خبراء أميركيون يدرسون سيناريوهات لحماية ترسانة باكستان النووية

تتضمن الخيار العسكري لمنع وصول الأسلحة إلى أيدي المتطرفين الإسلاميين

TT

التقت مجموعة صغيرة من الخبراء العسكريين والمسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين في واشنطن، من اجل خطة حرب سرية العام الماضي، وهم يستكشفون استراتيجيات لحماية ترسانة باكستان النووية اذا ما بدأ انهيار في المؤسسات السياسية ومراكز الحماية العسكرية. وكانت تلك الخطة السرية، التي أجريت بدون رعاية رسمية من اية جهة حكومية، بسبب حساسية الموضوع، واحدة من عمليات عدة مثل هذه قامت بها الحكومة الأميركية في السنوات الأخيرة، لدراسة الخيارات والسيناريوهات المختلفة لأسلحة باكستان النووية: كم من القوات ضرورية لتدخل عسكري في باكستان؟ هل يمكن عزل الملاجئ النووية الباكستانية عبر زرع عشرات الألوف من الألغام الفعالة في المنطقة المحيطة، تلقى من الجو ومزودة بعدة مضادة للدبابات والأشخاص؟ أم أن مثل هذه الخطوة ستؤدي الى مزيد من التدهور في ما يتعلق بأمن ترسانة باكستان؟

ولسنوات عدة سعت الحكومة الأميركية الى مساعدة باكستان على تحسين اجراءات حماية اسلحتها، وأنفقت عشرات الملايين من الدولارات منذ عام 2001 لتعزيز أمن الملاجئ النووية في البلاد. غير ان القضية باتت موضع الحاح اكبر في الأسابيع الأخيرة، حيث أدت خطوة الرئيس الباكستاني برويز مشرف باعلان حالة الطوارئ وايقاف العمل بالدستور الى صدامات في الشوارع واضطراب سياسي. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يعبرون عن ثقتهم بالاجراءات الأمنية الحالية فانه كلما دققوا في المخاطر أدركوا بصورة اكبر انه ليست هناك اجابات مناسبة، وفقا لما قاله روبرت اوكلي، السفير الأميركي السابق لدى باكستان. وقال أوكلي «ان الجميع يزحفون في هذا الاتجاه».

وقال احد المشاركين ان حصيلة خطة العام الماضي السرية هي انه ليست هناك سبل معقولة لفرض ضمان أمن الأسلحة النووية الباكستانية، وانه حتى دراسة سيناريوهات للتدخل يمكن أن تؤدي الى مفاقمة المخاطر، عبر تقويض التعاون الأميركي الباكستاني. وقال المشارك، وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع، طلب عدم الاشارة الى اسمه، بسبب سرية الخطة «انها مشكلة مروعة». وأضاف ان خطط الطوارئ القائمة هي تحت التحكم في مقرات القيادة الأميركية الوسطى في تامبا. وقال انه حتى في هذه الحالة فان المخططين لم يطوروا اجابات حول كيفية التعامل مع الأسلحة النووية المخفية في مدن باكستان الكبرى وفي المناطق الجبلية الشاهقة.

وقال كولونيل البحرية المتقاعد غاري اندرسون، الذي شارك في خطة سابقة درست انهيارا في باكستان، ان «المسألة الجوهرية هي انها سيناريو كابوسي. فهناك رؤوس نووية يصعب العثور عليها ويمكن أن تكون بأيدي المتطرفين الاسلاميين، وليس هناك الكثير من الخيارات العسكرية الجيدة».

وقال خبير في الارهاب الباكستاني لم يحضر خطة الحرب العام الماضي ولكنه علم ببعض من استنتاجاتها، ان كبار المسؤولين الأميركيين «لم يكونوا راضين بما ابلغتهم به الخطة. كانوا مصدومين الى حد ما». وتحدث مشترطا عدم الاشارة الى اسمه، لأن الجهود الأميركية المرتبطة بحماية ترسانة باكستان النووية تعتبر من البرامج الخاصة السرية للغاية حسب قوله.

وحذر ملتون بيردن، الرئيس السابق لمحطة وكالة المخابرات المركزية في العاصمة الباكستانية اسلام آباد، الذي يقوم الآن بعمل مع الحكومة الباكستانية في قضايا تجارية، حذر من بعض الخطوات التي قد تبدو وهي تقدم حلا قصير الأجل يمكن أن تؤدي الى نتائج عكسية على المدى البعيد.. وقال انه «عندما تتحدثون عن قوات أميركية تدخل وتسيطر على الأسلحة النووية فان ذلك يعني اننا غزونا بلدا آخر».

ويرى آخرون ان هذه الخطط يمكن أن تؤدي الى تدهور للوضع عبر اثارة مشاعر معادية لدى الباكستانيين وتشجيع الحكومة الباكستانية على اتخاذ اجراءات مضادة. وقال البريغادير الباكستاني المتقاعد فيروز خان، الضابط الذي كان حتى عام 2001 يحتل المرتبة الثانية في قسم الخطط الاستراتيجية في الجيش الباكستاني، الذي يشرف على السيطرة على الأسلحة النووية، قال في مقابلة معه انه سمع بالدراسات وخطط الحرب التي أعدت «في مؤسسات حكومية اميركية مختلفة» ويعتقد انها «في غاية الخطورة».

واضاف مشيرا الى المجموعة الأميركية التي ارسلت لانقاذ الرهائن الأميركيين في ايران عام 1980 «ربما ترغبون في تذكر عملية الصحراء واحد».

ونتيجة لذلك فإن الحكومة الأميركية تدرس الملف النووي، مما جعل المسؤولين الباكستانيين يرون أن التدخل الأميركي «هو تهديد حقيقي الآن» حسبما قال خان. ومن المؤكد أن القيادة العسكرية الباكستانية اتخذت اجراءات احترازية لقطع الطريق أمام غارة من هذا النوع، حسبما قال، مثل تشكيل مخابئ زائفة تحتوي على صواريخ نووية كاذبة. وقدر عدد رؤوس الصواريخ النووية التي تمتلكها باكستان بحوالي 80 إلى 120، وهو ضعف ما ذكره الخبراء الأجانب. وقال ضياء ميان الخبير الفيزيائي من جامعة برينستون والمتخصص في انتشار الأسلحة النووية بجنوب آسيا: «قد يؤدي ذلك إلى دفع الأوضاع نحو الأسوأ اذا جرت مبادرة من هذا النوع»، ومن بين العواقب التي تنبأ بها هو أن أي مسعى أميركي لتأمين الترسانة النووية الباكستانية «سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة مشاعر العداء للولايات المتحدة».

وهناك قلق لبعض الخبراء في حقل انتشار الأسلحة النووية يتمثل بوقوع انهيار داخلي في باكستان وهذا ما قد يدفع طرفا من أطرف الصراع إلى السعي للحصول على الرؤوس النووية لا من أجل استخدامها، بل من أجل الحفاظ بها كرمز للسلطة. وقال مسؤول استخبارات أميركي رفيع: «اظن أن هناك الكثير من المخاوف حول هذا الجانب، وكلما كانت الحكومة اقل استقرارا أصبح المجتمع مقلقا أكثر... الأخبار الحسنة هي أن باكستان تأخذ هذه القضية بشكل شديد الجدية».

لكن ماذا لو لم تتمكن الحكومة الباكستانية من ضمان أمن أسلحتها النووية؟ قال المسؤول نفسه: «عند ذلك سأوافق على أنه لا توجد أجوبة جيدة. وأظن أن الأمور ستأخذ منحى عنيفا إذا فقدت الحكومة سيطرتها وعند ذلك يكون على المرء أن يفكر بالمخاطر بشكل أكثر فعالية».

قال سكوت ساغان الخبير في مكافحة انتشار الأسلحة النووية «أفضل رهاننا لضمان القوى النووية بباكستان هو من خلال التعاون مع القيادة الباكستانية لا أن ندخل في خلاف معها».

وحاجج ساغان بأن التفكير في إجراء تدخل أميركي سيزيد حظوظ الإرهابيين في امتلاك رأس نووي. وقال إنه خلال الأزمة قد تبدأ الحكومة الباكستانية بتحريك أسلحتها النووية من أماكن آمنة، لكنها في مواقع معروفة، إلى أماكن أكثر سرية وأقل أمانا. لكن خان البريغادير الباكستاني المتقاعد قال، إن مخاوف ساغان في غير محلها. فالأسلحة هي «في مخابئ آمنة، مع مستويات عدة من الأمن ومع إجراءات فعالة وسلبية» لإخفاء وجودها. وبينما اعترف خان بأن الحكومة الباكستانية حركت بعضا من أسلحتها النووية في عام 2001 فإنه قال إن التغييرات جعلت ترسانة الأسلحة أكثر لا أقل أمانا. والشيء الأساسي، حسبما ذكر أوكلي الدبلوماسي القديم، هو أن «الطريقة الوحيدة التي تستطيع أن تضمن سلامتها هو أن تعمل عن قرب شديد مع الجيش الباكستاني». وأن تهاجم ذلك الجيش فإن ذلك سيؤدي إلى إنهاء تلك المؤسسة التي تستطيع إبقاء الأسلحة تحت السيطرة. «وإذا أردت أن تصبح الأسلحة النووية غير محروسة بما فيه الكفاية فإن هذا هو الطريق لتحقيق ذلك» حسبما قال أوكلي.

*خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ «الشرق الأوسط»