مواعيد أنابوليس قد لا تكون أكثر «قدسية»

TT

«التواريخ ليست مقدسة»، قالها رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين في تعليق له على مواعيد الانسحابات من مدن الضفة الغربية تمهيدا للانتخابات الفلسطينية في عام 1996. ومن بعده رددها اكثر من زعيم اسرائيلي بدءا بشيمعون الذي خلفه في رئاسة الوزراء خلفا لرابين بعد اغتياله في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، وكذلك بنيامين نتنياهو الذي هزم بيريس في الانتخابات البرلمانية عام 1996 وحتى ايهود باراك وارييل شارون، فقد اثبت جميعهم في اكثر من مناسبة بالافعال والاقوال ان التواريخ والمواعيد ليست مقدسة.

فقد اخلف رابين بوعده في الانسحاب او اعادة الانتشار من مدن الضفة الغربية في الوقت المحدد في عام 1995 تمهيدا لبدء الحملات الانتخابية لأول مجلس تشريعي فلسطيني في يناير (كانون الثاني) 1996. ورفض خلفه بيريس الانسحاب من مدينة الخليل رغم وجود اتفاق بهذا الشأن، الامر الذي اضطر الفلسطينيين الى اجراء الانتخابات في هذه المدينة تحت حراب جنود الاحتلال.

وجاء نتنياهو الى رئاسة الوزراء بعد الحاق الهزيمة ببيريس في انتخابات مايو(ايار) 1996، ولم يلتزم بوعود اجتماع واي بلانتيشن الذي رعاه الرئيس الاميركي بيل كلينتون عام 1998. ومن بعده لم يلتزم ايهود باراك بمواعيد بالانسحاب من قرى وبلدات في محيط مدينة القدس المحتلة.

وفعل الشيء ذاته ارييل شارون الذي نكث بوعود للاميركيين بازالة بؤر استيطانية خلال فترة زمنية محددة، بما ينسجم وخطة خريطة الطريق، وكذلك رئيس الوزراء الحالي ايهود اولمرت. والاهم من كل ذلك ان الجانب الاسرائيلي لم يلتزم بموعد مايو(ايار) 1999 الذي كان يفترض ان يكون نهاية المرحلة الانتقالية التي حددها اتفاق اوسلو الاول في سبتمبر (ايلول) 1993 والثاني في سبتمبر 1995، واعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.

فهل يكون الوعد الاسرائيلي الجديد ومن ورائه الاميركي في الوثيقة كما يحلو للفلسطينيين وصفها والبيان كما يشدد الاسرائيليون، الصادرة عن مؤتمر انابوليس، بانهاء مفاوضات الحل النهائي (القدس واللاجئون والمستوطنات والحدود والمياه والامن) في عام 2008، اكثر قدسية من الوعود والتواريخ السابقة؟

تكمن الاجابة على هذا السؤال في جدية موقف ادارة الرئيس جورج بوش، ومدى استعدادها للضغط على اسرائيل.. لكن اذا كانت التجارب السابقة مثالا او بالاحرى امثلة على التملص الاسرائيلي من أية التزامات او تعهدات، فان الاجابة على السؤال ستكون سلبية حتما لان القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات الان، هي اعمق واعقد واصعب من القضايا التي شملتها الاتفاقات المرحلية السابقة. كما ان رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي ليس بالقوة السياسية او البرلمانية كأسلافه رابين وباراك وشارون، التي تمكنه من فرض حلوله سواء على الائتلاف الحكومي الذي يضم احزابا يمينية متطرفة مثل اسرائيل بيتنا لليهود الروس بقيادة افيغدور لبرمن، وحزب شاس لليهود الشرقيين المتزمتين، او حتى حزبه «كديما» الذي لا يبدو متجانسا في مواقفه ازاء كيفية حل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، لا بل فان اولمرت نفسه يفتقر لتجانس المواقف حتى في اوساط وزراء «كديما» داخل الحكومة. فقبل ان يجف حبر التوقيع على البيان المشترك بين الفلسطينيين والاسرائيليين الذي اعلنه الرئيس الاميركي في كلمة افتتاح مؤتمر انابوليس اول من امس، اعتبر آفي ديختر وزير الأمن الداخلي في حكومة اولمرت الجدول الزمني غير واقعي، وبعبارة اخرى يمكن اضافته الى «المواعيد الاسرائيلية غير المقدسة». ونقلت صحيفة «جيروساليم بوست» عن ديختر قوله «ان خطة خريطة الطريق هي المرحلة الاولى وان الفلسطينيين فشلوا في تنفيذ مواعيدها خلال السنتين الماضيتين». واضاف ديختر «بادئ ذي بدء ان الجدول الزمني لم يكن واقعيا في الماضي ولا يزال غير واقعي في يومنا هذا، رغم انه يوجهنا في الاتجاه الصحيح». وتابع القول «اعتقد اننا في نهاية عام 2008 ستكون لدينا معرفة افضل حول كيفية الاداء الفلسطيني».

ومما يزيد من الشكوك ازاء امكانية الالتزام الاسرائيلي بهذا الوعد كلام اولمرت في خطابه اول من امس في انابوليس الذي لم يكن قاطعا بل عاما مطاطا اذ اكتفى بالقول انه يسعى للعمل الى تحقيق اتفاق سلام خلال عام، وبذلك قد لا تكون مواعيد انابوليس اكثر قدسية من مواعيد اوسلو.