التقدم العسكري في العراق لا يزيد الحرب شعبية في أميركا

الجدل خف بعض الشيء لكنه يهدد بالعودة مع استئناف النقاش حول التمويل

TT

تحول النقاش داخل الولايات المتحدة حول الحرب في العراق بشكل كبير خلال الشهرين الأخيرين، منذ أن قدم الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العسكري الاميركي في العراق، شهادته أمام الكونغرس وإصدار الرئيس جورج بوش أمره بسحب أول وحدات من العراق، فحاليا يرى عدد أكبر من الأميركيين أن الوضع على الأرض في تحسن.

وكشف استطلاع جديد للرأي صدر أول من أمس عن ذلك التغير في المناخ السياسي حيث اتضح أن الجمهور أكثر إيجابية الآن تجاه جهود القيادة العسكرية الأميركية في العراق مما كان سائدا قبل 14 شهرا، مع الزيادة الكبيرة في عدد القوات الأميركية والتقلص السريع للعنف في العراق. مع ذلك يظل بوش بلا شعبية في الاستطلاع الذي أجري لصالح مؤسسة «الشعب والصحافة» واتضح ان الجمهور ما زال ملتزما بفكرة إعادة القوات الأميركية من العراق.

ولعل التغيير في الرأي العام يعكس التحول الذي جرى في البيت الأبيض أيضا. فبينما يخوض الكونغرس معركته مع بوش حول الحرب في العراق انتقل النقاش إلى إيران، والإنفاق والعناية الطبية والاقتصاد وقضايا أخرى وكل ذلك ولد طاقة سياسية في الجو العام. بل حتى الجماعات المناهضة للحرب التي كانت تنكر في السابق تحقق تحسن في الأمن داخل العراق بدأت تركز في جدالها على فشل الجهود المبذولة لتحقيق مصالحة وطنية ما بين الأطراف العراقية أو مخاطر الدخول في حرب مع إيران. وقال اندرو كوهت مدير مركز «بيو» الذي اجرى الاستطلاع معلقا: «تقوي نتائج هذا الاستطلاع فكرة أن العراق ما عاد نقطة ضغط مثلما كان الحال عليه خلال الجزء الأكبر من هذه السنة. وإذا أصبح الملف العراقي أقل بروزا في الانتخابات المقبلة فإن ذلك بالتأكيد سيكون جيدا بالنسبة للجمهوريين ومن الممكن ان يكون عاملا محولا. لكن من المهم التأكيد على أن ذلك مجرد امكانية». وكشف الاستطلاع عن أن 48% من الأميركيين يرون أن الجهود العسكرية في العراق تسير مسارا حسنا وهذا من نسبة 30% في فبراير (شباط) إلى 43% الآن كذلك زادت نسبة القناعة التي ترى أن هناك تقدما في محاربة المتمردين من 30%. مع ذلك، فإن نسبة الأميركيين الذين يريدون إعادة القوات الأميركية إلى الولايات المتحدة لم تتغير عن 54% كذلك لم تتغير نسبة الذين يرون أن الجهود الأميركية في العراق ستفشل في نهاية الأمر حيث بقيت على نسبة 46%. لكن الدعم لبوش هبط بنسبة 3% ليصل إلى 30%.

ورفضت الجماعات المناهضة للحرب الاستطلاع الجديد باعتبار أن «الشيء الأساسي فيه هو ان الجمهور يريد الخروج من العراق» حسبما قال توم اندروز المدير الوطني للائتلاف المعروف باسم «الانتصار بدون حرب». وأضاف: «هذا لم ولن يتغير». وقال فين ويبر عضو الكونغرس الجمهوري السابق إن «السؤال المركزي ليس: هل نحن ننتصر أم نخسر؟ السؤال المركزي هو: هل الجهود التي بذلناها كانت مبررة ؟ وهذا السؤال قد تمت الإجابة عنه منذ فترة طويلة».

غير أنه الى حد ما على الأقل يمضي جدل واشنطن. ولم يبذل الكونغرس كثيرا من الجهد لاقرار تشريع يفوض انسحاب القوات كجزء من فاتورة انفاق على الحرب تبلغ 50 مليار دولار في الشهر الحالي ثم سرعان ما وضعه على الرف. وبدون حساب الصراع التركي مع المتمردين الأكراد لم يسأل بوش في آخر مؤتمر صحافي له الشهر الماضي حول الحرب في العراق حتى السؤال العاشر. ولم يطرح سؤال عن العراق في الايجازات الصحافية السبعة التي قدمتها السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض دانا برينو في الشهر الحالي.

وعلى نحو مماثل فان المرشحين الديمقراطيين الذين بدا انهم يتحدثون القليل عن أمور اخرى غير العراق في أوائل العام الحالي يقضون مزيدا من الوقت وهم يتصارعون بشأن قضايا اخرى في الفترة الأخيرة. وفي مناظرتهم يوم 30 أكتوبر الماضي في فيلادلفيا استخدم اسم «العراق» 44 مرة، ولكن اسم «ايران» استخدم 69 مرة. وحتى جماعة أندرو المناهضة للحرب تعتزم شن حملة جديدة بما في ذلك اعلانات في التلفزيون والصحافة تركز على ايران أكثر من العراق. وقال ان الرسالة الى الديمقراطيين ستكون «اذا لم تستطيعوا العمل من أجل ايقاف الحرب في العراق فهل بوسعكم أن توقفوا حربا في ايران على الأقل؟». ويرى السكرتير الصحافي السابق للبيت الأبيض أري فليتشر، الذي شارك في تأسيس جماعة تحمل اسم «فريدومز ووتش» للضغط على الجمهوريين من أجل الاستمرار في الالتزام بسياسة بوش بخصوص الحرب، يرى مجالا لتوسيع الرسالة. وقال ان «الحملة التي بدأناها في أغسطس (آب) الماضي هي في الواقع للتوثق من أن الجمهوريين لم يغيروا مواقفهم. ومن العدل القول الآن، وبسبب تغير الحقائق على الأرض، اننا نمتلك الفرصة لاعادة كسب المستقلين الذين فقدناهم».

وبينما خف الجدل العراقي في الوقت الحالي فانه يعد بالاستئناف، ذلك أن حاجات التمويل تتحول الى قضية. وفي دفع قضيتهم لحرمان بوش من مزيد من الأموال للحرب أسقط الخصوم حجة ان العنف في الواقع لم ينخفض ويشيرون بدلا من ذلك الى حقيقة أن «زيادة» القوات في وقت مبكر من العام الحالي لم تؤد الى الاتفاق السياسي الذي كان مفترضا. وقال بي. جي. كرولي، مساعد الأمن القومي للبيت الأبيض في عهد الرئيس بيل كلينتون، ويعمل حاليا في مركز التقدم الأميركي، ان «البيت الأبيض يميل الى التركيز على الوضع العسكري ويتجاهل الوضع السياسي. عليكم ان تتذكروا ان الزيادة تكتيك وبينما يمكن للتكتيك أن يعمل بصورة افضل من المتوقع فإن الموقف الاستراتيجي الشامل لم يتغير بصورة اساسية». وحتى في هذه الحالة تغيرت بعض الحسابات السياسية.

فاذا ما بقي العنف منخفضا فانه قد يمكن بترايوس عند عودته الى واشنطن في مارس (آذار) المقبل من التوصية بسحب ما يزيد على 30 ألفا من القوات التي من المقرر ان تغادر بحلول يوليو (تموز) المقبل. واذا كان الأمر على هذا النحو فان انتخابات الخريف يمكن أن تكون على خلفية عودة القوات الى الوطن. وقال كريستوفر غيلبي، الباحث في جامعة ديوك الذي درس الرأي العام في فترة الحرب انه «في الوقت الحالي يقول الجميع انهم يؤيدون سحب القوات. والسؤال هو بأية سرعة. وذلك يجعل القضية غائمة. فاذا ما استمر العنف على التقلص، واذا ما كانت الكلفة تنخفض، فان ذلك يجعل من السهل البقاء هناك حتى اذا لم يكن هناك تقدم».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»