قصة تعثر المفاوضات ودخول الأزمة النفق المسدود

الأكثرية قبلت تأجيل الانتخاب حفاظا على السلم الأهلي * بري والحريري وجنبلاط يسعون لتبريد سخونة «الفراغ»

قطبا الاكثرية البرلمانية النائبان سعد الحريري ووليد جنبلاط يجلسان في البرلمان اللبناني امس قبل قرار رفع الجلسة (أ.ب)
TT

يستيقظ اللبنانيون اليوم ليجدوا ان دولتهم قد اصبحت بلا رئيس «هو رمز وحدة الوطن»، كما يصفه الدستور، لكنهم على الاقل ناموا مطمئنين الى الوضع الامني، بعدما عزز طرفا النزاع في المعارضة والموالاة، مناخات التهدئة بابداء نية عدم التصعيد، طالما التزم الطرف الآخر بذلك.

فقد فشل مجلس النواب في الاجتماع للمرة الرابعة على التوالي، بعد مقاطعة نواب المعارضة الجلسة امس، على رغم بعض الـ«طلات» التي قاموا بها على زملائهم الـ68 من نواب الاكثرية، الذين حضروا الى قاعة الجلسات العامة، وانتظروا وصول رئيس مجلس النواب الذي بعث اليهم بيانا يعلن فيه تأجيل الجلسة الى الجمعة المقبل، مع وعد بتقريب الموعد في حال حصول التوافق. وهو ما قبلته قوى الاكثرية تحت عنوان «الحفاظ على السلم الاهلي»، كما قال النائب وليد جنبلاط و«بحثاً عن التوافق»، كما قال النائب سعد الحريري. غير ان التأجيل يعني اولاً فراغ منصب الرئيس، على الاقل لاسبوع واحد. وهو ما بدا ان هناك توافقاً على تمريره بهدوء، اذ ظهر اتجاه زعماء الاكثرية والرئيس بري الى تنظيم الخلاف والحرص على عدم تطوره الى تصعيد ميداني عبر اشارات متبادلة الى حماية السلم الاهلي من قبل الطرفين. وساهمت في ذلك الاتصالات التي اجراها بري مع النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري. فيما كانت الحكومة تستعد لتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية وفقا للمادة 62 من الدستور، التي تنص على انه «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». وقد عقد الاخير جلسة مسائية لمتابعة تطورات الوضع.

واكدت مصادر الرئيس بري استمرار المساعي للوصول الى رئيس توافقي، مؤكدة لـ«الشرق الاوسط»، ان رئيس المجلس لن يوقف اتصالاته مع النائب الحريري بانتظار اللحظة المناسبة للاتفاق، فيما اكدت مصادر الحريري لـ«الشرق الاوسط»، ان البحث سيتواصل حالياً تحت سقف مبادرة بكركي، بحثا عن رئيس توافقي من ضمن لائحة الاسماء الخمسة التي قدمها البطريرك. واشارت الى ان اللقاءات مع بري «مرتبطة بوجود ما يوجب حصولها».

هذا، ولم تنتظر الاكثرية البرلمانية كثيراً لرفض مبادرة النائب ميشال عون «الانقاذية» فردتها في «الشكل»، عبر بيانها الذي اصدرته ليل اول من امس بعد وقت قصير من اعلان هذه المبادرة.

وكان الحريري ـ وفق المعلومات التي توافرت لـ«الشرق الاوسط» من مصادر دبلوماسية في بيروت ـ قد صارح عون في اللقاء الاخير بينهما انه «بغض النظر عن الاسباب، فمن الواضح ان موضوع وصولك الى الرئاسة غير ممكن في ظل الظروف القائمة. ولهذا يجب ان نفتش عن حل ما يساعدنا على انقاذ البلاد». فرد الاخير قائلاً: «انا حاضر، لكن لدي ضمانات اريد ان اطلبها». فوافقه الحريري قائلاً: «نحن حاضرون». فقال عون: «سأبعث لك من يفاوضك بورقة ضمانات». وغادر الحريري اللقاء على هذا الاساس.

وعندما استقبل الحريري لاحقاً وفد «الترويكا» الاوروبية، وضع اعضاء الوفد في اجواء هذا الموقف، قائلاً ان لديه املاً بموافقة عون على مرشح آخر مع ضمانات. تلقف وزراء «الترويكا» هذه العبارة فخرجوا من الاجتماع واتصلوا هاتفياً بعون ليعودوا بعد 15 دقيقة ويبلغوا الحريري ان عون قال انه موافق على اسمين، لكنه يريد ان يراجع حليفه (الامين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله، وانه وعدهم بإرسال ورقة الضمانات سريعاً. وبينما كانت قوى «14 آذار» تجتمع في فندق الفينيسيا لتحديد الموقف مما يجري، خرج عون عبر وسائل الاعلام مطلقا مبادرته. وقد اعتبرت مصادر الاكثرية ان هذه المبادرة طرحت لترفض. وقالت ان الاكثرية ترفض في شكل حاسم وجازم «تغطية اي تلاعب بولاية الرئيس». واشارت الى طريقة تقديم المبادرة قبل الخوض في مضمونها وما تحتويه من خروق دستورية، لافتة الى التعبير العسكري الذي استخدمه عون باعلانه الساعة 22 (العاشرة من مساء امس) مهلة اخيرة للرد على مبادرته.

وكانت مصادر عون قد اشارت الى ان الحريري عرض على عون التوافق على النائب روبير غانم على ان يستقيل بعد سنتين، لكن عون رفض هذا العرض. وقد نفى المستشار الاعلامي للحريري، هاني حمود، هذه الحادثة. وقال في مداخلة تلفزيونية صباح امس ان الحريري «لم يعرض على العماد عون في اللقاء الاخير اي فكرة لترشيح روبير غانم او اي مرشح آخر لفترة سنتين. والنائب الحريري يمتلك موقفا مبدئيا كرّره امام جميع محاوريه، بمن فيهم الموفدون العرب ووزراء الخارجية العرب والاوروبيون وامين عام الجامعة العربية، بأن ولاية رئيس الجمهورية دستوريا هي ست سنوات غير قابلة للتقصير او المسّ. وهذا موقف مبدئي، خصوصا ان تيار المستقبل لا يمكن ان يبادر ولا يمكن ان يغطي اي تلاعب بولاية رئيس الجمهورية المسيحي الماروني في لبنان».

واعتبر مسؤول الاتصالات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ان رفض مبادرة عون «كشف النيات الحقيقية لفريق السلطة بأن عنده رفضا كاملا للمشاركة، ورفضاً لمبدأ التوازن والتوازي في البلد الذي على أساسه لبنان قائم، هذه الصيغة الميثاقية التي يتم ضربها اليوم». ولاحظ انه «للمرة الاولى سيكون لبنان من دون رئيس بسبب رفض فريق السلطة الاحتكام الى رأي المسيحيين في السلطة». وقال: «لقد تعاطوا منذ سنتين مع رئيس الجمهورية وكأنه غير موجود. ويكرسون هذا الامر في محاولة منهم للاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية، عبر حكومة هي أساسا فاقدة شرعيتها ودستوريتها».

وعن رده على المواقف التي صدرت عن اطراف السلطة بأنهم لن يقبلوا المبادرة، لانها تخرق الدستور وتحتاج الى تعديلات دستورية كثيرة قال باسيل: «أعتقد انه في الشكل وفي المضمون هذه المبادرة تعتمد النمط نفسه، الذي كانت تعتمده المبادرات السابقة. وفي النهاية اي اتفاق سياسي سيسلك المسالك الدستورية وعبر الدستور وفي مجلس النواب أو عبر استشارات نيابية ملزمة، كما حصل في اتفاقات كثيرة سابقا، مثلما الرئيس السنيورة جاء رئيس حكومة بأصوات مجلس النواب في المجلس النيابي». وتابع: «بعد هذا الرفض نقول بإعادة الامور الى ما كانت عليه. العماد عون هو المرشح الوحيد للمعارضة، هو مرشح تكتل التغيير والاصلاح. وهذا الموضوع لم يعد موضع تفاوض او نقاش. وكان يمكن أن يحصل انقاذ للوضع عبر القبول بهذه المبادرة، وعندما رفضت نعود الى الموقف السابق. هذا حق للمسيحيين وللتكتل المسيحي الاوسع في ان يتقدم بالمرشح الذي لديه الصفة التمثيلية الحقيقية. وأي رفض من قبل الفريق الآخر بالتعامل بالمثل يجعلنا نعود الى الموقف الاساسي ولا نتنازل عن الحقوق المكتسبة العائدة للبنانيين». وحذر من «ان اي اجراء يمكن ان يأخذه الرئيس السنيورة او حكومته ويعتبر نفسه متمتعا بصلاحيات رئيس الجمهورية، سنعتبره وكأنه اجراء النصف زائدا واحدا، يعني بدلا من ان ينتخبوا رئيسا بالنصف زائدا واحدا يدعون الرئيس السنيورة يتصرف وكأنه الرئيس المنتخب بالنصف زائدا واحدا. والاجراءات التي يمكن ان يتخذها على هذا الاساس سيتم التعامل معها على انها اجراءات انقلابية، مثل النصف زائدا واحدا تماما، وسيتم الرد عليها على هذا الاساس».

وعن الآليات العملية على الارض قال باسيل، ان هذا الموضوع «يتوقف على تصرف الرئيس السنيورة». وقد زار الحريري امس، وفور مغادرته مجلس النواب، البطريرك الماروني نصر الله صفير، واكد له انه «لن يغطي اي تلاعب بولاية الرئيس».

وقال الحريري بعد اللقاء: «سنستمر في التواصل وبذل الجهود للتوصل الى توافق، لان هذا البلد بحاجة لان نضع جميعا خلافاتنا السياسية جانبا، وكذلك مصالح بعض الاحزاب لننتخب رئيسا للجمهورية». واضاف: «ان رئاسة الجمهورية ليست ملكا لحزب او لتيار او لشخص، بل من حق جميع اللبنانيين ان يكون لديهم رئيس للجمهورية، وليس رئيسا يكون لجهة من اللبنانيين فقط». واعتبر ان «التوافق لا يزال ممكنا». وسئل: هل ابتعدتم عن خيار النصف زائدا واحدا؟ فاجاب: «هذا الخيار هو خيار دستوري ولم نستعمله لاننا نريد التوافق. لكننا قلنا منذ اللحظة الاولى التي اطلق فيها الرئيس نبيه بري مبادرته اننا نريد التوافق، وقد سرنا في هذه الطريق على اساس ان هناك لائحة تقدم بها غبطة البطريرك بمساعٍ فرنسية. ولكن لم يتم توافق على الاسماء بسبب بعض الخلافات السياسية من قبل بعض الاحزاب».

ورفض الحريري الخوض في سجال حول رفض الاكثرية مبادرة العماد عون. وقال: «ان أي مس بولاية رئيس الجمهورية يعتبر مسا بالدستور وبرئاسة الجمهورية. نحن في تيار المستقبل، بكل ما نمثل من طوائف، من المستحيل ان نقبل بخرق الدستور بهذا الشكل. واضاف: في المبادرة ايضاً ان العماد عون تخلى عن الرئاسة، ونحن نوافقه على ذلك.

واعلن انه وعد البطريرك بـ«اننا لن نترك البلد وندعه في الفراغ. وسنبقى متفائلين ومتمسكين بمبادئنا، ونستمر في الحوار لانه لا يوجد امامنا حل سوى انتخاب رئيس جمهورية لهذا البلد الذي عانى ما عاناه خلال سنتين وثمانية اشهر من اغتيالات وحروب وتدمير وغيرها».