يوميات سائق سيارة أجرة في بغداد

يتخوف من ديالي ويندهش من نشاط شوارع الأعظمية المزدحمة

السائق العراقي حسن نجاح لا يشعر بالأمان التام عند التنقل بين أنحاء العاصمة بغداد («واشنطن بوست»)
TT

كانت امام حيدر عباس وهو سائق سيارة اجرة في السادسة والثلاثين من عمره، عدة دقائق للاجابة عن سؤال هو عادة سؤال يتعلق بالحياة والموت في هذه المدينة: هل ينقل راكب لبيته؟

والبيت في هذا اليوم القائظ في الشهر الماضي، كان في الاعظمية، وهي منطقة خطرة قتل فيها عدد من السائقين. فعباس لم يذهب لتلك المنطقة منذ عامين. ولكن الراكب أصر على أن المنطقة اصبحت اكثر امنا، ولذا اضطر السائق للقبول.

وقال عباس «اقول لك الحق، اعتقدت اننا بدلت حياتي مقابل 500 دينار»، أو اربعة دولارات. وقد دهش عباس عندما وصل الى شوارع الاعظمية المزدحمة بالسيارات وشاهد المحلات مفتوحة والناس يتجولون في الشوارع. وذكر «لقد تبين لي فجأة ان الأمن يعود إلى بغداد».

وفي مدينة يؤمن عدد قليل من السكان بالبيانات الرسمية بانخفاض العنف، سواء من جانب القوات الأميركية او الحكومة العراقية، فإن الارقام الصحيحة حول تحسن الأمن يمكن العثور عليها في عدادات سيارات الأجرة.

وبعد سنوات من الحرب الطائفية التي أدت الى انخفاض عدد الأحياء التي يمكن لسائقي سيارات الاجرة العمل فيه، فإن سائقي الاجرة، يعبرون احياء بغداد كلها تقريبا. وكل يوم يقيمون الحدود المتغايرة دائما بين الخطر والامن، ويأملون في ان الحياة ستعود الى طبيعتها، ولكنهم لا يزالون يعتبرون بغداد مدينة يمكن لأي شخص ان يقتل فيها في أي لحظة من دون سبب معين.

غير ان ذلك لا يعني تفاؤل الجميع. فالعديد من العراقيين لا يزالون يخشون استخدام سيارات الاجرة، خوفا من احتمال اختطاف السائق لهم او ان السيارة ربما تكون نقطة جذب للانتحاريين.

وذكر زهير الوزان وهو عامل في الثالثة والاربعين من عمره من الكرادة، انه من الغباء استخدام سيارة اجرة. واوضح «لا اريد من الموت العثور على في سيارة اجرة». وعندما سؤل عما يخشاه قال «الانفجارات».

وطبقا لمقابلات مع عشرات من سائقي سيارات الأجرة في المدينة، فإن المزاج الآن اصبح اكثر املا من أي وقت آخر منذ 6 فبراير (شباط) 2006 عندما فجر مسجد القبة الذهبية في سامراء، الذي دفع البلاد الى حافة الحرب الاهلية.

وقال ابو احمد البالغ من العمر 32 سنة الذي يعيش خارج المنطقة الخضراء، انه بعد الهجمات على المقام الشيعي، الواقع على بعد 65 ميلا من بغداد، لم يتمكن من قيادة سيارته في طرق خارج العاصمة. وحتى داخل المدينة، قال «ان الاتجاه الى احياء مثل الغزالية والشعلة والعامرية صعب». واوضح «اذا اخذت راكبا لتلك المناطق، فهناك فرصة كبيرة بعدم عودتك».

وقال أبو احمد اما اليوم، فإنه ينقل السكان الى أي مكان في البلدة واي منطقة في البلاد، ماعدا محافظة ديالى. وقال «لا اذهب للشوارع الجانبية في الاحياء الخطرة. الطرق الرئيسية فقط.

وقد ذكر مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي ان عدد الهجمات في بغداد انخفض من 1442 الى 323 في الشهر الماضي. ولكن بدلا من البيانات الرسمية، فإن سائقي سيارات الأجرة يعتمدون اكثر على الاصدقاء واسرهم، والزملاء.

وأوضح حيدر عباس السائق الذي دهش من النشاط الذي يشاهده حي الاعظمية. «نطلق على سائقي سيارات الاجرة في العراق المراسل المتجول. فنحن نعرف كل حي، ويمكننا قراءة عقول وقلوب الناس الذين يركبون سياراتنا».

ولا يزال سائقو الأجرة يخفون هويتهم عند المرور عبر احياء الطائفة الاخرى. فقد ذكر عمر حسين فضل وهو سني يوضح اسمه الاول طائفته، انه ينقل الركاب الى أي مكان في البلدة، ولكنه يدعي انه شيعي.

ويحمل فضل هوية مزورة تحمل اسما شيعيا. ويترك جهاز الكاسيت وعليه تسجيلات شيعية. ويتبع التقاليد الشيعية بتعليق شريط أخضر على القميص. ويشير سائقو سيارات الأجرة الى تحسن الموقف الأمني يجعل من الصعب الحصول على دخل. فعديد من سكان بغداد يشعرون بالاطمئنان بحيث انهم بدؤوا في قيادة سياراتهم مرة اخرى، وتوقفوا عن استخدام سيارات الأجرة. كما ان ارتفاع اسعار الوقود جعل من الصعب تحقيق ارباح كافية. كما توقفت ايضا عملية هروب سكان بغداد الى سورية بسبب تحسن الوضع الأمني، مما اثر على مصدر الدخل.

ويقول منتصر رشيد الذي عمل لمدة عامين ينقل العراقيين الى دمشق، انه اصبح عاطلا عن العمل. فلم يعد هناك احد يرغب في الذهاب الى سورية. واصبح الطلب متزايدا على الرحلات من سورية للعراق، بحيث ارتفعت سعر الرحلة من دمشق لبغداد من 500 دولار الى الف دولار.

واصبح من السهل على رشيد قيادة سيارته عبر محافظة الانبار. ويتذكر كيف قطع المتمردون السنة اصحابه، بل قتلوا عددا من سائقي سيارات الاجرة، الذين تجرأوا على تدخين السجائر او الاستماع الى الموسيقى في سياراتهم.

الا انه يخشى تعرضه للقتل على يد القوات الأميركية. ففي ليلة من الليالي قاد سيارته عبر الصحراء. وكان الجو مظلما، ولم يتمكن من رؤية سيارة الهامفي المتوقفة في وسط الطريق. واقترب منها للغاية لدرجة ان الجنود اطلقوا عليه النار ثلاث مرات.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)