منظمة دولية: العراق يسير نحو دولة فاشلة يديرها جنرالات الحرب والمليشيات

زيادة القوات الأميركية قلصت العنف.. ولم توحِّد العراقيين

متطوع في صفوف الأمن يراقب الطريق من سطح مبنى في بلدة المقدادية شمال شرقي بغداد أمس (أ.ب)
TT

كان هدف زيادة عدد القوات الأميركية في العراق ايقاف الحرب الأهلية في البلاد حتى يتمكن الزعماء السياسيون من اعادة بناء بلدهم الممزق. وبعد عشرة اشهر، تقلصت اراقة الدماء في البلاد، ولكن الاستراتيجية العسكرية أخفقت في معالجة تقسيم العراق الى مناطق تهيمن عليها المليشيات والعشائر والأحزاب مع وجود حكومة مركزية ضعيفة تصارع من اجل فرض نفوذها.

ففي الجنوب، تتصارع المليشيات الشيعية على موارد النفط في منطقة البصرة. وفي محافظة الانبار غربا تساعد العشائر العربية السنية التي قاتلت القوات الأميركية سابقا في حراسة الشوارع والسيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية الى الأردن وسورية. وفي الشمال، يخوض العرب والأكراد والتركمان معركة على المناطق المحيطة بكركوك والموصل. وفي بغداد، تقسم الجدران الأحياء التي تحرسها الجماعات السنية شبه العسكرية والمليشيات الشيعية.

وقال جوست هلترمان من مجموعة الأزمات الدولية، ان «العراق يسير في اتجاه دولة فاشلة، وهو وضع لا مركزي الى حد كبير، لم يجر التخطيط له بالكامل على الاطلاق مع مراكز سلطة تتنافس ويديرها جنرالات الحرب والمليشيات. ولا تتمتع الحكومة المركزية بهيمنة على أي مكان خارج بغداد، وربما حتى خارج المنطقة الخضراء».

ويبقى المشرعون منقسمين ويستمرون في مواقف التشكيك تجاه بعضهم بعضا. وفي الصيف، خرجت الأقلية العربية السنية من حكومة التحالف، تاركة الشيعة والأكراد في أغلبية ضعيفة بالبرلمان. ويبدو انهم عاجزون عن دفع الأمور باتجاه حل مشكلات البلاد، سواء كانت قانون النفط أو مراجعة الدستور او سن تشريع يحدد سلطات مجالس المحافظات. وقال دبلوماسي أميركي ان على الحكومة التي تغيب حاليا في الكثير من المناطق ان تؤكد وجودها، العام المقبل، كقوة مهيمنة. وقال انه «يتعين أن تكون أولوية رئيس الوزراء ان يكون العام المقبل عام الخدمات. هذا امر صعب، غير ان النافذة لم تغلق». وارتباطا بهذا الهدف، حددت الحكومة العراقية ميزانية تزيد على 19 مليار دولار لاستثمارات القطاع العام عام 2008، غير ان الإنفاق يواجه الفساد والطائفية.

ويرتاب محللون غربيون في ما اذا كانت حكومة مشكلة من الشيعة والأكراد ستكون قادرة على فرض النظام في بلد تستمر فيه الصراعات حتى في المحافظات المختلطة بين السنة والشيعة. ويمهد عجز الحكومة عن اداء وظائفها المسرح لمزيد من العنف ذلك ان الجماعات المختلفة تسعى الى الهيمنة في المدن والمحافظات والمناطق. وعلى الرغم من أن اراقة الدماء لا يحتمل ان تصل الى المستويات التي بلغتها في ذروة الحرب الأهلية عام 2006، فان المحللين يتوقعون مزيداً من النزاع. وقال الشيخ فاتح كاشف الغطاء مدير مركز الثقلين للدراسات الاستراتيجية والمستشار لدى الحكومة العراقية «الوضع مثل طفل ولد لتوه يصارع ويصرخ». وتكهن كاشف الغطاء انه سيتعين على الحكومة أن تسن تشريعا حول ايرادات النفط وصلاحيات المحافظات بحلول الربيع، عندما يبدأ انسحاب القوات الأميركية من بغداد في اطار خطة الأمن. وحذر من أنه حتى في هذه الحالة، فان اقرار التشريع سيفاقم العنفَ لفترة لا تقل عن ستة اشهر، ذلك لـ«أننا سنشهد بعض المشاكل داخل الشيعة وأخرى بين العرب والأكراد خصوصا في الموصل». كما أن الرمادي ستشهد تصاعدا في العنف حيث تناور الجماعات العشائرية السنية من أجل السلطة «فهذا هو ثمن الديمقراطية» حسب كاشف الغطاء. وسعى رئيس الوزراء نوري المالكي الى معالجة الانقسام في البلاد، خصوصا في الجنوب. وقال مسؤول من مكتب المالكي ان حزب الدعوة والمجلس الاسلامي العراقي الأعلى «متفقان على ما يتعين عمله في الجنوب. وهذا اختبار للحكومة بشأن ما اذا كان بوسعهم فرض السيطرة بمنطقة متقلبة جدا».

وتوصلت المليشيات الى هدنة في البصرة قبل النقل المتوقع للمسؤولية الأمنية عن المحافظة من البريطانيين الى الحكومة العراقية، ولكن مستشاراً غربياً للحكومة العراقية قال ان القوات العراقية ما تزال غير مستعدة لتولي المهمة. والمشكلة الرئيسية التي تعانيها قوات الشرطة المحلية ووحدات الجيش في العراق هي الضغط من المليشيات.

وقال أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يتخذ من واشنطن مقرا له انه يرتاب في قدرة الحكومة العراقية على تحقيق الاستقرار بالعراق قريبا. وفي تقرير حديث، قال كوردسمان ان دوراً اميركياً قوياً ضروري جداً لضمان الاستقرار واستبعاد خطر التقسيم الذي يتبناه بعض اعضاء مجلس الشيوخ. والقى كوردسمان باللوم على قرارات الولايات المتحدة بشأن الكثير من الفوضى الراهنة في العراق، بما في ذلك بؤس الخطط لفترة ما بعد الغزو وتعجل الادارة لاحقا في اجراء الانتخابات في يناير(كانون الثاني) 2005، التي قاطعها السنة.

وابلغ «لوس انجليس تايمز» انه «على العموم يتطلب المرء نصف عقد من الزمن للوصول بوضع مثل هذا الوضع القائم في العراق اليوم الى نقطة الاستقرار». ويشعر ضباط اميركيون متوسطو الرتب بالقلق مما يأتي لاحقا حيث يتقلص عدد أفراد الجيش الأميركي مما هو عليه حاليا. وقال الميجور باري دانيلز، ضابط العمليات في الكتيبة الاولى التابعة لفوج الفرسان الخامس، ان «السؤال الكبير بشأن عام 2008 هو ما الذي يحدث اذا غادرت كل هذه الكتائب الاضافية، ذلك ان فراغ المعارك سيملأ ثانية».

وعبر بغداد ووسط العراق يرتبط الهدوء النسبي بتحالف الأميركيين مع الجماعات السنية شبه العسكرية وتجميد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عمليات جيش المهدي، ولكن ما من احد يعرف أن مقاتلي الطرفين يكسبون الوقت حتى بدء رحيل القوات الأميركية واستثمار هذه الفترة في اعادة تنظيم أنفسهم.

وقال دانيلز ان «هذه فرصة أمام الحكومة العراقية لتحقيق مصالحة وطنية. أعتقد انهم اذا ما فعلوا ذلك فانه لن تكون هناك مجموعات من صغار جنرالات الحرب. اما اذا لم يفعلوا ذلك، وقرر الأميركيون انهم فعلوا ما يكفي ويتعين عليهم العودة الى وطنهم فستندلع حرب اهلية شاملة».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»