الجيش الأميركي يختبر بالنهروان استراتيجيته الجديدة القائمة على كسب ثقة السكان

يستذكر مقولة لورنس العرب «محاربة التمرد مثل تناول الحساء بالسكين»

عراقية تخبز بالتنور في مخيم للنازحين قرب النجف امس (رويترز)
TT

النهروان ـ رويترز: كتب تي.اي لورنس أو «لورنس العرب» الاسطوري الذي قاتل مع الثورة العربية ضد الامبراطورية العثمانية قبل نحو مائة عام ان محاربة التمرد «عملية صعبة وبطيئة مثل تناول الحساء بالسكين». وهذا هو الدرس الذي تعلمه الجيش الاميركي بشكل مؤلم في العراق حيث تدور حرب تتسم بالفوضى دخلت عامها الخامس مع تزايد عدد القتلى من العراقيين والاميركيين. وبعد عدة انتكاسات عينت واشنطن هذا العام قائدا جديدا هو الجنرال ديفيد بترايوس للاشراف على اسلوب جديد لمكافحة المقاتلين.

والنهروان بلدة فقيرة يبلغ عدد سكانها مائة الف وهي معقل رجال الميليشيات الشيعية في المنطقة الريفية في جنوب شرق بغداد وهي من الاماكن التي تختبر فيها هذه الاستراتيجية. وعلى مسافة قصيرة من السوق تنقل الرافعات كتلا كبيرة من الخرسانة لبناء جدار واق لموقع أميركي في وسط البلدة ـ في تحول عن السياسة القديمة المتمثلة في ابقاء القوات في قواعد كبيرة بعيدة عن المراكز السكانية. ويعمل الجنود من الكتيبة الاولى من فرقة المدفعية الميدانية العاشرة مع المجلس المحلي وزعماء العشائر على دعم مشروعات اعادة البناء والمشروعات الانسانية وتجنيد سكان محليين لتولي نقاط التفتيش ومراقبة المنطقة.

وقال اللفتنانت ـ كولونيل مارك سوليفان قائد الكتيبة «يجب ان نكون قريبين من الناس وبينهم وان نكسب ثقتهم ونعمل معهم»، وأضاف «نحن نوفر غطاء أمنيا يمكن من تطوير الاقتصاد والخدمات».

وهذه الخطة تأتي مباشرة من كتيب جديد للجيش الاميركي عن مكافحة المقاتلين، أعده بترايوس مع عدد من الخبراء الاخرين. والرسالة الرئيسية التي يوجهها الكتيب هي ان الجيش يجب ان يوفر الامن للناس اذ ان «الناس تميل للتحالف مع الجماعات التي تضمن لها الامان». ويتعين اقامة روابط متبادلة بين الجيش والمبادرات الاقتصادية والسياسية.

ويقول الكتيب مرددا تحذير لورنس قبل مائة عام إن «التمردات تقوم على يد نسبة اثنين في المائة من قوة ضاربة ونسبة 98 في المائة من المتعاطفين السلبيين». ويضيف ان الحل هو تحويل مشاعر السكان المحليين ضد المقاتلين. وينصب التركيز على كسب الناس وليس القتل. ويضيف الكتيب «قتل جميع المقاتلين أمر مستحيل عادة».

والماضي القريب للنهروان يظهر الكثير من الاخطاء التي تعرض لها العراق، ومستقبلها قد يظهر ما اذا كانت الاستراتيجية العسكرية الاميركية الجديدة يمكن ان تنجح في تحقيق الاستقرار في البلاد. وأعاد الرئيس السابق صدام حسين توطين الاف الشيعة في هذه البلدة مما جعل النهروان جيبا شيعيا محاطا بمجتمعات سنية مسلمة صغيرة. وعندما فجر مقاتلو تنظيم القاعدة مزارا شيعيا في سامراء في فبراير (شباط) عام 2006 أصبحت النهروان ساحة قتال لعنف طائفي وحشي. وبعد بضع ساعات من الهجوم على المسجد اخرج مسلحون من السنة 47 شيعيا من قافلة مركبات وأطلقوا النار على رؤوسهم وألقوا بهم في قناة. وبعد أسبوع قتلوا 25 شيعيا في مصنع للطوب واربعة في محطة كهرباء قريبة.

وفي ظل غياب وجود عسكري أميركي دائم في المنطقة لجأ السكان الشيعة الى ميليشيات جيش المهدي بقيادة الزعيم الديني مقتدى الصدر الذي تتهمه الولايات المتحدة بشن حرب بالوكالة ضد القوات الاميركية نيابة عن ايران. وعندما بدأت القوات الاميركية في الوصول الى المنطقة هذا العام في اطار زيادة عدد القوات واجهت هجمات متوالية من جانب رجال الميليشيات الشيعية وتحولت النهروان الى منطقة شديدة الخطورة. وقال الميجر جنرال ريك لينش قائد الفرقة الثالثة مشاة «كان يسيطر عليها رجال الميليشيات الشيعية المتطرفة والمجرمون».