تقرير الاستخبارات حول إيران يشعل «نظرية المؤامرة» وتجسس على مكالمات مسؤولين إيرانيين قاد لنتائجه

بليكس «متفاجئ» من نتائج التقرير.. وخبراء يعتقدون أنه «مناورة وانتقام» من بوش

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال زيارته لمحافظة ايلام بشمال غربي إيران (أ.ب)
TT

بعد يومين من تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية حول إيران، أعرب خبراء نوويون عن شكوكهم في صحة نتائج التقرير، بل ان بعضهم قال ان التقرير الاستخباراتي «مناورة» من وكالات الاستخبارات ضد الرئيس الأميركي جورج بوش لمنعه من الهجوم على إيران. ويأتي ذلك فيما اعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ان تقرير الاستخبارات الأميركية «انتصار للإيرانيين»، كما قال إن بلاده بحاجة الى 50 ألف جهاز طرد مركزي جديد لتخصيب اليورانيوم. وأكد الرئيس الإيراني أن تقرير الاستخبارات الأميركية «إعلان انتصار الشعب الإيراني في وجه القوى العظمى». وتابع «هذا التقرير يهدف الى إخراج الحكومة الأميركية من المأزق، لكنه يشكل اعلان انتصار الشعب الإيراني في وجه القوى العظمى». ورأى احمدي نجاد في هذا التقرير الذي وصفه بأنه «الضربة القاضية لأعداء ايران»، سببا اضافيا لطهران لعدم التراجع بشأن نشاطاتها الذرية رغم صدور قرارات عن مجلس الأمن تطالبها بتعليقها. وقال الرئيس الإيراني «الشعب الإيراني حقق اكبر انتصار ويجب الحفاظ عليه»، مؤكدا مجددا ان ايران «لن تتراجع قيد انملة عن حقها النووي». وشدد احمدي نجاد على ان التقرير «يقول صراحة ان الشعب الإيراني على الطريق الصحيح» ويثبت موقفه من ان الملف النووي قد طوي. وأضاف «قبل ثلاثة اشهر قلت ان القضية النووية انتهت.. البعض اعتقدوا أني أردت دعم معنويات الشعب الإيراني، لكنه الواقع». وتابع «البعض في داخل البلاد يمسكون بيد العدو ويدفعوننا الى اعطاء منافع للعدو والى التراجع». وأكد احمدي نجاد ان ايران بحاجة الى 50 ألف جهاز طرد مركزي إضافي لتخصيب اليورانيوم في اطار برنامج ايران النووي، حسبما ذكرت وكالة الانباء الايرانية. وأوضح في خطاب القاه في محافظة ايلام (شمال ـ غرب): «اذا اردنا تزويد الوقود النووي على مدى سنة لمحطة نووية، فيجب ان يكون لدينا 50 ألف جهاز طرد مركزي».

وأعرب المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، هانس بليكس، عن دهشته من تقرير المخابرات الأميركية حول النووي الإيراني، وقال إنهم يحاولون تفادي تحمل المسؤولية كاملة في حال هجوم على ايران. وقال بليكس أمس «انا متفاجئ» بخصوص دراسة الاستخبارات الأميركية التي أكدت ان طهران اوقفت برنامجها النووي العسكري. وأوضح ان واشنطن لطالما اكدت ان ايران تريد امتلاك السلاح النووي، ولذلك فان تلك الاستنتاجات مذهلة. وأضاف «ربما لا ترغب الاستخبارات في ان تتحمل مسؤولية هجوم اميركي على ايران، على غرار ما حصل في العراق». كما لفت الى ان هذه الدراسة تستبعد اي خطر تدخل اميركي في ايران «على المدى القصير»، موضحا «ان تدخلا كهذا لن يكون ذا مصداقية». «ينبغي اعتماد الدبلوماسية، والآن اصبح هناك متسع لذلك» حسب المدير السابق للوكالة الدولية. وترأس بليكس بين العامين 2002 و2003 فريق مفتشي الأمم المتحدة في العراق المكلف التحقيق في وجود اسلحة دمار شامل. وكان قد اتهم واشنطن ولندن بتضخيم خطر هذا النوع من الاسلحة في العراق لتبرير التدخل العسكري ضد الرئيس الراحل صدام حسين. أما بخصوص وجود اسلحة نووية في ايران، فرأى بليكس ان اثبات الموضوع «بالغ الصعوبة» على اي حال.

كما شكك خبير معروف في مجال الدراسات الاستراتيجية بالتقرير الاستخباراتي الأميركي، مشيرا الى انه قد يكون «مناورة» من الاستخبارات الأميركية ضد الرئيس جورج بوش، وذلك في مقابلة نشرتها صحيفة «لو تان» السويسرية. واعتبر فرنسوا هيسبورغ، مدير مركز سياسة الأمن في جنيف، ان التقرير «مفاجئ». وأوضح ان هذا التقرير «قد يكون انتقاما للأجهزة الأميركية من الرئيس الذي وضعها في وضع صعب في الأزمة العراقية». وأضاف مؤلف كتاب «ايران، خيار الاسلحة؟»، ان «الأزمة العراقية أظهرت القدرة اللامتناهية للاستخبارات الأميركية على قولبة تقييم خطر ما تبعا للوضع السياسي الآني«. واعتبر الباحث ان انشطة معمل التخصيب في نطنز الذي يضم 3000 جهاز طرد مركزي «تبقى من دون تفسير، فهي لا تتعلق بأي مشروع ذي طبيعة مدنية». وأضاف «ان نشر 3000 جهاز طرد مركزي هذا الصيف لا معنى له الا بأن ايران تفكر بتطبيقات يمكن ان تكون عسكرية». اشار الى ان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية «محمد البرادعي بدا وكأنه متشدد». واعتبر الخبير الاستراتيجي ان نشر التقرير الاميركي «سيؤدي حتما الى لغط في المحادثات داخل مجموعة 5+1» التي تضم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. من ناحيته، دعا الرئيس الأميركي جورج بوش إيران الى الكشف عن كل انشطتها النووية، والا واجهت مزيدا من العزلة من جانب المجتمع الدولي. وأكد بوش لدى وصوله الي اوماها أن ايران لم تفسر بالكامل أنشطتها النووية بينما تواصل تحدي مطالب بوقف تخصيب اليورانيوم.

وقال «يتضح من تقييم المخابرات القومية الأخير أن هناك المزيد الذي ينبغي للحكومة الإيرانية تفسيره بخصوص نواياها النووية وأعمالها الماضية، خاصة برنامج الاسلحة النووية السري الذي واصلته حتى خريف عام 2003 والذي لم يعترف به النظام الايراني بعد». وأكد البيت الأبيض ان الولايات المتحدة ستمضي قدما في حملتها لفرض جولة ثالثة من العقوبات من جانب الامم المتحدة ضد طهران. وقال بوش ان بريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا تتفق على أن القضية النووية الايرانية لا تزال تمثل مشكلة. وأضاف «الايرانيون أمام خيار استراتيجي.. يمكنهم أن يعلنوا كل شيء أمام المجتمع الدولي بخصوص نطاق أنشطتهم النووية ويقبلوا بالكامل العرض القائم منذ فترة طويلة بتعليق برنامجهم للتخصيب ويأتوا الى طاولة التفاوض.. أو يمكنهم الاستمرار على طريق العزلة وهو ليس من مصلحة الشعب الإيراني.. الاختيار يرجع الى النظام الايراني». وأعلن بوش ان «اكتشافا كبيرا» حصل في أغسطس (آب) يقف وراء تحول موقف الاستخبارات الأميركية المفاجئ من سياسة ايران النووية. ولم يعط بوش تفاصيل حول طبيعة معلومات الاستخبارات الجديدة التي ادت الى اعادة النظر في التقييم الذي تم في 2005 لملف ايران النووي. يذكر انه في أغسطس جاء مايك ماكونيل، مدير الاستخبارات الوطنية، للاجتماع ببوش، وقال له «لدينا معلومات جديدة». وقال الرئيس بوش في معرض وصفه هذا اللقاء «لم يقل لي ما هي هذه المعلومات، لقد قال لي ان ذلك الأمر سيستغرق بعض الوقت لتحليله». وقال بوش «اعتقد ان اجهزة الاستخبارات حققت اكتشافا كبيرا. لقد درسنا هذا الاكتشاف وأصبح ذلك يدخل في حسابات سياستنا». وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» ان اجهزة الاستخبارات الاميركية تنصتت على مكالمات بين كبار المسؤولين العسكريين الايرانيين. وقالت الصحيفة نقلا عن مصدر مقرب من اجهزة الاستخبارات إن احد هؤلاء المسؤولين الكبار اشتكى من ان البرنامج النووي قد توقف منذ سنوات. ونظر مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي آي ايه» في بادىء الأمر الى هذه المعلومات بارتياب خشية ان تكون ايران تقوم بمناورة تضليل. وقال بوش «نريد ان نكون متأكدين أولا من ان الامر ليس تضليلا. نريد ان نكون أكيدين بان المعلومات التي قمتم بجمعها صحيحة». وفيما دعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، في العاصمة السلوفينية ليوبليانا الى فرض عقوبات «اكثر فعالية» على ايران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ان تقرير المخابرات الأميركي قال ان كون طهران لا تملك برنامجا نشطا لتصنيع الأسلحة النووية سيكون عنصرا هاما يحسم قضية الحاجة الى فرض عقوبات جديدة عليها. وقال لافروف في مؤتمر صحافي «سنقيم الموقف بشأن المقترحات الخاصة باستصدار قرار جديد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اساس عناصر عدة منها نشر الولايات المتحدة بيانات تظهر ان ايران لا تملك برنامجا نوويا عسكريا». ويأتي ذلك فيما قال لافروف ان بلاده لا تملك معلومات تفيد بأن ايران كان لديها برنامج نووي عسكري قبل عام 2003، مناقضا بذلك مضمون تقرير اميركا. وقال لافروف «لا نملك معلومات بأن مثل هذا المشروع كان موجودا قبل 2003 بالرغم من ان الزملاء الأميركيين يقولون ان هذا ما كان الوضع عليه». ومنعا لبحث فرض عقوبات جديدة على إيران، قال لافروف ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا ايران الى تجميد برنامج تخصيب اليورانيوم خلال لقاء مع كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي سعيد جليلي. وقال لافروف في تصريحات نقلتها وكالة انترفاكس الروسية للأنباء ان بوتين «دعا مجددا القيادة الإيرانية بإصرار الى التعاطي بجدية مع مطالب» الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي «الداعية الى تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم».

من ناحيته، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ان تقرير الاستخبارات الأميركية حول ايران يؤكد انها «لا تشكل خطرا وشيكا». وأضاف أثناء مؤتمر صحافي في وزارة الخارجية البرازيلية «لا نستطيع الاستناد فحسب الى تقرير مخابراتي أميركي، لكنه خبر جيد أنه توافق واستنتاجاتنا». وأوضح مدير الوكالة الدولية «لا أرى في إيران خطرا وشيكا يحيدنا عن عملية المفاوضات».

5 أسئلة.. 7 طرق للتقييم

* قام تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية على 5 أسئلة رئيسية وضعها كبار المسؤولين عن الاستخبارات الخاصة بإيران. وهذه الأسئلة هي: ـ ما هي نوايا إيران نحو تطوير أسلحة نووية؟ ـ ما هي العوامل الداخلية التي تؤثر على صانع القرار الإيراني في ما يتعلق بتطوير أسلحة نووية من عدمه؟ ـ ما هي العوامل الخارجية التي تؤثر على صانع القرار الإيراني في ما يتعلق بتطوير أسلحة نووية؟ ـ ما هي الخيارات المحتملة أمام إيران في ما يتعلق بتطوير أسلحة نووية، والعوامل الحاسمة التي تحدد توجه إيران نحو قرارات دون غيرها؟ ـ ما هي قدرات إيران الحالية لتطوير أسلحة نووية؟ وما هي الافتراضات الأساسية التي لدى واشنطن بخصوص نطاق الضعف الإيرانية؟ وخلال عمل أجهزة الاستخبارات الأميركية حول المعلومات المتوافرة عن إيران خلال عامي 2006 و2007، والتي جمعت عبر وسائل عديدة، من بينها التنصت على عدد من المسؤولين النوويين الإيرانيين، وكومبيوتر محمول مسروق من مسؤول إيراني، قام مسؤولو الاستخبارات الأميركية بوضع 7 معايير لتقييم مدى صدقية هذه المعلومات، وهي معلومات «مستبعدة» ومعلومات «من غير المرجح صحتها»، ومعلومات «غير محتملة»، ومعلومات «متساوية الفرصة بين الصواب والخطأ»، ومعلومات «مرجح صحتها»، ومعلومات «مرجح جدا صحتها»، ومعلومات «من شبه المؤكد صحتها».