السلطات الباكستانية أطلقت في هدوء 100 من معتقلي الحرب ضد الإرهاب

محامون ونشطاء ينتقدون برنامج الاعتقال السري

TT

كشف محامون ومنظمات تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان النقاب عن أطلاق السلطات الباكستانية بهدوء سراح قرابة 100 شخص من المشتبه في تورطهم في نشاطات إرهابية وذلك في محاولة لتجنب الاعتراف بوجود نظام اعتقال سري. وكانت السلطات قد وجهت إلى عدد قليل من هؤلاء تهما تتعلق بالإرهاب. وقال المحامون ومسؤولون في هذه المنظمات ان هناك قرابة 500 شخص اختفوا على يد أجهزة الاستخبارات الباكستانية التي تتعاون مع حرب واشنطن ضد الإرهاب اعتبارا من عام 2001. جدير بالذكر ان السلطات الباكستانية لم تعلن عن سبب محدد لإطلاق سراح هؤلاء، إلا ان محللين يرون ان الحكومة الباكستانية قررت إطلاق سراح بعض المشتبه فيهم بغرض تفادي حرج إعلانها ان هؤلاء كانوا يخضعون للحبس على أساس أدلة واهية ضمن نظام اعتقال سري، وجاء إطلاق سراحهم بفعل الضغوط المتزايدة لتوجيه تهم لهم ومثولهم أمام محاكم. وكشفت مقابلات أجريت مع محامين ومدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن دراسة بعض الحالات والإطلاع على وثائق قانونية لدى محامين أدلة خلال الشهور الأخيرة على وجود نظام اعتقال سري. وفي واحدة من هذه الحالات أطلقت السلطات سراح شخص تعتقد ان له صله بقتل الصحافي الاميركي دانيال بيرل دون ان توجه له تهمة، ووجد الشخص المذكور ملقي في مقلب للنفايات وهو واهن ويعاني من المرض وتوفي بعد عشرين يوما. وكان قد القي القبض على الشخص المذكور، إلى جانب متهم آخر، في جنوب افريقيا قبل عدة سنوات وأطلق سراحه في باكستان في وقت سابق من هذا العام. الحكومة الباكستانية نفت من جانبها ان اعتقال أي شخص بصورة غير قانونية وقال مسؤولون ان كثيرا من المفقودين يخضعون للحبس في سجون عادية بسبب تهم جنائية. وقال محامون ومسؤولون في منظمات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان انه وفي حالتين على الأقل، جرى تسليم متهمين إلى الولايات المتحدة دون أي إجراءات تسليم قانونية. ورفض مسؤولون اميركيون في واشنطن التعليق على هذه المسألة. وقال شوكت عزيز صديق، وهو محام يعمل في المحكمة العليا في باكستان التي تنظر في الكثير من حالات الاختفاء، ان السلطات أطلقت سراح بعض المعتقلين بعد ان كشف النقاب عن اعتقالهم مؤكدين ان السلطات الباكستانية تحاول تجنب كشف مثل هذه الحالات. وقال إقبال حيدر، الأمين لعام للجنة الباكستانية لحقوق الإنسان، ان هناك حالة واحدة او حالتين خلال الحكومات السابقة ولم تكن هناك حالات اختفاء متكررة كما هو الحال تحت ظل حكومة برويز مشرف. جدير بالذكر ان حالات الاختفاء كانت واحدة من أكثر القضايا الشائكة بين الرئيس برويز مشرف والمحكمة العليا الباكستانية برئاسة كبير القضاة السابق افتخار محمد شودري. وفيما تركزت انتقادات مشرف على تساهل المحكمة العليا مع الإرهابيين، تشير وثائق المحكمة إلى ان شودري لم يكن يرغب في إطلاق سراح الإرهابيين بقدر ما كان يحرص على التأكد من النظر في قضاياهم بواسطة المحاكم. وقال صديقي ان الهدف الرئيسي لشودري تركز حول تنظيم إجراءات الحبس المبلغ عن اختفائهم وليس إطلاق سراحهم. وأكد صديقي ان المحكمة العليا الباكستانية لم تصدر أي قرار بإطلاق سراح أي شخص أدانه القضاء. وجرى تحذير المعتقلين الذين أطلق سراحهم من مغبة الحديث على أي جهة حول اعتقالهم، إلا بعض التفاصيل حول ظروف اعتقالهم تسربت من عبر أقربائهم ومحاميهم. كما ظهر بعضهم أمام المحاكم وتحدثوا عن أسباب اعتقالهم وبات واضحا «المختفين» كانوا قيد الحبس في زنزانات تابعة للجيش ووكالات الاستخبارات الباكستانية لعدة سنوات دون توجيه تهمة لهم. وذكر المحتجزون أن التحقيق يجري معهم أحيانا بحضور أجانب يتكلمون الانجليزية، على الرغم من أن مسؤولين في بعض منظمات حقوق الانسان يشكون بأنهم أميركيون.

وقال المحتجز الاردني مروان ابراهيم الذي اعتقل خلال غارة جرت في لاهور حيث عاش عشر سنوات إنه تم إرساله إلى مركز الاعتقال في أفغانستان يديره أميركيون ثم إلى الأردن فإسرائيل وأخيرا أطلق سراحه في غزة حسب شهادة قدمها ابراهيم إلى منظمة مراقب حقوق الانسان.

كذلك هو الحال مع مهندس الكومبيوتر الباكستاني مجيد خان، 27 سنة، الذي اختفى من كراتشي قبل 4 أعوام ثم ظهر في 15 أبريل الماضي أمام محكمة عسكرية في معسكر غوانتانامو. وقال محاموه الأميركيون إنه تعرض إلى التعذيب على يد الـ«سي آي أيه» في موقع سري. لكن مانسفيلد المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية تجنب التعليق عدا قوله إن «جهود سي آي أيه في مجال التحقيق مع الإرهابيين هي دائما صغيرة وتتم إدارتها بعناية وبشكل قانوني ومنتجة بشكل كبير».

أضاف: «مر أقل من 100 معتقل من الإرهابيين المتشددين عبر البرنامج منذ البدء به عام 2002، ومن هؤلاء لم يكن هناك سوى اقل من الثلث الذين تطلب التعامل معهم باستخدام إجراءات تحقيق مشددة».

ومع بروز قصص أكثر راح الرئيس مشرف يقاتل بشدة لإبقاء التفاصيل عن الاعتقالات السرية في باكستان مخفية.

وبعد مرور اسبوع على فرض حالة الطوارئ صدر قرار يعدل قانون الجيش 1952 والذي يسمح للمدنيين بمحاكمتهم عبر محاكم عسكرية لانتهاكات عامة. وتكون المحاكمات مغلقة أمام الجمهور ولا تقدم أي حق للاستئناف.

واعترف البريغادير تشيما المتحدث باسم وزير الداخلية أن وكلاء النيابة والمحققين واجهوا صعوبات في تحديد الجرائم ضد المعتقلين. وكان مئات من الأشخاص الذين نقلوا إلى غوانتانامو لم توجه أي تهم ضدهم حسبما أشار. وقال إن التعديل الذي طرأ على قانون الجيش سيحل الكثير من المشاكل.

وأضاف: «احيانا يصبح من الصعب برهنة القضية لكن لديك أسباب كي تعتبر شخصا ما عنصر تهديد للبشرية والمجتمع».

لكن تدخل المحكمة العليا برئاسة القاضي تشودري كشفت هذا النظام الخاص بالاعتقالات السرية. فهو أخذ القضايا المتعلقة بالمفقودين في عام 2006 طالبا من الحكومة أن تتعقب المحتجزين وأن تكون مسؤولة عنهم.

وقال رحمن العامل في لجنة حقوق الإنسان: «هذا كان محرجا كثيرا للحكومة لأن الأشخاص الذين من المفترض العثور عليهم وإطلاقهم هم أنفسهم الذين رددوا هذه القصص».

وكانت أمينة مسعود جانجوا قد قادت حملة لتعقب المفقودين وعلمت أولا بأخبار زوجها الذي اختفى في يوليو 2005 من شهادة خطية قدمها محتجز آخر. ولاحقا ظهر محتجز آخر في محكمة وأخبرها عن زوجها حيث قال إنه معتقل في قاعدة عسكرية بتشاكلالا، في راولبندي الواقعة إلى جنوب العاصمة وشاهد زوجها في زنزانة أخرى.

كذلك جُلب محتجز آخر اسمه حافظ محمد أمام محكمة لكنه أخبر القضاة أن الشرطة أمرته بإعطاء شهادة كاذبة عن اعتقاله والتهم الموجهة ضده حسبما قالت جانجوا. وفي الحقيقة فإنه كان تحت الاعتقال بشكل سري لثلاث سنوات من دون توجيه أي تهمة ضده. وأمر رئيس القضاة بإطلاق سراحه وتم الإفراج عنه في اليوم نفسه.

لكن لم يظهر سوى أربعة محتجزين أمام المحكمة العليا. وأطلق سراح ما يقرب من 100 محتجز هذه السنة بطريقة سرية على يد الشرطة ووكالات الاستخبارات. حسبما قال محامون ومسؤولون في منظمات لحقوق الانسان. وقالت جانجوا: «إنهم لا يستطيعون الاعتراف بأنهم قاموا باحتجاز هؤلاء الأشخاص لأنه لا توجد أي تهم ضدهم وليس هناك أي توثيق».

*خدمة «نيويورك تايمز»