مسؤولون أميركيون: تاجر عراقي متورط بفقدان أسلحة خصصت للقوات العراقية

أفادوا بأنه باعها في السوق السوداء وإلى ميليشيات

TT

بينما كان التمرد في العراق يتصاعد في ربيع عام 2004، ائتمن المسؤولون الأميركيون رجل أعمال عراقيا على توزيع اسلحة على افراد الشرطة العراقية الذين يتدربون للمساعدة في ايقاف العنف. ووفق كل الحسابات فان رجل الأعمال قاسم الصفار، الذي شارك في الحرب العراقية ـ الايرانية، أدى مهمته على نحو جيد في توزيع الأسلحة التي وفرتها وزارة الدفاع الأميركية من مستودع اسلحة أكاديمية الشرطة ببغداد الذي كان يديره لصالح شركة مقاولات عسكرية. ولكنه وفقا لما يقوله عاملون مشاركون كان يحول الأسلحة الى سوق اسلحته الخاص مع ما يبدو من اقرار من جانب بعض المسؤولين الاميركيين، حيث يبيع بنادق هجومية من طراز أي كي 47، ومسدسات غلوك ومدافع لكل من يدفع نقدا، سواء كانت الميليشيات العراقية أو حراس الأمن من جنوب افريقيا وحتى المتعاقدين الأميركيين. وقال جون تيسديل، الرقيب المتقاعد في سلاح الجو الذي كان يدير مستودعا قريبا ان «هذا كان أكثر الأشياء جنونا في العالم. كانوا ينقلون الأسلحة بالشاحنات». وتساعد النشاطات في ذلك المستودع ومستودعات اسلحة أخرى على تفسير كيف ان الجيش الأميركي أضاع مصير ما يقرب من 190 ألف قطعة سلاح جهزتها الولايات المتحدة الى قوات الأمن العراقية في عامي 2004 و2005، كما اكتشف محاسبون في العام الماضي. وأدت هذه الاكتشافات الى اجراء تحقيقات جنائية من جانب البنتاغون ووزارة العدل وأثارت مخاوف من أن الأسلحة ربما وقعت بأيدي أعداء واستخدمت ضد القوات الأميركية. وحتى الآن لم ترتبط اسلحة مفقودة بحالات قتل لأميركيين، ولكن المحققين يقولون انه في بلاد تنتشر فيها الأسلحة قد يكون من المستحيل ملاحقة مصير الأسلحة والى أين انتهت.

وبينما لا يزال يتعين على وزارة الدفاع ان تقدم تقريرها حول هذا الموضوع، فانه من الواضح عبر المقابلات التي أجريت مع 24 من المحققين المدنيين والعسكريين، والمتعاقدين ومديري المستودعات وآخرين ان الوضع العسكري كان مسعورا أحيانا وكانت الفوارق بين القانوني وغير القانوني تضمحل، وسلمت مليارات الدولارات الى قيادات عسكرية بدون إشراف مناسب.

وفي المستودع الذي كان يترأسه الصفار، على سبيل المثال، كانت تعاملاته غامضة. وقال ان كثيرا من شحنات الأسلحة خرجت من المستودع من دون موافقته وبدون السجلات المطلوبة.

وقال تيد نوردغاردن، الذي كان يعمل مسؤولا عن التجهيزات في الأكاديمية، ان معظم الأسلحة التي كان يراها تغادر المستودع كانت تذهب برفقة قافلة عسكرية. من ناحيته، ينفي الصفار قيامه بأي عمل خاطئ، بما في ذلك تعاملات بالأسلحة. وقد اختفت شحنة اسلحة تضم ثلاثة آلاف مسدس من طراز غلوك موجهة الى الشرطة العراقية خلال أسبوع عندما بيعت في السوق السوداء، وفقا لمسؤول اميركي معني بتوزيع الأسلحة. وقالت مصادر عسكرية اخرى ان الأسلحة يمكن أن توفر ما بين خمس الى سبع مرات على الراتب الذي يتقاضاه رجل الشرطة شهريا والبالغ 200 دولار. ويقول قادة عسكريون أميركيون ان حراس الامن العراقيين متهمون بسرقة المئات من قطع الأسلحة في العام الماضي في حوالي عشر عمليات سرقة كبرى في مستودعات اسلحة في التاجي وأبو غريب. وهناك دلائل على ان بعض الأسلحة الأميركية وقعت في ايدي رجال حرب العصابات الذين يشنون هجمات ضد تركيا. وقال محققون ان ذلك حدث بسبب ان مجهزي الأسلحة في مناطق الحروب لا يطلب منهم ارقام متسلسلة مسجلة، ومن غير المحتمل أن تتمكن السلطات من اعطاء معلومات عن وجهة ومصير الأسلحة.

وتم منح الكثير من هذه الأسلحة حينما كان الجنرال ديفيد بترايوس مسؤولا عن تدريب قوات الامن العراقية وتزويدها بالأسلحة قبل أن يصبح قائدا للقوات الأميركية في العراق، وجرى ذلك في عامي 2004 و2005. وقال الجنرال بترايوس إنه أثار تسليح القوات العراقية بأسرع وقت ممكن قبل نصب أجهزة التعقب. وقال البنتاغون إنه فرض رقابة أقوى على تعقب الأسلحة، لكن بعض المفتشين قالوا إن المشكلة «تتجاوز عملية التعقب والتسجيل». وأضاف جوزيف كريستوف مدير الشؤون الدولية والتجارة لمكتب محاسبة الحكومة: «كانت هناك تحقيقات قام بها الجنود، حيث كشفوا عن وجود أسلحة بيد العدو مما جعلهم يتساءلون: هل أعطيناهم هذه الأسلحة؟» ووصف الميجور جون اسغريغ الذي عين للإشراف على تسليم الأسلحة للجيش العراقي في عامي 2004 و2005، خطوات توزيع السلاح بأنها متاهة. فحالما تدخل الأسلحة فانها تحتاج إلى أيام حتى يتم إخراجها. وقال إن العاملين في مستودعات الأسلحة قد تغلغل وسطهم أشخاص متعاطفون مع المتمردين وأحيانا تختفي الأسلحة.

وقال راندي هينتون كبير الضباط المسؤولين: «لدينا رجال قتلوا بها قبل أن تتحرك شحنة الأسلحة رسميا. هل هناك أوقات لا يتم التوقيع فيها على كل الاستمارات؟ ربما نعم لكن كانت لدينا مهمة علينا أداؤها، ونحن كنا نقوم بها بأفضل طريقة ممكنة في ذلك الوقت».

وقال الميجور اسغريغ إنه حتى حينما يتمكن هو وزميله الميجور كوكس من إيصال الأسلحة إلى الجيش العراقي، فإنه كان صعبا أن يشعرا بالراحة لذلك؛ فالقادة العسكريون العراقيون غير قادرين على تعقب أسلحتهم، وقدر أن 30% من العدة العسكرية التي قام بتوزيعها هو وزميله كوكس قد وصلت فعلا إلى الجنود العراقيين، وهؤلاء يظهرون يوما للخدمة ثم يختفون في اليوم اللاحق.

وكان الصفار يشرف على ترسانة أسلحة تقع على أرضية اكاديمية شرطة بغداد، وهي تدار من قبل شركة أميركية مركزها في الكويت.

وفي يوليو (تموز) الماضي تم تجميد التعامل مع دائرة اللوجستيكيات الأميركية (التي غيرت اسمها لاحقا إلى لي ديناميكس)، من قبل القيادة العسكرية الأميركية وسط اتهامات ضد الشركة بأنها دفعت مئات الآلاف من الدولارات كرشاوى إلى ضباط مسؤولين عن العقود. وحصلت الشركة على عقود تساوي قيمتها 11 مليون دولار لإدارة خمسة مستودعات خاصة بالأسلحة وأخرى في العراق.

وكان من ذلك المبنى الذي يحتل مساحة 1800 قدم مربع ومجاور إلى حاويات معدنية طولها 400 قدم، يجري الصفار تجارته الخاصة بالأسلحة، حسبما قال بعض من عماله. وباع بنادق عبر السوق السوداء ومنها الأسلحة التي تتم مصادرتها. وقال العامل نورغادن من ولاية ألاسكا: «لم يكن هناك أي شخص لا يعرف ماذا كان الصفار يفعل».

*خدمة «نيويورك تايمز»