ولي العهدالسعودي: نأمل من أنابوليس مناقشة القضايا المحورية وما يحدث في العراق «لا يقره عقل»

قال إن الإرهاب ظاهرة «شر وإجرام».. وتخصيب اليورانيوم في بلد محايد «بديل آمن» لدول المنطقة

TT

أكد الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي أن تعثر مشاريع الحلول السلمية لقضية الشرق الأوسط يعود إلى عاملين رئيسيين؛ الأول: استمرار التعنت الإسرائيلي في الاستجابة لمبادرات ودعوات السلام، والثاني: تركيز بعض المشاريع السلمية الأخرى على حل تداعيات النزاع دون جوهره مما أدى إلى حالة التوتر والصراع. وأكد الأمير سلطان أن مبادرة السلام العربية «تشكل فرصة تاريخية لشموليتها من جانب، وتركيزها على أساس النزاع من جانب آخر»، معبرا عن أمله أن يعالج مؤتمر أنابوليس «القضايا المحورية؛ وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمتصلة الأطراف، ومعالجة مشكلة اللاجئين والقدس وتحسين أوضاع الفلسطينيين، وأن يتسم بالشمولية في الحل على كافة المسارات».

جاء ذلك في مقابلة أجرتها وكالة أنباء «إيتار تاس» الروسية، مع الأمير سلطان بن عبد العزيز بمناسبة زيارته لروسيا، تحدث فيها عن العلاقات المتينة بين البلدين الصديقين، وآفاق التعاون الثنائي بينهما، وسبل تطويره في مختلف المجالات، وقضايا أمن الطاقة، وآفاق تنمية التعاون الاستثماري بين موسكو والرياض، والتعاون في مكافحة الإرهاب ودور البلدين في تسوية النزاع في الشرق الأوسط. وإلى نص الحوار..

* ما هي الموضوعات التي تودون بحثها أثناء زيارتكم الحالية إلى روسيا؟

ـ جمهورية روسيا الاتحادية دولة صديقة وتربطها بالمملكة العربية السعودية علاقات متينة على مختلف الأصعدة. وقد جسدت الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى روسيا عام 2003 الانطلاقة الحقيقية نحو تعزيز العلاقات بين البلدين، كما أن الزيارة الأخيرة لفخامة الرئيس فلاديمير بوتين إلى المملكة في مطلع هذا العام أعطت دفعة قوية للعلاقات بين البلدين.

وتأتي زيارتنا هذه لبحث توطيد التعاون الثنائي وسبل تطويره في كافة المجالات السياسية والمالية والاقتصادية والتجارية والصناعية والعلمية والتقنية والفنية والثقافية، وكذلك بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ونحن على ثقة بأن لقاءاتنا بفخامة الرئيس فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين في الحكومة الروسية سوف تسهم في تعزيز التعاون والتفاهم بين البلدين والدفع بها لآفاق أرحب في كافة المجالات.

* ما هي آفاق توسيع التعاون الاقتصادي والفني بين روسيا والمملكة؟

ـ كما تعلمون فإن التعاون الاقتصادي بين البلدين يعود إلى عام 1927، وقد حرص البلدان منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1990، على إيلاء الجوانب الاقتصادية والتنموية الاهتمام الأكبر، خاصة في ظل ما تتمتع به الدولتان من إمكانات اقتصادية واستثمارية كبيرة وواعدة، من شأنها خدمة رخاء ونماء شعبينا من جانب، والاقتصاد العالمي من جانب آخر. ومع أن إحدى نتائج هذا التوجه ارتفاع حجم التبادل التجاري بيننا أكثر من سبعة أضعاف خلال الست سنوات الماضية، غير أن طموحاتنا تظل أكبر من ذلك في الوصول بالعلاقات الاقتصادية إلى تكريس الشراكة التجارية ونقل التقنية وزيادة الاستثمارات وإقامة المشاريع المشتركة.

* تعد قضايا أمن الطاقة من أهم الموضوعات التي جرى تداولها، انطلاقاً من أن البلدين يعدان من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط، كيف ترون هذا المجال؟

ـ تمر سوق وصناعة النفط العالمية بظروف دولية هامة، اختلطت فيها المفاهيم وتعددت الرؤى، خاصة حول التذبذب الذي يشهده السوق حالياً. وقد استضافت المملكة مؤخراً قمة الأوبك الثالثة التي بحثت الموضوع من كافة جوانبه في الإطار العام لأهداف توفير الإمدادات المستقرة والآمنة للنفط، ودعم الرخاء العالمي وحماية البيئة. وقد أعلنت المملكة موقفها على لسان خادم الحرمين الشريفين بأن رخاء العالم وحدة واحدة، وأن البترول طاقة للبناء والعمران ويجب ألا يتحول إلى وسيلة للنزاع والأهواء. وغني عن القول إن استقرار سوق النفط العالمي مسؤولية مشتركة بين المنتجين والمستهلكين مما يستوجب النظر المتعمق لأسباب وعوامل تذبذب الأسعار والمتغيرات المرتبطة بها من مختلف جوانبها وأبعادها سواء تلك المتعلقة بالصناعة البترولية أو المؤثرات الخارجية، والعمل على دراسة السوق استناداً إلى الحقائق ولغة الأرقام بعيداً عن الافتراضات والتكهنات. ومن هذا المنطلق، حرصت حكومة المملكة على تفعيل آلية الحوار بين المنتجين والمستهلكين باستضافة الأمانة العامة لمنتدى الطاقة العالمي بالرياض ليشكل حلقة وصل بين المنتجين والمستهلكين لتكريس التعاون المشترك، والذي تحظى روسيا بعضوية مجلسه التنفيذي باعتبارها إحدى الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة للنفط.

وعلى المستوى الثنائي، فقد حرصت قيادتا البلدين على تعزيز التعاون والتنسيق في مجال النفط من خلال توقيع اتفاقية التعاون البترولي بيننا عام 2003 خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى روسيا. وبالتأكيد فإن تعاون البلدين في هذا المجال باعتبارهما من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط سيكون له أثر إيجابي في استقرار سوق النفط العالمي وتحقيق المصالح المشتركة ودعم الاقتصاد العالمي.

* هل لكم أن تحدثونا عن آفاق تنمية التعاون الاستثماري بين موسكو والرياض؟

ـ تشهد العلاقات السعودية ـ الروسية تصاعداً في التعاون الاستثماري بين البلدين. فقد وقع البلدان عام 1994 اتفاقية للتعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني ترتب عليها إنشاء لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين، ثم وقعا اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي، وجارٍ بحثُ اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمار بين البلدين نأمل توقيعها قريباً. كما تم إنشاء مجلس الأعمال السعودي ـ الروسي.

ومما يعزز فرص الاستثمار أن المملكة وروسيا تعدان من الدول الجاذبة للمستثمر الأجنبي. وكل العوامل والمعطيات ستؤدي ـ إن شاء الله ـ إلى وجود قنوات جديدة للتعاون الاستثماري بين البلدين.

وأود بهذه المناسبة حث رجال الأعمال في البلدين على الاستفادة من التطور الكبير للعلاقات الاقتصادية والسياسية وضرورة إقامة شراكة حقيقية بين المملكة وروسيا تؤمن تبادل المصالح الاقتصادية وإنشاء المشروعات الاقتصادية المشتركة في البلدين. كما أننا نرحب بدخول الشركات الروسية مجال الاستثمار في المملكة، وعلى وجه الخصوص قطاع التعدين والخدمات المرتبطة به، بما في ذلك تدريب الكوادر الفنية واستخدام التقنيات المتطورة في مجال استغلال الخامات المعدنية. ونود أن نعبر بهذا الخصوص عن سعادتنا بما رأيناه من اهتمام الشركات الروسية في الاستثمار بقطاعي الغاز وسكك الحديد مما أسفر عن فوز إحدى الشركات الروسية بأحد عقود التنقيب عن الغاز واستثماره في المملكة.

* كيف يتعزز التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية في إطار مجموعة العمل الأمنية المشتركة للتعاون في مكافحة الإرهاب، والتي تم الاتفاق عليها بين البلدين عام 2006؟

ـ الإرهاب ظاهرة شر وإجرام عالمية ناتجة عن فكر منحرف، وليس مرتبطاً بجنسية أو قومية معينة، ولا تقتصر على دين أو منطقة محددة، وهو عمل لا يقره دين وتنبذه كافة الأعراف والحضارات، وعانت أغلب دول العالم من أضراره. وقد بادرت المملكة بالسعي لمحاربة هذه الآفة الدولية، وذلك بعقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في مدينة الرياض عام 2005 بمشاركة أكثر من ستين دولة ومنظمة إقليمية ودولية، والتي كانت لروسيا مشاركة ومساهمة فعالة في إنجاحه. وخرج المؤتمر بالعديد من التوصيات العملية، التي من أهمها تبنيه مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت إشراف الأمم المتحدة، والذي حظي بتأييد دولي واسع.

وكما أشرت في سؤالك، فقد شكل البلدان مجموعة عمل أمنية مشتركة للتعاون في مكافحة الإرهاب تتيح للجهات المعنية في البلدين التعاون بشكل مباشر ومن خلال اجتماعات دورية بهدف تبادل المعلومات والتنسيق واتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الإطار.

* ارتقت روسيا والمملكة العربية السعودية إلى مستوى عالٍ جداً من الحوار السياسي، فكيف تقوِّمون دور روسيا في تسوية الوضع في الشرق الأوسط؟

ـ روسيا دولة عظمى، وهي في نفس الوقت عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وطرف رئيس في اللجنة الرباعية الدولية المعنية بأزمة الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق، فإن دور روسيا يتسم بالأهمية الكبيرة في دعم الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد الحل العادل والدائم والشامل لأزمة الشرق الأوسط والقائم على مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها.

* ما تقويمكم للوضع في العراق؟ وما هي الخطوات المشتركة التي يمكن أن تقوم بها روسيا والمملكة لحل هذه المشكلة؟

ـ إن ما يحصل على أرض العراق من عنف وإزهاق للأرواح والممتلكات أمر لا يقبله عقل ولا يقره منطق. ومشاهد القتل والدمار تؤلمنا في المملكة العربية السعودية، كما تتألم لها كل دول وشعوب العالم. والمملكة بذلت ولا تزال تبذل كل ما في وسعها للإسهام في اجتياز العراق لهذه المأساة. كما أنها تسعى من خلال جهود المنظمات الإقليمية ومنظمة الأمم المتحدة لأن يستعيد العراق مكانته اللائقة في المنطقة والمجتمع الدولي.

وعبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أكثر من مرة بأن المخرج الوحيد للأزمة هو التمسك بالوحدة الوطنية ونبذ التدخلات الخارجية في الشأن العراقي وتحكيم العقل، والحفاظ على وحدة العراق واستقراره واستقلاله، وضمان المساواة بين جميع أبناء الشعب العراقي بمختلف مذاهبهم وأطيافهم السياسية.

ومما لا شك فيه أن لجمهورية روسيا الاتحادية دوراً مهماً في الإسهام في الجهود الرامية إلى إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، وعلينا أن نواصل العمل معاً على المستويين الإقليمي والدولي لإحلال الأمن والسلام في العراق.

* اقترحت روسيا والمملكة العربية السعودية إنشاء مراكز دولية لتخصيب اليورانيوم، وذلك لضمان الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية. فهل يمكن لموسكو والرياض أن تتعاونا في هذا الاتجاه؟

ـ إن اقتراحات المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية تعكس رغبة البلدين في توفير بديل آمن ومشروع لاستفادة دول المنطقة من تقنية الطاقة النووية، ومن هذا المنطلق فإننا نرحب بأي اقتراحات تهدف لتحقيق هذا الهدف وتجنب المنطقة الدخول في أي توترات.

* تقوم المملكة بتقديم معونات اقتصادية وإنسانية لبعض الكيانات الروسية وبخاصة مع الجمهورية الشيشانية، هل لكم أن تحدثونا عن ذلك؟

ـ أسهمت المملكة في دعم جهود التنمية في الدول النامية، إذ بلغ معدل ما قدمته سنوياً من عون إنمائي خلال العقود الثلاثة الماضية 4 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي السنوي واستفادت منه ثلاث وثمانون دولة نامية واحتلت المملكة بذلك المرتبة الأولى عالمياً. ومساهمات المملكة التي قدمتها والخاصة بتقديم المساعدات الإغاثية لجمهورية الشيشان وغيرها تتم بعد أخذ الموافقة من الجهات المختصة في الدول المعنية، وبعد التأكد من أن للجهات التي تحصل على المساعدات ترخيصا من دولها، وأهدافها إنسانية واجتماعية.

* يجرى حالياً التحضير للقاء الدولي حول قضية الشرق الأوسط، وتنوي روسيا المشاركة في هذا اللقاء، ماذا ينتظر الجانب السعودي من مؤتمر أنابوليس؟

ـ مشكلة الشرق الأوسط تعتبر من أقدم المشكلات في تاريخنا المعاصر، شهدت العديد من الحروب والمآسي الإنسانية. كما شهدت في نفس الوقت مبادرتي سلام؛ الأولى في قمة فاس العربية عام 1982 التي تبنت مشروع العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، والثانية في قمة بيروت العربية التي تبنت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كمبادرة عربية للسلام. ويعود تعثر مشاريع الحلول السلمية إلى عاملين رئيسيين؛ الأول هو استمرار التعنت الإسرائيلي في الاستجابة لمبادرات ودعاوى السلام، والثاني تركيز بعض المشاريع السلمية الأخرى على حل تداعيات النزاع دون جوهره، مما أدى إلى استمرار حالة التوتر والصراع. ومن هذا المنطلق تشكل مبادرة السلام العربية فرصة تاريخية لشموليتها من جانب، وتركيزها على أساس النزاع من جانب آخر. ونأمل أن يعالج المؤتمر القضايا المحورية؛ وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمتصلة الأطراف ومعالجة مشكلة اللاجئين والقدس وتحسين أوضاع الفلسطينيين، وأن يتسم بالشمولية في الحل على كافة المسارات، ووفق جدول زمني محدد بما يضمن نجاح المؤتمر ويحقق أهدافه.