ساركوزي يقترح في الجزائر حلفا نوويا بين الغرب والعالم الإسلامي

الرئيس الفرنسي غادر الجزائر ولم يعتذر داعيا إلى التطلع نحو المستقبل.. وميركل تحذر من مشروعه

ساركوزي وبوتفليقة يتلقيان التحية العسكرية أمس من ضابط في قسنطينة (أ.ف.ب)
TT

أنهى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس في قنسطينة زيارته للجزائر من حيث بدأها بإدانة حازمة لحقبة الاستعمار، لكن من دون ان يقدم اعتذارا، داعيا الجزائر الى «التطلع نحو المستقبل». كما دعا نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى «بناء اتحاد متوسطي قائم على الصداقة الفرنسية ـ الجزائرية، تماما كما دعت فرنسا ألمانيا في الماضي، إلى بناء الاتحاد الأوروبي على الصداقة بين البلدين». واقترح ساركوزي ايضا «حلفا قائما على التعاون النووي بين الغرب والعالم الإسلامي».

وعلى وقع الخطاب الذي ألقاه الاثنين لدى وصوله الى الجزائر، امام مجموعة من ارباب العمل، دان ساركوزي هذه المرة امام طلاب في جامعة منتوري ونظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الحقبة الاستعمارية «الظالمة» التي شهدتها الجزائر بين عامي 1830 و1962. وقال ساركوزي «الكثير من الذين أتوا للإقامة في الجزائر كانت نواياهم حسنة. أتوا للعمل وللبناء من دون ان تكون لهم نية في تسخير احد أو استغلاله». وأضاف «لكن النظام الاستعماري لم يكن عادلا في طبيعته ولا يمكن اعتباره الا عملية تسخير واستغلال».

وذهب الرئيس الفرنسي أبعد، عندما ساوى بين قتلى فرنسا على أيدي مقاتلي جيش التحرير، وبين الجزائريين ضحايا الجيش الاستعماري الفرنسي، حيث قال: «لا يمكن أن أنسى اولئك الذين سقطوا حاملين السلاح ليستعيد الشعب الجزائري حريته ولا أنسى ضحايا القمع الأعمى ولا اولئك الذين قتلوا في الاعتداءات.. ولا حتى اولئك الذين اضطروا الى التخلي عن كل شئ». وتحدث في ذات السياق عن «آلام ومعاناة من الطرفين»، وهو خطاب سبق أن ردده عندما زار الجزائر في 2005 كوزير للداخلية، حيث أثار استياء قطاع واسع من الجزائريين الذين يرفضون أن يتساوى «الجلاد والضحية» في حرب الجزائر. وكما لمحت اوساط ساركوزي مساء اول من أمس، لم يقدم الرئيس الفرنسي اعتذارا تطالب به الجزائر على الجرائم المنسوبة الى فرنسا خلال فترة الاستعمار، بل دعاها الى «طي هذه الصفحة». وأضاف ساركوزي «لم آت لادانة الحقبة الماضية لكنني اتيت لأقول لكم بان المستقبل اهم». وأوضح ان «اخطاء وجرائم الماضي لا تغتفر. لكن الاجيال الصاعدة ستحكم علينا استنادا الى قدرتنا على مواجهة التعصب والعنصرية اللذين هما من أسس جرائم وحروب المستقبل». وكدليل على حسن النية، رحب ساركوزي باتفاق التعاون في المجال النووي المدني الذي وقع أول من أمس بين البلدين، معتبرا انه «دليل على ثقة» فرنسا في الجزائر. وتابع «يمكنني القول إن التعاون النووي المدني سيكون أهم أسس حلف قائم على الثقة، ينبغي على الغرب أن يعقده مع العالم الإسلامي»، من دون تقديم تفاصيل أخرى. ويفتح الاتفاق النووي للجزائر، باب الطاقة النووية المدنية ويشمل البحث وإنتاج الكهرباء والتكوين واستكشاف واستغلال مناجم اليورانيوم. ويرى الطرف الفرنسي أن باريس تمضي لأول مرة عقدا من هذا النوع مع بلد عربي إسلامي».

ولترسيخ «الحقبة الجديدة»، التي دعا اليها عرض الرئيس الفرنسي على الجزائر بناء «الاتحاد المتوسطي» مع فرنسا على اساس «الصداقة الفرنسية ـ الجزائرية.. مثلما عرضت فرنسا في الماضي على المانيا بناء الاتحاد الأوروبي على اساس الصداقة الفرنسية ـ الالمانية». وتابع «ان ما قام به المستشار اديناور والجنرال ديغول اكتسب اهمية بهذا الحجم بالنسبة لاوروبا نظرا الى وجود معاناة هائلة كان ينبغي تخطيها. وما ستقوم به الجزائر وفرنسا معا يكتسب اهمية كبرى بالنسبة لمصير المتوسط على ضوء المعاناة الهائلة التي ينبغي تخطيها».

ورأى ساركوزي ان «اتحاد المتوسط رهان تمليه المثل والمنطق معا. رهان لا يختلف في منطقه عن رهان اوروبا قبل ستين عاما»، مشيرا الى ان البعض «يشكك في امكانية نجاح مشروع كهذا». واضاف «ان فرنسا تقترح على الجزائر ان تكسب هذا الرهان معها». ورأى ان «الحضارة المتوسطية لم تكتسب عظمة الا من خلال التبادل والاختلاط وحتى التهجين اذا أمكنني القول. وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي ستمكنها غدا من مقاومة تبسيط العالم المبرمج». وقال «ان التنوع والتبادل والتهجين والانفتاح على الآخر، هي المبادئ التي يجب ان يقوم عليها الاتحاد المتوسطي».

ويدعو الرئيس الفرنسي الى انشاء اتحاد متوسطي يجمع كل دول حوض المتوسط حول مشاريع عملية محددة. ولم تلق هذه المبادرة حتى الآن سوى اهتمام محدود لا يتعدى حدود اللياقة من الدول المعنية، ولا سيما منها الأوروبية التي تخشى ان ينافس هذا المشروع مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية الذي اطلق العام 1995. وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس من خطط ساركوزي بشأن إنشاء اتحاد لحوض البحر المتوسط، وقالت خلال اجتماع في برلين إنها تنظر بعين الشك إلى هذه الافكار لانها من الممكن أن تشكل تهديدا لكيان الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل. وأضافت أن تطور هذا الكيان والذي ينتج عنه نوع من التعاون الذي يتم بشكل منفصل عن الاتحاد الأوروبي وباستخدام الوسائل المالية للاتحاد سيؤدي إلى «تفكك كيان الاتحاد». وأكدت ميركل: «يمكن لهذا الامر أن يفسح الطريق لقوى انفجارية في الاتحاد الأوروبي لا أرغب فيها».

وبعد خطابه، نزل ساركوزي مع بوتفليقة الى شوارع وسط قنسطينة ليحيي الحشود وسط هتافات التأييد. وحتى قبل انتهاء زيارة ساركوزي للجزائر، وصفها قصر الإليزيه بأنها ناجحة واعتبر احد كبار المسؤولين فيه انها «ساهمت بالتأكيد في فتح صفحة جديدة» في العلاقات بين البلدين. وأضاف المسؤول ان «كل طرف خطا خطوة نحو الطرف الآخر ما ساهم في استقرار الامور».

من جهته اعتبر وزير الداخلية الجزائري يزيد زرهوني ان تصريحات الرئيس الفرنسي تشكل «تقدما»، لكنه «ليس كافيا». وكان للصحف الجزائرية الصادرة أمس موقف مغاير، اذ كتبت صحيفة ليبرتيه «نحتاج الى جهد إضافي سيدي الرئيس حول ماضي فرنسا الاستعماري». وأشارت صحيفة «الوطن» من دون مواربة الى «تملص ساركوزي».