لبنان: الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي بين الصلاحيات الكاملة و«اللاشرعية»

«الشرق الأوسط» استطلعت خبراء في الدستور والقانون

TT

رغم مرور نحو سنة على بدء الازمة الدستورية اللبنانية، لا يزال جميع الاطراف السياسيين متمسكين بتفسير الدستور ونبش مواده فيما الناس منشغلون بالفراغ ومفاعيله وتأثيراته. فبعد تسلّم الحكومة صلاحيات الرئيس، ثمة من يتخوفون من استمرار «سلطة الواقع»، وثمة من اعترضوا على المادة 62 من الدستور التي تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء في حال خلو سدة الرئاسة. والنائب السابق ميخايل الضاهر كان من ابرز المعترضين في اليومين الاخيرين، فقال: «هناك خطأ جسيم ارتكب عام 1990 عندما قيل تناط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء وكالة وهذا لا يقوله الطائف. في رأيي، كان يجب ان تلغى المادة 62 عام 1990 لان مجلس الوزراء يستطيع ان يكمل ويسير البلد، انما لا يجوز ان تنتقل صلاحيات رئاسة الجمهورية الى أي سلطة أخرى».

ولفت الى ان «ان رئيس الجمهورية نفسه لا يستطيع ممارسة صلاحيات الرئاسة الا اذا حلف اليمين الدستورية. واذا مارس من دون ان يحلف تكون باطلة. فعندما يريد مجلس الوزراء ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ولم يحلف اليمين الدستورية، فلا يستطيع ممارسة هذه السلطة اطلاقا».

وفي ظل هذه الفوضى الدستورية، وبهدف معرفة ما هي الصلاحيات التي تتمتع بها الحكومة، وأين الحدود التي تقف عندها وتأثير الفراغ الحاصل، تحدثت «الشرق الاوسط» الى كل من وزير التربية اللبناني خالد قباني وهو رجل قانون، والكاتب السياسي المحامي سليمان تقي الدين الذي شارك في الاعمال التحضيرية لاتفاق الطائف، فضلا عن الاستاذ المحاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اليسوعية القاضي سليم جريصاتي. قال قباني: «صلاحيات الحكومة واضحة جدا ومنصوص عليها في ظل احكام الدستور وهي تمارسها وفقا لهذه الاحكام. وفي ما يتعلّق بالفراغ في منصب الرئاسة فقد عالجته المادة 62. وبالتالي الحل قد أوجده الدستور وهو ينيط بمجلس الوزراء ان يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة حتى انتخاب رئيس جديد. كذلك ان الحكومة لا تعتبر مستقيلة لان اعتبارها مستقيلة منصوص عليه في المادة 49 التي من جملة ما تورد، تعتبر ان الحكومة مستقيلة مع بدء ولاية الرئيس الجديد وهذا لم يتحقق حتى اليوم». وعن قسم اليمين الذي يؤديه رئيس الجمهورية عند انتخابه، قال: «هذا القسم منصوص عليه في المادة 50 وهو امتياز حصري لرئيس الجمهورية دون سواه. وهذا تعبير عن الموقع الرفيع والمتميّز للرئيس في السلطة لانه وبحسب المادة 49 هو رمز وحدة الوطن ومكلّف السهر على احترام الدستور. وبالتالي المادة 62 لا شائبة فيها على الاطلاق وهي ضرورية لاستمرار عمل السلطة العامة لانها تضمن استمرار العمل في المؤسسات الدستورية. كذلك هي ليست جديدة على الدستور كما يقول البعض. ورئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات منصوص عنها في المادة 53، فمن يمارسها إذا فرغ موقع الرئاسة وألغيت المادة 62؟ لا احد. أمعقول ذلك؟ لذلك لا يجوز الغاؤها لانه بفضلها لا فراغ اليوم في عمل المؤسسات».

وعن امكان اتخاذ الحكومة الحالية قرارات أو اعطاء التزامات أو توقيع معاهدات أو اتفاقات في مؤتمر انابوليس في ظل الفراغ الحالي، أجاب: «في انابوليس وغير انابوليس، تعتبر الحكومة قائمة بكل صلاحياتها المنصوص عليها في الدستور وتحديدا في المادة 65 إضافة الى تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية استنادا الى المادة 62 من الدستور... وهذا يعني ان لمجلس الوزراء كل الحق في اتخاذ كل القرارات والحفاظ على استمرار العمل في المؤسسات. فالحكومة ليست حكومة تصريف اعمال انما حكومة كاملة الصلاحيات الا انها ووعيا منها وإدراكا لدقة المرحلة وصعابها ولانها ترغب وتسعى لأن يتم انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن لكي يكتمل عقد المؤسسات الدستورية وتنتظم الامور في البلاد بشكل طبيعي بحيث يصار الى تأليف حكومة وحدة وطنية. والحكومة ستعمل بروحية تصريف الاعمال وليس بمضمون تصريف الاعمال، اي أنها ستتخذ القرارات وستقوم بعملها بحكمة وتأن، ولن تتخذ اي قرار يمكن ان يشكل اي ضرر للبلاد أو وحدة لبنان».

وختم: «الحكومة ستمارس صلاحياتها هذه موقتا وهي تحاسب امام مجلس النواب الذي يمكن ان يسحب الثقة منها». في المقابل، كان رأي مناقض تماما للمحامي سليمان تقي الدين، الذي قال: «دستوريا، الحكومة تتمتع حاليا بصلاحياتها وصلاحيات رئاسة الجمهورية اي انها ليست حكومة تصريف اعمال. لكن في لبنان، وبسبب طبيعة نظامنا الطائفي لا يكتفى بالدستور بل يعلوه الميثاق الوطني. هذا الميثاق كان اتفاقا شفويا وتم تجسيده كتابة في ما يسمى مقدّمة الدستور التي تعلو بمبادئها الدستور. وهي تنص في الفقرة «ي» على انه لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك، فيما السلطة التنفيذية الحالية غائب عنها ركن اساسي هو رئاسة الجمهورية والطائفة الشيعية كما ان التمثيل المسيحي فيها مبتور. رئيس الجمهورية الأسبق اللواء فؤاد شهاب كان يقول ان الميثاق هو الدستور الثاني للبلاد». وأضاف: «عمليا وبالمعنى الميثاقي، لا يمكن الحكومة ان تتخذ قرارات او تعطي التزامات أو تعهدات لاسيما للخارج في ظل هذه الازمة وأي قرار من هذا النوع قد يعرّض البلاد لخطر الانفجار».

وقال: «أشفق على المحللين الدستوريين في بلادنا. فلنفترض انه بعد فترة أقامت الطائفتان المسيحية والشيعية اتفاقا ضمنتا بعده الاكثرية النيابية في البرلمان. فإذا قررتا الاتيان برئيس حكومة شيعي، بما ان الدستور لا ينص على طائفة الرؤساء لان هذا الامر عرف وتقليد، هل ستوافق الطائفة السنية على ذلك؟ عليهم التوقف عن ترداد نغمة الاكثرية والأقلية. فهذه المعادلة لا تصحّ في لبنان الذي أثبتت التجربة انه لا يحكم الا بالتوافق. ثم من قال ان رئيس الحكومة قادر على الحكم وماذا تستفيد الطائفة السنية من هذا الوضع؟ نحن اليوم نعيش على الصدفة وفي توزان الامر الواقع لان مجتمعنا والحمد لله يضبط نفسه.