أول رئيس جمهورية فرنسي يواجه تهما بالفساد

شيراك يخضع لثلاث ساعات من الاستجواب في قضية اختلاس أموال من بلدية باريس

جاك شيراك
TT

دخل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك التاريخ أمس من الباب الضيق إذ أنه أصبح أول رئيس سابق للجمهورية توجه اليه رسميا تهم بارتكاب جنح يعاقب عليها القانون. وبعد أن أمضى شيراك 12 عاما في قصر الإليزيه وأعيد انتخابه بنسبة 84 في المائة في عام 2002 وعرف أيام المجد الدبلوماسي بوقوفه ضد الحرب الأميركية على العراق في ربيع عام 2003، تمسك به الفضائح التي عرف أن يتحاشى مفاعيلها طيلة 30 عاما. وما لحق بشيراك كان متوقعا منذ خروجه من قصر الإليزيه أواسط شهر مايو (أيار) الماضي حيث فقد حصانته الرئاسية التي كانت تحميه من المساءلة والملاحقة القانونية بحيث لم تسمح كل التدابير الاستباقية التي اتخذها يوم كان في قصر الإليزيه في إبعاد الكأس المرة عن شفتيه. فالرئيس السابق كان على موعد صباح أمس مع قاضية التحقيق المتخصصة بالشؤون المالية كسافيير سيموني في مكتبها في قصر العدل في باريس. وبعد ثلاث ساعات من الاستجواب، خرج محامي شيراك جان فيل ليعلن أن القاضية وجهت له تهما رسميا بـ«اختلاس أموال عامة» إبان توليه رئاسة بلدية باريس ما بين الـ 1977 و1995. وينتظر أن يستدعى شيراك مجددا الى مكتب قاضية التحقيق في الأشهر القادمة لجلاء بعض الجوانب الإضافية في هذه الفضائح. وتحاشى الرئيس السابق الصحافة لدى دخوله وخروجه قصر العدل. ومنذ تركه الإليزيه في شهر مايو الماضي، لم يقم بأي نشاط عام. وكان انتقاله وزوجته من قصر الإليزيه الى شقة تعود الى عائلة الرئيس السابق رفيق الحريري قد أثارت عاصفة من التساؤلات في فرنسا. ومؤخرا، ظهر شيراك بمناسبة انعقاد جلسة المجلس الدستوري الذي ينتمي اليه حكما بصفته رئيس جمهورية سابق للنظر في قانونية فرض فحوص الحمض النووي على فئات من المهاجرين الواصلين الى فرنسا. وكان محامي شيراك قد سعى الى تفادي مثوله أمام قاضية التحقيق في قصر العدل بدعوتها الى استجواب الرئيس السابق في المكاتب الجديدة التي تضعها الدولة بتصرفه بوصفه رئيسا سابقا. غير أن قاضية التحقيق رفضت رفضا قاطعا. ومع ذلك ورغم توجيه تهمة اختلاس الأموال العامة رسميا الى شيراك، فان محاميه حرص على القليل من اهمية الامر والتأكيد أن «الجو» كان «وديا» وقال وُجهت لهم التهم ذاتها أيضا.

وخلال رئاسته الثانية، سعى قضاة تحقيق عديدون الى استجواب الرئيس السابق في هذه القضية، غير أن ايا منهم لم ينجح في اجتياز عتبة الإليزيه. ويتهم المحققون شيراك بأنه «غرف» من أموال بلدية باريس التي كان يرأسها في الفترة الممتدة من 1983 حتى عام 1995 عن طريق توظيف أشخاص لم يعملوا للبلدية بل لأغراضه الشخصية أو لمصلحة شخصيات قريبة منه أو من الحزب الذي كان يرأسه وهو «التجمع من أجل الجمهورية». ومن الشخصيات التي يلاحقها القضاء والتي يظن أنها استفادت من هذا النظام جان ديغول، حفيد الجنرال الراحل شارل ديغول وميشال دو شاريت، زوجة وزير الخارجية السابق هيرفيه دو شاريت، ووزير الدولة السابق ريمون ماكس أوبير وفرنسوا دوبريه، شقيق رئيس المجلس الدستوري ورئيس الجمعية الوطنية السابق وسياسيون ونقابيون آخرون. وأثبت التحقيق أن عشرات من «المكلفين بمهمات» الذين كانوا يتقاضون مرتباتهم من بلدية باريس إما كانوا يعملون لصالح شيراك شخصيا أو لصالح شخصيات لا علاقة لها بالبلدية أو لم يشغلوا اية وظيفة حقيقية. وكل ذلك يندرج في باب «اختلاس الأموال العامة». وسبق للعديد من مساعدي شيراك في بلدية باريس أن حوكموا بتهم الفساد وأبرز هؤلاء رئيس الحكومة السابق ألان جوبيه. لكن القضاء لم يستطع بعدها الوصول الى شيراك. وكان المجلس الدستوري برئاسة وزير الخارجية السابق رولان دوما قد منع عن شيراك أية ملاحقة طالما كان رئيسا للجمهورية. لكن الملفات لم تمت بسبب مرور الزمن ما يفسر أن القضاء لحق به بعد 12 عاما على تركه رئاسة بلدية باريس.

وامتنع قصر الإليزيه عن التعليق على توجيه التهم لرئيس سابق. وللتذكير فإن رئيس الحكومة السابق دومينيك دو فيلبان في الوضع نفسه ولكن بسبب فضيحة كليرستريم التي يُرجح أن شيراك لعب فيها دورا أيضا. وفتح التحقيق في قضية الوظائف الوهمية في عام 1988، ولا يستطيع شيراك أن يعول على آلية قضائية لتفادي المثول أمام المحكمة في الأيام القادمة لأن محكمة التمييز اعتبرت في شهر يونيو (حزيران) الماضي أن لا عوائق قانونية أو تحول بدون إتمام المحاكمة. وتفاوتت ردود الفعل السياسية بين الشماتة والتشفق واللامبالاة، فممثل الخضر في المجلس البلدي في باريس أعرب عن «ارتياحه» لسوق شيراك أمام القضاء «بعد سنوات الحصانة». وفي المقابل فإن بيار مازو النائب ورئيس المجلس الدستوري السابق أعرب عن «صداقته وتقديره» لشيراك واعتبر أن إثارة هذه المسألة تأتي «متأخرة» داعيا الى قلب صفحة الماضي. وقال النائب الاشتراكي أرنو مونتبورغ المقرب من المرشحة الاشتراكية السابقة سيغولين رويال إن توجيه التهم لشيراك «الهرم الذي يعاني من مشاكل صحية عملية متأخرة». ورفض أمين عام الحزب الاشتراكي فرنسو هولند «الخوض في الجدل»، مؤكدا أنه «يثق» بالقضاء. وقال فيليب النائب عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني إن شيراك «لم يسع للاغتناء الشخصي». وفي مقال لشيراك نشره في صحيفة «لوموند» قال إن «كل ما قام به كان لخدمة الباريسسيين والباريسيات»، لكن يبدو أن للقضاء وجهة نظر مختلفة في الموضوع.