سفير أميركا لدى وكالة الطاقة الذرية لـ «الشرق الأوسط»: ملف إيران النووي لم يغلق بعد

غريغوري شولت قال أن كلام الإيرانيين عن إغلاق ملفات آلات الطرد المركزي غير صحيح

غريغوري شولت
TT

قال السفير الاميركي لدى وكالة الطاقة الذرية، غريغوري شولت، ان ملف إيران لم يغلق بعد في أعقاب تقرير وكالات الاستخبارات الاميركية الذي قال ان طهران أوقفت برنامجها النووي للاستخدام العسكري عام 2003 بسبب الضغوط الدولية. وأوضح السفير الاميركي في حوار مع «الشرق الأوسط» ان هناك 3 نقاط ما زالت عالقة بين إيران ووكالة الطاقة الذرية يجب حلها من بينها العثور على يورانيوم عالي التخصيب وتصميمات إيرانية للاستخدام العسكري للتكنولوجيا النووية، موضحا ان امام إيران مهلة حتى نهاية الشهر للرد على هذه القضايا العالقة. وحذر السفير الاميركي من أن معرفة وكالة الطاقة بالبرنامج النووي الإيراني تتلاشى، باستثناء نقطة واحدة وهي قيام إيران بتخصيب اليورانيوم. كما أوضح شولت ان تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أحد مصادر المعلومات الاساسية حول البرنامج النووي الإيراني، رافضا التعليق على وجود تعاون بين وكالة الطاقة الذرية والاستخبارات الاميركية. ووصف شولت إعلان الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد التقرير بأنه انتصار لإيران بـالـ«شيء الغريب», كاشفا ان الرئيس الاميركي جورج بوش هو الذي أمر برفع السرية عن تقرير الاستخبارات.

وهنا نص الحوار:

* هل تقرير الاستخبارات الاميركية الذي قال ان طهران اوقفت برنامجها النووي للاستخدام العسكري عام 2003 بسبب الضغوط الدولية، جاء في «وقت سيئ» بالنسبة لواشنطن، اذ أنه جاء بعد أيام فقط من اجتماع باريس الذي تم الاتفاق فيه على بحث فرض عقوبات جديدة على إيران؟ ـ وكالات الاستخبارات الاميركية حصلت على معلومات جديدة ومهمة حول إيران قبل فترة. وقالوا للرئيس بوش: نحن نجري تقييما جديدا حول إيران، لكن الامر سيأخذ بعض الوقت. وكالات الاستخبارات الاميركية تفحصت المعلومات التي حصلت عليها بدقة شديدة، وضعا في الاعتبار درس العراق. وبعدما توصلت الاستخبارات الى نتائج وتقييمات حول البرنامج النووي الإيراني، قدموها للرئيس بوش الاسبوع الماضي. الرئيس بوش أدرك ان هذه التقييمات الجديدة مهمة، وأمر برفع السرية عن تقرير الاستخبارات، وخرج التقرير للعلن. رأى الرئيس انه بدلا من محاولة إخفاء هذه المعلومات عن العالم، الافضل ان يعلن ان هذا هو تقييم الاستخبارات الاميركية، ويوضح ما الذي يعنيه هذا التقييم.

* الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وصف تقرير الاستخبارات بـ الـ«نصر» للايرانيين.. كيف ترى هذا؟ ـ وصف الرئيس احمدي نجاد التقرير بأنه انتصار للايرانيين شيء غريب ومثير للعجب. فالتقرير تأكيد لحقيقة ان على العالم ان يكون قلقا إزاء الانشطة النووية الإيرانية. فكلنا نريد الانتصار. لكن الانتصار الحقيقي هو الجلوس إلى مائدة التفاوض. وانتظار موافقة إيران على قبول اتفاق سياسي، يتيح لها الحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدام المدني. وسيرضى العالم ساعتها ان يظل برنامج إيران النووي سلميا محضا.

* ماذا كانت ردة فعلك الاولي عندما سمعت بنتائج تقرير الاستخبارات الاميركية حول إيران؟ ـ اول رد فعل لي بعد قراءة التقرير هو ان الملف النووي الإيراني لم يغلق بعد. ففي الحقيقة التقرير يؤكد أننا كنا محقين في مخاوفنا من النشاطات النووية الإيرانية. فالتقرير يقول بدرجة عالية من الثقة بان جزءا من القوات المسلحة الإيرانية كان يعمل بتوجيهات من القيادة الإيرانية لتطوير أسلحة نووية. هذه الانشطة توقفت عام 2003، بفضل ضغوط المجتمع الدولي، لكن كان لديهم برنامج نووي عسكري حتى ذلك الحين، وذلك في مخالفة لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، وهذا ما اكتشفه العالم لاحقا. وما زال الإيرانيون يرفضون الالتزام ببنود معاهدة منع الانتشار النووي. من الجيد أن الإيرانيين اوقفوا برنامجهم النووي العسكري، لكن من ناحية اخرى تقديرات وكالات الاستخبارات الاميركية تشير الى ان إيران أبقت خياراتها مفتوحة لتطوير أسلحة نووية، اي أنهم يمكن ان يطوروا أسلحة نووية عندما يقررون هذا. والوسيلة الأساسية التي تمكنهم من إبقاء ذلك الخيار مفتوحا، هو مواصلتهم تخصيب اليورانيوم. الايرانيون لا يحتاجون الى تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، فهم حتى لا يملكون مفاعلا نوويا ليستخدموا فيه اليورانيوم الذين يقومون بتخصيبه. لكن القدرة على تخصيب اليورانيوم مفتاح أساسي لتطوير سلاح نووي، وهذا من دواعي قلق أميركا. رد فعلى الاولي على التقرير انه مفيد، ويظهر ان القيادة الإيرانية تستجيب للمخاوف والضغوط الدولية، لكن وعلى الجانب الآخر، وكما قال الرئيس بوش، فإن التقرير ايضا بمثابة تحذير. تحذير كون إيران باشرت برنامجا عسكريا نوويا، ويمكن ان تباشر وتستأنف هذا البرنامج مجددا، خاصة إذا استمرت في تطوير قدراتها على تخصيب اليورانيوم. ما الذي يعنيه هذا؟ يعني، كما قلت للدكتور محمد البرادعي عندما اتصلت به لأطلعه على ما جاء في تقرير الاستخبارات الاميركية، ان عمل وكالة الطاقة الذرية الآن أكثر أهمية حتى من السابق. فأولا، لا بد ان نفهم بدقة ما الذي فعلته إيران في الماضي فيما يتعلق ببرنامجها النووي العسكري. ثانيا: ان نتأكد من اننا مطلعون بشكل كامل على كل صغيرة وكبيرة في انشطتهم النووية الحالية للتأكد من أنهم لن يعاودوا برنامجهم العسكري. وثالثا، التأكد من التزام إيران بمطالب مجلس الأمن الدولي بوقف تخصيب اليورانيوم.

* وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال إنه «لا يوجد اي دليل على ان إيران بدأت العمل في برنامج نووي عسكري»، كيف ترى هذا التقييم؟ ـ لا أتفق معه. فتقييم الاستخبارات الاميركية ان الإيرانيين كان لديهم برنامج نووي عسكري، ثم قاموا بإغلاقه. كذلك مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي تحدث عن « قضايا ما زالت عالقة» بين إيران ووكالة الطاقة متعلقة بجوانب عسكرية في البرنامج النووي الإيراني، لم ترد إيران على هذه القضايا العالقة بعد، ونأمل ان يفعلوا هذا قريبا. البرادعي يضغط بشدة على إيران لحل كل هذه القضايا العالقة، ومن بينها توضيح وجود آثار ليورانيوم عالي التخصيب، لا يستخدم إلا في الأغراض العسكرية، في معمل ابحاث. ولماذا تجري إيران أبحاثا على تصميمات صواريخ تتلاءم مع الاسلحة النووية.

* كبير المفاوضين النوويين سعيد جليلي قال في لندن، الاسبوع الماضي، إنه كانت هناك 6 قضايا عالقة بين الوكالة وإيران. حل منها 3 وبقي 3 قضايا أخرى تنتظر الحل. وقال جليلي ان من بين القضايا التي حلت القضايا المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي «بي 1» و«بي 2»، هل هذا صحيح؟ ـ اولا أريد ان أؤكد ان المسائل المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي من طراز «بي 1» و«بي 2» لم تغلق بشكل كامل بين الإيرانيين ووكالة الطاقة، فهناك نقاط لا بد من استكمالها. اما القضايا الثلاث الاخرى العالقة فهي تفسير آثار وجود يورانيوم عالي التخصيب وجدت في إحدى الجامعات الإيرانية، وتجارب تمت باستخدام البلوتونيوم توتانيوم، وهي أيضا خطوة أساسية في تطوير أسلحة نووية، ودراسات علمية اجرتها إيران تشير الى نشاطات نووية. مدير وكالة الطاقة الذرية طلب من الإيرانيين ان يوضحوا هذه النقاط بنهاية هذا الشهر. حتى أكثر من هذا، فالامر لا يتعلق بالانشطة النووية الإيرانية في الماضي، بل ايضا بفهم الذي يحدث اليوم فيما يتعلق بالانشطة النووية الإيرانية. الرئيس نجاد قال ان إيران تعمل على تكنولوجيا آلات الطرد المركزي، لكن طهران رفضت الكشف عن هذه الابحاث التي تجريها على آلات الطرد المركزي او حتى وصفها لوكالة الطاقة الذرية، بل أن إيران قالت بداية هذا العام إنها لن تقدم أي معلومات مسبقة حول أنشطتها النووية الجديدة لوكالة الطاقة الذرية. وهذا في الواقع مثار قلق لدينا هنا في فيينا. لماذا تمتنع إيران عن الكشف عن انشطتها مع ان الوكالة تحتاج الى هذه المعلومات كي تكون لدينا جميعا الثقة بان إيران لم تستأنف أنشطتها النووية.

* الموقف الصيني ربما لا يبدو واضحا فيما يتعلق بفرض عقوبات جديدة على إيران. فوزير الخارجية الصيني قال إن الطريق لحل الأزمة النووية مع إيران هو التفاوض، بدون ان يجيب عن سؤال حول ما إذا كانت بكين ستقوم بدعم قرار عقوبات جديد من مجلس الأمن. فيما قال السفير الصيني في الأمم المتحدة ان تقرير الاستخبارات الاميركية غير الموقف فيما يتعلق بقرار عقوبات جديد من مجلس الامن. هل تعتقد ان الصينيين والروس يسحبون موافقتهما على قرار عقوبات جديد من مجلس الامن بعدما كانوا ايدوا هذه الخطوة قبل يومين؟ ـ لا أستطيع ان أتحدث نيابة عن الروس والصينيين. لكن يمكنني ان أؤكد ان الرسالة التي وصلت من الدولتين في آخر اجتماع لوكالة الطاقة الذرية هي «رسالة قاسية». فرسالة روسيا والصين لإيران هي ان عليها ان تتعاون بشكل كامل مع وكالة الطاقة الذرية، ووقف كل الانشطة المثيرة للقلق، والالتزام بقرارات مجلس الامن، بما في ذلك وقف تخصيب اليورانيوم. وكل من الصين وروسيا اتفقتا معنا على انه إذا لم تلتزم إيران بهذا، فعلى مجلس الأمن التحرك.

* أحد مصادر تقرير الاستخبارات الاميركية مسؤول بوكالة الطاقة، هل هناك تعاون بين وكالة الطاقة الذرية والاستخبارات الاميركية؟ ـ لن يمكنني ان أعلق على المسائل الاستخباراتية، لكنني أستطيع ان أقول اننا نأخذ تقارير وكالة الطاقة الذرية بجدية بالغة. تقارير الوكالة طبعا توزع على كل الدول الاعضاء في وكالة الطاقة الذرية؛ ومن بينها اميركا. وتقارير الوكالة رددت مرارا ان هناك قضايا عالقة لا بد من الاجابة عنها. فبعد 5 سنوات من التحري الدقيق، لا تستطيع وكالة الطاقة الذرية تأكيد الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، بل ان معرفة وكالة الطاقة بالانشطة النووية الإيرانية تتلاشى الآن، باستثناء موضع واحد وهو معرفتنا المؤكدة ان طهران تخصِّب اليورانيوم.

* هل تقرير الاستخبارات يثير من جديد الجدل داخل الادارة بين الحمائم الذين يريدون حلا سياسيا للازمة مع إيران وبين الصقور الذين يريدون نهجا أشد؟ ـ سياسة الادارة الاميركية حول إيران يضعها الرئيس بوش. والرئيس قال بشكل واضح سواء علانية او بشكل خاص انه يريد حلا دبلوماسيا للازمة. هذا هو هدفنا قبل تقرير الاستخبارات وبعد تقرير الاستخبارات. لكن إذا اردنا النجاح في تحقيق هذا الحل الدبلوماسي علينا ان نوضح للقيادة الإيرانية ان الطريق الذي يسيرون عليه من عدم التعاون مع وكالة الطاقة والالتزام بقرارات مجلس الامن، سيدفع الإيرانيين نحو عزلة اكبر وعقوبات أشد. وفي نفس الوقت، لدينا عرض على المائدة، نريدهم ان يأتوا ويأخذوا هذا العرض.

* عرضكم هو وقف التخصيب للتأكد من ان إيران لن تطور أسلحة نووية، لكن الايرانيين يقولون إن هناك مفتشين من وكالة الطاقة الذرية يراقبون أنشطة طهران ومنشآتها النووية، وبالتالي هم يرون أنه لا مبرر لوقف التخصيب طالما ان العملية كلها مراقبة؟ ـ وقف التخصيب ليس شرطا اميركيا، بل هو مطلب وكالة الطاقة الذرية نفسها اتخذ في اغسطس (آب) 2005، الذي طلب من إيران اتخاذ هذه الخطوة لاستعادة الثقة بالطبيعة السلمية لبرنامجها النووي. وعندما رفضت طهران مطلب وكالة الطاقة الذرية تدخل مجلس الامن، واصدرت قرارا يجعل وقف التخصيب مطلب قانوني. وبالتالي اختلف مع المسؤولين الايرانيين، فطهران مطالبة قانونيا بوقف التخصيب. هذا التزام قانوني عليهم الوفاء به بموجب قرارات مجلس الامن. لكن علي ان أوضح ان واشنطن، والمجتمع الدولي، يدعمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما في ذلك استخدام الطاقة النووية المدنية للايرانيين. والعرض الذي وضعناه للايرانيين يؤكد هذا الحق. فنحن عرضنا ان نمدهم بالتكنولوجيا النووية والوقود النووي طالما أخذوا خطوات تؤكد الطبيعة السلمية لبرنامجهم النووي.

* إذن واشنطن ستواصل مساعيها لإصدار قرار عقوبات ثالث من مجلس الامن ضد إيران؟ ـ ليس اميركا فقط، لقد سمعنا نفس التأكيدات من فرنسا وبريطانيا والمانيا ودول اخرى. نريد حلا دبلوماسياً. لكن لتحقيق هذا الحل الدبلوماسي لا نحتاج فقط الى عرض على المائدة، وهو ما زال هناك، بل ايضا مزج الدبلوماسية بالعقوبات والضغوط الاقتصادية والعزلة الدولية. لذلك نعتقد ان هذه الاستراتيجية التي وضعتها مجموعة «5 زائد + 1» ما زالت هي الاستراتيجية التي نعمل وفقها.