لبنان اختبر الفراغ الدستوري ثلاث مرات

TT

فشل النواب اللبنانيون في التفاهم على انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتدخّل المجتمع الدولي للضغط على القيادات اللبنانية، وطرح الرئيس الفرنسي امكانية تسمية البطريرك الماروني نصر الله صفير لائحة مرشحين توافقيين، فقدم البطريرك 5 اسماء لم تحظَ بموافقة الجميع... فكان الفراغ في منصب الرئاسة بعد الخلاف على نصاب جلسة الانتخاب.

هذا السيناريو لم يكن امس فقط، فقد حصل المشهد عام 1988. وتكرر بحذافيره يوم امس في ظاهرة لافتة ومثيرة للعجب. وهذا ما دفع بالبطريرك صفير الى التوجه اول من امس بنداء الى السياسيين اللبنانيين حضهم فيه على التوافق، مستغرباً عدم اتعاظهم من تجربة العام 1988.

لقد شكل منصب الرئاسة في لبنان موضوع تجاذب منذ قيام دولة لبنان عام 1924. وشاركت في التأثير فيه اكثر من دولة اجنبية. لكن الفراغ لم يحصل الا ثلاث مرات، بينها مرتان في ربع القرن الاخير نتيجة الخلاف على اسم الرئيس ونصاب الجلسة. فيما كانت المرة الثالثة مرحلة ادارة ازمة تولى فيها قائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب رئاسة حكومة انتقالية اشرفت على الانتخابات النيابية.

وقد ساهمت بعض «الاختلافات» الدستورية في ضبط الواقع الحالي في البلاد في ظل عجز واضح من الطرفين عن الذهاب الى الحد الاقصى تحت سقف الدستور، ما ادى الى خلق «أمر واقع» ينتظر ان تتبلور صورته مع انتهاء مؤتمر انابوليس واتضاح مسار العلاقات الاميركية ـ السورية.

واذا كان الدستور سمح عام 1988 لرئيس الجمهورية آنذاك امين الجميل بتشكيل حكومة انتقالية برئاسة العماد ميشال عون تسلمت صلاحيات الرئاسة، فان الدستور نفسه قيَّد حركة الرئيس (حتى منتصف ليل امس) اميل لحود لأن التعديل الذي ادخل عليه في الطائف سحب من رئيس الجمهورية حق تأليف حكومة منفرداً، اذ اصبح رئيس مجلس النواب شريكه في اعلان اسم رئيس الحكومة الذي يفرضه عليه النواب في الاستشارات النيابية الملزمة، بموجب المادة 53 من الدستور. كما حرمته هذه المادة في فقرتها الخامسة من حق اقالة الحكومة. واصبح بموجبها «يصدر المراسيم بقبول استقالتها او اعتبارها مستقيلة» ما يجعل تدخله مجرد «اجراء شكلي».

وعند الثانية عشرة منتصف ليل امس، اصبح الرئيس لحود «مواطناً عادياً» يمكن ملاحقته قضائياً اذا بقي في قصر بعبدا، فيما تتحول صلاحيات الرئيس الى الحكومة التي لا يمكن اعتبارها مستقيلة الا بعد بدء ولاية الرئيس الجديد.

وفيما يرى كثيرون ان البطريرك صفير أخطأ في تكرار تجربة التسمية مجدداً، يقول مطران بيروت للموارنة بولس مطر لـ«الشرق الاوسط» انه لم يكن امام البطريرك خيار آخر، معتبراً انه «لو لم يسم لكان تم تحميله مسؤولية خراب البلد» وانه لجأ الى التسمية لوضع الآخرين امام مسؤولياتهم. ووصف إقدامه على التسمية هذه المرة وفي العام 1988 بانه كان «فك مشكلة».