مصدر فرنسي لـ«الشرق الأوسط» : تعاملنا مع دمشق لا يعني تطبيع العلاقات

باريس تتخوف من تأثير «التجاذبات» الإيرانية ـ السورية على الاستحقاق الرئاسي

TT

قال مصدر فرنسي واسع الاطلاع على الاتصالات القائمة بين باريس ودمشق بشأن الموضوع اللبناني إنه «ليس من الصحيح القول إن فرنسا وسورية قامتا بتطبيع علاقاتهما أو هما بصدد ذلك». ورأى هذا المصدر أنه «لا تزال هناك مسافة طويلة يتعين اجتيازها قبل الحديث عن تطبيع» وأن معيارا «رئيسيا» يتوجب توافره « وليس متوافرا بعد»، وهذا المعيار هو إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية ووضع حد للفراغ الرئاسي و«إخراج لبنان من دائرة الفوضى والخطر».

وتعتبر باريس أن ما هو قائم الآن مع دمشق هو «محاولة للعمل معا حول موضوع بعينه هو لبنان» وهو بذلك شبيه بما يقوم به الأميركيون مع إيران حول العراق من غير أن يعني ذلك تطبيعا للعلاقات. و«النتيجة التي يمكن أن نصل إليها إيجابية أم سلبية تقرر المسار اللاحق».

ويراهن المسؤولون الفرنسيون على «دور إيجابي» تلعبه سورية في لبنان عبر حلفائها في المعارضة وتحديدا حزب الله وتعتبر أن «كلمة السر» لتجاوز عقدة العماد ميشال عون موجودة عند حزب الله «المتأثر كثيرا» بالموقف السوري. ووصفت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» الاتصال الهاتفي بين الرئيسين السوري والفرنسي الأحد الماضي بأنه كان «إيجابيا».

وبحسب باريس، فإن السلطات السورية تعتبر العماد ميشال سليمان «مرشحا مثاليا وبالتالي نحن لا نرى كيف يمكن لدمشق أن تضحي بسليمان أو كيف يمكن لحزب الله أن يفوت فرصة وصول قائد الجيش الى قصر بعبدا». وتفيد المعلومات المتوافرة عن الاتصالات التي تمت بين الرئيس ساركوزي والرئيس بشار الأسد أن سورية «وعدت بالتدخل لتسهيل» الانتخابات عند حزب الله. لكنها في الوقت عينه «حملت» باريس عبء إقناع العماد عون بالتخلي عن شروطه. غير أن الدبلوماسبة الفرنسية، كما قالت مصادرها، «تتوجس من تلطي» حزب الله وكل المعارضة وراء عون وتميل إلى تفسير ذلك بأن دمشق «لم تف بالتعهدات التي قطعها أعلى هرم السلطة في سورية» أو أن «الثمن المطلوب لتسهيل الانتخاب ما زال مخبأً».

بموازاة ذلك، تبدي الأوساط الفرنسية «بعض المخاوف» من التجاذبات الجديدة القائمة بين دمشق وطهران نتيجة لمشاركة سورية في مؤتمر أنابوليس وهو ما «أغاظ إيران إلى أبعد الحدود خصوصا أنها ترى فيها محاولة لفك تحالف سورية معها». وتتساءل هذه الأوساط عما إذا كان حزب الله «سيميل في هذا الاتجاه أو ذاك وبالتالي هل سيستجيب لدعوة سورية لتسهيل وصول سليمان إلى الرئاسة مرشحا توافقيا أم أنه سيبقى على خطه التصعيدي وعلى مناوراته مع عون». ولكن باريس ترى أن ما يزيد الأمور تعقيدا أن حزب الله «بحاجة الى عون كما أن عون بحاجة لحزب الله» وبالتالي فإن وسائل الضغط على الرابية «ليست بلا حدود». وفي أي حال، ترى الأوساط الفرنسية أن «إضاعة» فرصة انتخاب سليمان «ستكون بمثابة كارثة لأنها الخرطوشة الأخيرة» التي يمكن اللجوء إليها. وفي حال لم تنجح الجهود فسيكون ذلك «مؤشرا صلبا» على أن أطرافا تراهن على الفراغ الدستوري في لبنان.

ورغم الوساطة التي يقوم بها الوزير كوشنير في بيروت، فإن المصادر الفرنسية التي تصف ترشيح الأكثرية للعماد سليمان بأنه كان «ماهرا» من ناحية التكتيك السياسي، ترى أنه «لم يعد للأكثرية ما يمكن أن تتنازل عنه» استجابة لمطالب عون ولذا فإن «استمرار الضغوط عليها وإطالة الفراغ الدستوري سيكون من نتائجه إحياء خيار النصف زائدا واحدا وبالتالي فتح باب المجهول مجددا».

ودعت المصادر الفرنسية الرئيس نبيه بري إلى «تحمل مسؤولياته لأن مصداقيته في الميزان إذ أنه لم يعد مفهوما التزامه القول: على الأكثرية والمعارضة الاتفاق سياسيا وأنا جاهز للتعديل الدستوري». واستبعدت المصادر الفرنسية أن تستمر لعبة الشروط والشروط المضادة «إلى ما لا نهاية» رغم انزلاق البحث إلى رزمة التسوية. وبحسب باريس، فإن «السيطرة على الوضع ليست مضمونة في حال استمر الوضع على حاله» ناهيك عن أن الأكثرية النيابية «لن ترضى» بهذا الوضع. ولمحت المصادر الفرنسية إلى أن ثمة «من يحلم» بأن يستمر الفراغ إلى الانتخابات التشريعية، لكنها رأت أن هذه المراهنة «محفوفة بالمخاطر» بالنسبة لكل الأطراف ولحزب الله وإيران بالدرجة الأولى.

وكشفت المصادر الفرنسية أن إيران «سعت للربط بين ملفها النووي وبين الموضوع اللبناني وهذا ما رفضناه بطبيعة الحال». ومع ذلك ترى باريس أن «لا مصلحة لإيران» قي ترك الأمور تتدهور «لأن معنى ذلك تبديد ورقة حزب الله وانتفاء استخدامها لاحقا». ومن وجهة النظر الفرنسية، مصلحة إيران في لبنان هي في «وجود حزب الله قوياً في دولة لبنانية ضعيفة ما يسمح له بالاحتفاظ بسلاحه وفرض شروطه والتظلل بالشرعية اللبنانية التي لا يستطيع الحزب تبديدها».