السباعي: مراجعات الجهاد وليدة السجون

قال لماذا لم يتراجع مؤلفها عندما كان حرا طليقا؟

TT

علق الاسلامي المصري الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن على «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» للدكتور فضل سيد إمام التي بدأت صحف عربية بنشرها على حلقات منذ امس، بقوله: بناء على ما توفر لدينا فإننا نتوقف عند نقاط اساسية ابرزها انها وليدة القضبان الحديدية، فمهما حاول الدكتور فضل سيد إمام الشهير بعبد القادر بن عبد العزيز، أن يبين لنا أنه كتب وثيقته بدون إكراه فإن الواقع لا يصدقه، فإذا كان صادقاً فلمَ لم يكتب هذا الترشيد، عندما كان حراً طليقاً خارج مصر في بيشاور او في اليمن قبل اعتقاله؟ أو على الأقل لقد سجن قرابة عامين ونيف في اليمن فلم لم يشر إلى هذا الترشيد وهذا التراجع من قبل؟! وأوضح: يصر الدكتور فضل على تأكيد أن وثيقته وليدة الشفقة والرحمة بالأمة وبشباب المسلمين وليس نتيجة إكراه لأنه في السجن، فإصراره هذا لا يغير من الأمر شيئاً، فعلماء السلف يقولون السجن كره والقيد كره وكان المسجون إذا عرض مقيداً على القاضي ابن شبرمة يأمر بفك قيده ويقول (القيد كره) ولا يأخذ بإكراه المسجون، وكان القاضي شريح يسير على هذا النهج ومن جاء بعده». واوضح ان الدكتور فضل قد استشهد بأن علماء كباراً كالسرخسي وابن تيمية قد كتبوا كتباًورسائل وهم في السجن واستفادت الأمة بعلمهم نعم هذا حق، لكن ماذا قال السرخسي صاحب كتاب المبسوط هل غير وبدل، وقال شيئاً غير الذي كان يعتقده؟ لقد سجن في جب وكان تلامذته يأتون يجلسون حول الجب وهو في الأسفل يملي عليهم من أم رأسه، كتابه المبسوط الذي يعد من أفضل الموسوعات الفقهية في الفقه الحنفي في القرن الخامس الهجري، وأما ابن تيمية فماذا قال هل غير وبدل وخالف آراءه التي كانت قبل السجن؟ فقد ألف ابن تيمية كتابه نقض أساس التقديس أو بيان تلبيس الجهمية وكتاب الاستقامة وهو محبوس في مصر وقد حيل بينه وبين كتبه، فابن تيمية لم يغير ولم يبدل بل إن مشكلة ابن تيمية في سجنه أنه كان يرد على أسئلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وكان مصراً على آرائه لدرجة أنهم لما ضاقوا به ذرعاً استولت السلطة على كتبه وعلى محبرته وأقلامه وأوراقه وجردته من كل ذلك، وظل وحيداً مع أخيه يختم القرآن في خلال بضعة أشهر أكثر من ثمانين ختمة من حفظه حتى فاضت روحه إلى ربها شاكية له ظلم العباد، وهل نحدثكم ماذا حدث لتلامذته كابن القيم الذي طيف به على حمار في وضع مقلوب في شوارع دمشق لأنه رفض أن يتراجع عن رأيه في مسألة شد الرحال، هل نحدثكم عن الأمام أحمد بن حنبل الذي ضرب بالسياط وعذب ولم يتراجع عن رأيه في مسألة خلق القرآن، لذلك نكرر مرة أخرى لماذا لم تقل رأيك هذا بمحض إرادتك عندما كنت حراً طليقاً؟ أو عندما كنت في سجن اليمن؟

اما بالنسبة لعنوان الوثيقة (ترشيد العمل الجهادي)، فقال السباعي بالطبع هذا عنوان هادئ يراعي طبيعة جماعة الجهاد، لكن على أية حال فعن أي عمل ترشيد هذا فتنظيم الجهاد قد أعلن وقف العلميات المسلحة منذ عام 1995، في لائحة خاصة وزعت على أعضاء التنظيم في ذلك الوقت نظراً لعدم القدرة، فعنوان الوثيقة يوحي كأن علميات العنف، تسير على قدم وساق ونظراً لكثرتها فإنها تحتاج إلى ترشيد، فهذا عنوان يجافي الواقع تماماً». واوضح السباعي القريب من فكر الجهاد: «إذن لا يوجد في العالم الإسلامي عمليات كثيرة تحتاج إلى ترشيد إلا إذا كان يقصد العمليات المسلحة في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال وهو لا يرى تحريم هذه العلميات». اما بالنسبة لما اورده الدكتور فضل في الحلقة الاولى التي حصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منها: «القتل بسبب الجنس أو اللون أو المذهب»، بقوله إن الجماعات الجهادية قد ارتكبت أخطاء في القتل بسبب الجنسية أو لون البشرة، فتساءل السباعي أي جماعات هذه التي تقاتل على أساس الجنس أو اللون، وكل هذه الجماعات تعلم قول الله وتحفظه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13). وهذه الجماعات تحفظ قول رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم كما مسند أحمد بسند صحيح: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى. اللهم أَبَلَّغْتُ». وعلى افتراض أن هناك خطأ فردياً حدث في ساحة من ساحات القتال لمَ التعميم ولمَ المجازفة بهذا الاتهام الذي لن يستفيد منه إلا أعداء الإسلام، فهذه الجماعات الجهادية الموجهة لها هذه الوثيقة كانت قد تبرأت علانية من الجماعة المسلحة الجزائرية لما تيقنت من إسرافها في الدماء».