بغداد تستعيد حياتها رويدا رويدا.. لكن الحذر يبقى

سكانها يجاهرون مجددا بأعراسهم ويتلذذون بسمكها «المسكوف» ويستمتعون بحدائقها

عروسان في حفل زفافهما ببغداد
TT

في مؤشر على تحسن الوضع الأمني، بدأت بغداد منذ أشهر قليلة باستعادة بعض من حياتها العادية رويدا رويدا. فالمتاجر ما عادت تغلق ابوابها عصرا، بل تبقى مفتوحة في بعض مناطق العاصمة حتى منتصف الليل، حالها حال المقاهي والكازينوهات والمطاعم. كذلك عاد الى الحدائق العامة مشهد العائلات العراقية، وهي تقضي في رحابها ساعات هنيئة، محاولة نسيان كابوس العنف الذي خيم على مدينتهم منذ الغزو عام 2003. مواكب الزفاف في الشوارع بعد غياب: عادت حفلات الزفاف مجددا الى الحياة العامة في العراق، وكذا مواكب الزفاف، التي تتقدمها سيارة مزينة تقل العروسين وسط اصوات ابواق السيارات. وظلت مناسبات الزفاف تجرى في الإطار الخاص، هذا اذا كانت هناك مناسبات زفاف بالفعل. اما الذين يعتمدون على دخلهم من مناسبات الزفاف، مثل علي محمد، 36 سنة، وهو عازف بوق وصاحب محل آلات موسيقية في شارع متفرع من شارع حيفا بالعاصمة في العاصمة بغداد، فقد ظلوا بلا عمل منتظم. يقول محمد انهم يعتمدون على مناسبات الأفراح، ولكن لم تكن هناك فرص للفرح، على حد تعليقه. مناسبات الزفاف عادت الى العراق مرة اخرى في العلن، كما ان محل علي محمد فتح أبوابه مجددا. وفي استديو للتصوير الفوتوغرافي في حي غرب بغداد، وصل ثلاثة عرسان وعروساتهم لأخذ صور بهذه المناسبة في موكب كبير، والتقطت الصور لهم أمام حدائق خضراء او في لحظات مغيب الشمس. وبدت البهجة واضحة على وجوه اقرباء العرسان، وأعلنت الطبول بدء الاحتفال. لم يكن هناك من هو اكثر فرحا من رفعت الحالجي، 32 سنة، وهو واحد من قادة الفرقة كان قد وصل مع عروس وعريس من حي علاوي المجاور. وقال الحالجي، ان عملهم بدأ يشهد نشاطا، عقب شهر رمضان، بعد ان توقف العمل على مدى سبعة أشهر تقريبا، وأضاف انهم الآن يقدمون خدماتهم لخمس مناسبات زفاف اسبوعيا. ولم تعد مناسبات الزفاف الى سابق عهدها بعد، ويقول الحالجي ان هناك الكثير من الأحياء السكنية التي لا يستطيعون دخولها، مثل الدورة والسيدية والغزالية والجهاد والشعلة، وأضاف مدينة الصدر ايضا، لكنه قالها هامسا خوفا من ان يكون هناك واحد من أفراد جيش المهدي. «المسكوف».. رائحته شوائه تملأ الأجواء مجددا: حتى في منطقة الحرب لا يكون طبق السمك المسكوف (المشوي) رخيصا. في مطعم هاشم جاسم يختار الشخص سمك الشبوط (ثمن الرطل حوالي 5 دولارات) الذي يريد من حوض السمك الموجود داخل المطعم ويشاهد عملية تنظيفه وشيه على النار. التوجه الى المطاعم ليس امرا سهلا في مدينة اعتادت على الموت، خصوصا عقب اندلاع النزاع الطائفي ومشاهد الجثث الطافية عبر النوافذ الخلفية لمطعم الفارس على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وعلى الرغم من أعمال العنف لم يغلق مطعم جاسم ابوابه، إلا ان حركة البيع كانت بطيئة، وفي معظم الأيام ظل المطعم خاليا إلا من السمك. ويهرع الزبائن الى المطعم لشراء وجبة سمك ويختفون على عجل بغية الوصول الى منازلهم قبل مغيب الشمس. الوضع الآن افضل حالا، فالزبائن يأتون الى المطعم ابتداء من حوالي الساعة الرابعة عصرا وحتى 11 مساء. وعلى بعد بضع مئات من الياردات على شريط مغلق قبالة ضفة النهر، هناك اكثر من 10 مطاعم تستعد لإعادة فتح ابوابها عقب فترة إغلاق طويلة. وأجرى اصحاب هذه المطاعم عمليات الصيانة اللازمة بمساعدات مالية قدمت لإحياء شارع ابو نواس. ويشعر جاسم بالتفاؤل إزاء الوضع الأمني على الأقل، وقال في هذا السياق: «الحالة الأمنية الآن افضل مما كانت عليه في السابق. ربما تسير الأشياء نحو الأفضل، إن شاء الله».

إلا ان تفاؤل جاسم لا يخلو من حذر، فخلال الحديث كان يتفحص الشارع جيدا، خوفا من ظهور أي شخص مثير للشبهات او سيارة مفخخة. كما انه يشعر بقدر أقل من التفاؤل تجاه الأجزاء الاخرى من العاصمة بغداد. متنزه الزوراء يعاود استقبال عشاق الطبيعة: تشير اللافتة، التي ترحب بالاعداد المتزايدة من الزوار في كبر حدائق بغداد بجوار المنطقة الخضراء «الحدائق جنة الله على الارض». ويذكر علاء حسين علي، وهو شاب سني عاطل عن العمل، ان الموقف تحسن بدرجة تسمح له بإحضار اولاده للمتنزه، ولكن ليس للعودة الى المسكن الذي طرد منه قبل 12 شهرا تقريبا على يد ميليشيات جيش المهدي. وأوضح «الموقف اصبح جيدا. هذه هي المرة الاولى التي احضر فيها الى هنا منذ عام 2003». وهو مطمئن بسبب الاعداد الكبيرة من القوات الاميركية والعراقية في الشوارع، ولكنه يخشى انهيار الموقف، اذا ما رحل الاميركيون بدون القضاء على المسلحين الشيعة. وأوضح «اذا ما تمكنوا من تدمير الميليشيات قبل بداية خفض قواتهم، فإن الموقف سيصبح جيدا. وإذا لم يتمكنوا من ذلك ستشب حربا اهلية». .. ومسرحيات أيضا: حضرت الاسر ترتدي افضل ملابسها: بعض النساء يضعن الحجاب من الشيفون وبألوان فاتحة، والبعض الاخر بدون غطاء رأس، وتكشف التنورات التي تصل الى الكاحل عن كواحل جميلة واحذية فاخرة. ويرتدي العديد من الرجال الجاكيتات، بينما الاولاد يرتدون بنطلونات واسعة وتي شيرت من تلك التي يفضلها الشباب العراقي.

وكانت الساعة العاشرة صباحا يوم سبت في شهر اكتوبر (تشرين الاول) وقد تجمعوا لمشاهدة مسرحية. كان الوقت مبكرا لحضور مسرحية، ولكن العديد من الناس لا يزالون يعيشون تحت حظر تجول الذي يفرضه الناس على انفسهم، بحيث لا يخرجون من بيوتهم بعد غروب الشمس. وصمت الناس عندما بدأ الصبية الذين يشغلون الميكروفون في بث السلام الوطني العراقي الجديد ـ وهو في الواقع اغنية قديمة ترجع للستينات. ووقف كل من بالحجرة لغناء «بلادي بلادي بلادي»، ولم تكن هناك ستارة، ولا ديكورات، في ما عدا مقعدا وحبلا طويلا وعلما عراقيا.

* خدمة نيويورك تايمز