واشنطن قدمت مساعدة سرية لباكستان لحماية منشآتها النووية من المتطرفين

رفض باكستان الكشف عن موقع ترسانتها شكك بجدوى المساعدة

صحافيون باكستانيون يتظاهرون أمس احتجاجا على إغلاق قناتين مستقلتين للأخبار (إ.ب.أ)
TT

خلال الاعوام الستة الأخيرة، أنفقت إدارة بوش ما يقرب من 100 مليون دولار على برنامج شديد السرية لمساعدة الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف لتوفير حماية كافية لترسانة البلاد النووية حسبما قال مسؤولون كبار سابقون.

لكن مع الشكوك التي راحت تحوم حول مستقبل القيادة الباكستانية راح النقاش يشتد حول ما إذا كانت واشنطن قد قامت بما فيه الكفاية لحماية الرؤوس والمختبرات النووية وفيما إذا كان تقاعس باكستان للكشف عن تفاصيل مهمة حول ترسانتها النووية قد قلل من فاعلية الجهود المبذولة لحمايتها. وهذه المساعدة المتضمنة في بنود سرية من الميزانية الفيدرالية دفعت كنفقات لتدريب موظفين باكستانيين في الولايات المتحدة ودعم مركز تدريبي لأمن الأسلحة النووية تم إنشاؤه في باكستان، وهو موقع ما زال بعيدا عن الانجاز حسبما قال مسؤولون أميركيون، على الرغم من أنه من المفترض أن يكون في طور العمل هذه السنة.

كذلك اعطيت باكستان كميات كبيرة من طائرات الهليكوبتر ونظارات ليلية من أجل مساعدتها على ضمان امن سلاحها النووي ورؤوس صواريخها ومختبراتها النووية.

وإذا كان المسؤولون الأميركيون يرون أن ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية أمينة ويصدقون التأكيدات الباكستانية التي تقول إن أمن هذه المعدات قد تحسن كثيرا، الا ان الحكومة الباكستانية بقيت متقاعسة عن إطلاع المسؤولين الأميركيين عن مكان تخزين هذه الاسلحة وكيفية استخدامها. وهذا يعود إلى عدم استعداد باكستان للكشف عن مواقع أسلحتها أو كميتها أو أي نوع من الوقود الذري المنتج في باكستان.

وجاء اطلاق البرنامج الأميركي عقب هجمات 11 سبتمبر حينما تدارست إدارة بوش مسألة إشراك باكستان في التعامل مع التكنولوجيا الأميركية المخصصة لحماية الأسلحة النووية الأميركية، وهو نظام يعرف باسم PALS وهو قادر على منع انفجار الأسلحة النووية من دون استخدام شفرات وأذون خاصة.

وبعد مداولات ما بين أعضاء إدارة بوش توصل هؤلاء إلى رفض إشراك باكستان في النظام على الرغم من أن الأميركيين سبق لهم أن أشركوا الروس والفرنسيين فيه. وإضافة إلى ذلك، فإن الباكستانيين يتشككون في أن أي تكنولوجيا أميركية توضع مع سلاحهم النووي قد تمكن الأميركيين من القضاء على فاعلية أسلحتهم.

وإذا كان الكثير من الخبراء النوويين كانوا يؤيدون منح باكستان نظام PALS لأنهم يعتبرون الترسانة النووية الباكستانية الأكثر عرضة لهجوم من قبل الجماعات المتطرفة، فإن بعض المسؤولين في إدارة بوش تخوفوا من أن يؤدي ذلك إلى كشف الكثير من المعلومات عن الأسلحة الأميركية للباكستانيين. وكان هذا الخوف نفسه الذي منع إدارة كلينتون من إشراك التكنولوجيا مع الصين في أوائل التسعينات.

وعلمت صحيفة «نيويورك تايمز» تفاصيل عن البرنامج السري لأكثر من 3 سنوات استنادا إلى مقابلات مع عدد من المسؤولين والخبراء النوويين الأميركيين، وأبدى بعضهم قلقا من بقاء الترسانة الباكستانية عرضة للتدخلات الخارجية وبدون الحماية اللازمة. ووافقت الصحيفة على تأخير نشر مقالة عن الموضوع اثر طلب من إدارة بوش التي ظلت تحاجج بأن أي كشف مبكر قابل لإلحاق الأذى بالجهود الهادفة إلى توفير أمن هذه الأسلحة.

ومنذ ذلك الوقت، نوقشت بعض عناصر البرنامج النووي في الإعلام الباكستاني، وضمن اعتراف الليفتنانت جنرال خالد كيداوي الذي اقر بتسلم بلده «مساعدة» دولية لطمأنة واشنطن من سد كل نقاط الضعف في البرنامج النووي الباكستاني.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز للإدارة الأميركية إنها ستعيد البحث في البرنامج بعد كشفه في باكستان وما أعقبه من تصاعد القلاقل هناك. وفي أوائل الأسبوع الماضي سحب البيت الأبيض اعتراضه على نشر المقال لكنه أكد عدم رغبته بمناقشة تفاصيل البرنامج.

وفي الأيام الأخيرة ظل المسؤولون الأميركيون يؤكدون أنهم واثقون من سلامة الترسانة الباكستانية النووية. وقال الأدميرال مايك مولن رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي: «لا أرى أي مؤشر حتى الآن يدل على أن أمن تلك الأسلحة مهدد لكننا بالتأكيد نراقب الوضع جيدا وهذا ما يجب أن نقوم به».

وجاءت كلمات الأدميرال مايك مولن استنادا إلى تقييمين منفصلين قامت بهما أجهزة الاستخبارات وتوصل أحدهما إلى أن ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية في حالة آمنة تحت الظروف الحالية أما الآخر فتوصل إلى أن المختبرات النووية هي الأخرى آمنة. مع ذلك، ما زال تقاعس الحكومة الباكستانية عن تقديم تسهيلات يحد من الوصول إلى الأسلحة لتقييم الوضع. خصوصا وأن بعض الخبراء الأميركيين قالوا إنهم غير قادرين على تفحص المختبرات النووية حيث يتم إنتاج اليورانيوم المخصب العالي بما فيها مختبر يحمل اسم عبد القدير خان الرجل الذي باع تكنولوجيا باكستان النووية الى إيران وكوريا الشمالية وليبيا.

وتم تصميم البرنامج السري من قبل وزارتي الطاقة والخارجية واستند كثيرا إلى الجهود التي بذلت خلال العقد السابق لتأمين الأسلحة النووية والمخازن في روسيا وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق. وأنفق الجزء الأكبر من الأموال لباكستان على توفير الأمن المادي، مثل بناء أسوار وأنظمة مراقبة وأدوات لتعقب المواد النووية في حال نقلها الى مناطق غير آمنة.

وقال مسؤول سابق كان طرفا في تنفيذ البرنامج خلال مقابلة اجريت حديثا معه: «لقد استغرق الامر وقتا أطول مما يفترض ولن نكون أبدا واثقين مما تم إنجازه حقا». حتى الآن، لم تتجاوز نفقات الولايات المتحدة على برنامج أمن الأسلحة النووي السري 100 مليون دولار وهي أقل من 1% من العشرة مليارات دولار التي قدمتها الولايات المتحدة كمساعدة لباكستان منذ 11 سبتمبر. وأكثر هذه الأموال ذهبت لدعم الانشطة الهادفة إلى محاربة طالبان والقاعدة. وبدأ الجدل حول المشاركة في تكنولوجيا الأمن النووي قبل ان يرسل وزير الخارجية في حينه كولن باول الى اسلام آباد بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر حيث كانت الولايات المتحدة تستعد لغزو افغانستان.

وقال مسؤول كبير معني بالموضوع «كان هناك كثيرون يخشون من انه ما ان ندخل افغانستان فان طالبان ستكون في مسعى للبحث عن هذه الأسلحة». ولكن تحليلا قانونيا وجد ان مساعدة برنامج الأسلحة النووية في باكستان، حتى لو كان ذلك في اطار الحماية، سينتهك القانونين الدولي والأميركي.

ولم يناقش الجنرال مشرف، في مذكراته (على خط النار) التي نشرت العام الماضي، أية معدات أو تدريب او تكنولوجيا قدمت في حينه، ولكنه كتب «كنا تحت ضغط هائل من جانب الولايات المتحدة في ما يتعلق بترسانتنا النووية والصاروخية. واستند القلق الأميركي الى اساسين. الأول انهم انذاك لم يكونوا واثقين تماما من وظيفة الأمن التي اقوم بها، وكانوا يخشون من احتمال أن تضع حكومة متطرفة لاحقة يدها على ترسانتنا النووية الاستراتيجية. والثاني انهم كانوا يرتابون من قدرتنا على حماية ما نمتلك».

وكان الجنرال مشرف اكثر تحديدا في مقابلة أجريت معه قبل عامين في اطار فيلم وثائقي من جانب «نيويورك تايمز» تحت عنوان (الجهاد النووي: هل يمكن للارهابيين الحصول على القنبلة؟) وعندما سئل عن المعدات والتدريب الذي قدمته الولايات المتحدة أجاب «بصراحة أنا لا أعرف التفاصيل». ولكنه اضاف «هذه مسألة في غاية الحساسية في باكستان. نحن لا نسمح بأي تدخل اجنبي في منشآتنا. ولكننا نضمن، في الوقت نفسه، بأن ترتيبات الرعاية التي نفذناها هي الأفضل في العالم». اما الآن وقد تجدد القلق بشان قدرة مشرف على البقاء في السلطة، فهكذا هو حال الجدل داخل وخارج ادارة بوش بشأن مدى تطبيق اهداف البرنامج. وتجري الآن مناقشة المرحلة الثانية من البرنامج، التي ستوفر مزيدا من المعدات والهليكوبترات ووسائل السلامة، في الادارة، ولكن أبعاد هذه المرحلة وحجمها لم يتقررا بعد.وأكد هارولد أغ نيو، المدير السابق لمختبر لوس ألاموس للأسلحة، الذي صمم معظم الأسلحة النووية للولايات المتحدة، أن المعارضة الفيدرالية الأخيرة للمشاركة في أمن الرؤوس النووية تجعل العالم أكثر عرضة للخطر. وقال الدكتور أغنيو في مقابلة معه «المحامون يقولون انها سرية. ذلك هراء. يجب ان نتشارك في هذه التكنولوجيا. وكل من يلتحق بالنادي يجب مساعدته للحصول على هذا». وأضاف «سواء كانت الهند أو باكستان أو الصين أو ايران، فان الشيء الأكثر اهمية هو أنك تريد أن تتأكد من عدم وجود استخدام غير مرخص به. وتريد أن تتوثق من أن الأشخاص الذين يتحكمون بالأسلحة لا يمكنهم استخدامها دون تفويض مناسب».

ويقول مسؤولون انه في الماضي تشاركت الولايات المتحدة في الأفكار، وليس في التكنولوجيا، حول كيفية الحماية التي هي في صلب قضية أمن الأسلحة الأميركي. ومعظم أجهزة الفتح تعطل نفسها اذا كان تسلسل الأرقام خاطئا في عدد محدد من المحاولات. كما هو الحال مع أجهزة السحب الآلي في البنوك. وفي بعض الحالات يقوم الجهاز الواصل المعطل بتفجير صغير في الرأس لجعله بدون جدوى. وتشتمل تفاصيل التصميم الدقيقة على كيفية دفن الجهاز الواصل عميقا داخل السلاح من أجل شل الارهابيين أو الأعداء عن عملية تعطيل الحماية. والحالة الأكثر شهرة لفكرة التشارك النووي تتمثل في فرنسا. ففي بداية السبعينات بدأت حكومة الولايات المتحدة سلسلة من المناقشات السرية للغاية مع علماء فرنسيين من أجل مساعدتهم على تحسين الرؤوس النووية للبلاد. والعائق المحتمل أمام مثل هذه المشاركة كان معاهدة عدم الانتشار النووي عام 1968، التي تمنع التعاون بين الدول في مجال التكنولوجيا النووية. ومن أجل التعامل مع مثل هذه المحظورات القانونية توصلت واشنطن الى نظام «التوجيه السلبي» الذي يسمى أحيانا «20 سؤالا»، كما هو مفصل في قانون 1989 في السياسة الخارجية. وسمح النظام لعلماء الولايات المتحدة بالاصغاء الى التوصيفات الفرنسية لطريقة الرأس الحربي واعطاء توجيه حول ما اذا كان الفرنسيون في المسار الصحيح.

* خدمة «نيويورك تايمز»