبة لعدد من النواب انها تتجنب المسؤولية: «من المؤكد أنني آسفة لعدم وجود نوعية الإشراف التي كان من الممكن الاصرار عليها».

وتعرضت إدارة رايس سابقا إلى انتقادات حادة. فخلال عملها كمستشارة للرئيس بوش للأمن القومي في فترة حكمه الأولى تعرضت لانتقادات من عدد من العاملين في البيت الأبيض بسبب سماحها لعملية معطوبة في صياغة السياسات بينما كانت هناك معارك ضارية تدور ما بين أعضاء في إدارة بوش.

وبالنسبة لوزارة الخارجية فقد دفعت باتجاه بذل جهود طموحة لإعادة صياغة توزيع المساعدات الخارجية وتحويل وظائف دبلوماسية أساسية في أوروبا صوب القوى البارزة حديثا مثل الصين والهند. وتمت مراجعة المساعدات الخارجية حيث صادقت رايس بنفسها على تقديمها بلدا بلدا، وانتقدت من قبل المشرعين ضمن وزارة الخارجية بسبب أنها كانت تبدو ميالة إلى التقليل من أهمية النصائح التي يقدمها الخبراء في المجال. وتم تنفيذ التحول في الوظائف بسرعة بحيث أنه كان ضروريا إخبار أولئك الذين وعِدوا بمناصب في باريس وأماكن أخرى أخبروا فجأة أن تلك المناصب ما عادت موجودة. وقالت هنريتا فور وكيلة وزير الخارجية لشؤون الإدارة إن 285 وظيفة في الخارج تم تحويلها حتى الآن مع 85 أخرى جرى تحديدها كي يتم تحويلها.

وقال المدافعون عن رايس إنها واجهت قضايا صعبة كان وزراء الخارجية السابقون يتجنبونها لأنهم كانوا لا يريدون أن يخلقوا انشقاقا. وقالوا إنها واجهت عوائق بسبب حقيقة أن منصب وكيل وزير الخارجية ظل شاغرا لمدة ثمانية أشهر بعد استقالة روبرت زويلك في يوليو 2006 (تموز). وظلت رايس تجاهد لملء المنصب أشهرا، حتى قدوم نغروبونتي في هذه السنة.

وقبل ذلك كانت رايس قد أنشأت مكتبا في الوزارة في الطابق السابع من المبنى، وهو شبيه لما كان سائدا في فترة جيمس بيكر الذي يعد أنجح وزير خارجية، وكان قد عمل خلال فترة حكم جورج بوش الأب. وكان بيكر يعتمد على عدد صغير من المسؤولين الكبار لرسم السياسة. لكن المساعدين قالوا إن رايس تميل إلى اعتبار نفسها خليفة لوزير خارجية آخر هو جورج شولتز الذي عرف باستماعه إلى هموم البيروقراطيين.

وحينما لا تسافر رايس تلتقي عند الساعة الثامنة صباحا خلال أيام العمل بعدد صغير من المساعدين الكبار لمدة نصف ساعة لرسم نهار عملها، قبل أن تلتقي بمسؤولين كبار آخرين. وفي المساء تجري اجتماعات مع أقرب مساعديها لمراجعة الخطة مسبقا. وقال توم كيسي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن رايس تقوم بزيارة المكاتب التي يبلغ عددها حوالي عشرين داخل وزارة الخارجية ومنذ مارس الماضي بدأت تجتمع بما يقرب من عشرة من مسؤولي المكاتب للاستماع إلى آرائهم.

ويقارن بعض العاملين القدماء في وزارة الخارجية إدارة رايس بشكل سلبي عند مقارنتها بإدارة كولن باول الذي احتل المنصب خلال فترة حكم الرئيس بوش الأولى حيث كان ينظم اجتماعات يومية لعدد أكبر من العاملين في الوزارة. أما رايس فقلصت الاجتماعات إلى ثلاث في الأسبوع. وتقوم باجتماعين مصغرين في الأسبوع مع وكلاء الوزارة وأمناء اقليمييين مساعدين. وبعكس باول الذي كان شرها في استخدام الرسائل الالكترونية لا تستخدم رايس هذا النوع من الاتصالات.

وعمل باول عن كثب مع نائبه ريتشارد آرمتياج، الذي تحمل بكل المقاييس جزءا كبيرا من عبء العمل الاداري. وقال مسؤول سابق ان آرمتياج ظل يحاول باستمرار التأكد من العمل بما كان يأتي في المذكرات خلال فترة 24 ساعة، في الوقت الذي لا يتم تنفيذ ما جاء في هذه المذكرات على مدى ايام. وقال جون بولتون، السفير السابق لواشنطن لدى الامم المتحدة والذي عمل مع باول ورايس، ان باول قضى وقتا في التعامل مع القضايا الادارية. جاء في كتاب بولتون الذي صدر في الآونة الاخيرة بعنوان «الاستسلام ليس خيارا» انتقادات لكيفية ادارة رايس للسياسة الخارجية. وقال بولتون ان رايس «نموذج لوزراء الخارجية الاميركيين الذين لا يهتمون بالقضايا الادارية». وبالنسبة لأي مسؤول عن مؤسسة كبيرة تعتبر مسألة لفت الانتباه الى المشاكل امر غاية في الاهمية. فعندما اصبح باول رئيسا لهيئة الاركان المشتركة اصدر مجموعة من القواعد والمبادئ للطاقم العامل معه من ضمنها ان «الأخبار السيئة لا تصبح اخبارا ايجابية بمرور الزمن» و«اذا كانت هناك مشكلة تحت السطح اريد معرفتها في وقت مبكر». ويرى بعض المسؤولين ان مشاكل الخارجية الاميركية تصل الى رايس في وقت مبكر. وقال مسؤول آخر عمل مع كل من باول ورايس ان باول عادة ما كان يوجه الكثير من الاسئلة المفصلة عندما تكون هناك اخبار سيئة، وقال، طالبا عدم ذكر اسمه، ان هناك فارقا كبيرا بين باول ووزيرة الخارجية الحالية. وأضاف قائلا ان لباول اسلوبا كان قائما على أساس تشجيع الآخرين على التحدث حول مشاكلهم. وقال مسؤول ثالث عمل مع كليهما انه عقب خطأ من جانب مساعد لوزير الخارجية تسبب في تغطية اخبارية سلبية لمدة أيام تعامل باول مع ذلك الشخص بصورة مهذبة. وعلى النقيض من ذلك، كما يقول هذا المسؤول، تصاب رايس بحالة غضب حتى في حالة حدوث هفوات صغيرة وتطلب غاضبة توضيحا من المساعد. وقال المسؤول ايضا ان «توبيخ شخص على هذا النحو يضر بمعنويات الشخص ولا يشجع الآخرين على الإفصاح عن الأشياء او السلبية». وفي تغير من المحتمل ان يحد من ظهورها في بقية أنحاء مبنى الوزارة، اتخذت رايس قرارا بتحويل المؤتمرات الصحافية الى الأدوار العليا من المبنى الرئيسي للخارجية. وفي الوقت الذي كان فيه باول يعقد المؤتمرات الصحافية خارج المبنى، بعد ان يصطحب المسؤولين الأجانب، ترغب كوندوليزا رايس في ان تجرى هذه اللقاءات في موقع اكثر ابهة. ويتذكر المسؤول قائلا ان باول عندما ينتهي من لقاءات مع مراسلي اجهزة الإعلام كان يتحدث على سبيل الدردشة مع العمال وطاقم العاملين والموظفين العاديين في الوزارة. ويختلف كبار المسؤولين مع وجهة النظر التي تقول ان رايس تعاني من عزلة. وفي هذا السياق يقول بات كنيدي، مدير مكتب سياسات الادارة بوزارة الخارجية، ان من يشغل هذا الموقع «يتلقى المعلومات لأنه يسأل ولا يغلق الباب»، وأضاف قائلا انها «منفتحة للنقاش وتوجه خلال الاجتماعات اسئلة واضحة ومحددة».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»